المُساعدات  الدولية للبنان مُرتبطة بالإصلاحات.فهل تصدق الوُعود؟

المُساعدات  الدولية للبنان مُرتبطة بالإصلاحات.فهل تصدق الوُعود؟
الإثنين ٢٧ سبتمبر ٢٠٢١ - ٠٩:٠٣ بتوقيت غرينتش

لم يكن قيام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بربط المُساعدات الماليّة للبنان بالإصلاحات مُفاجئًا لأحد، لأنّ هذا المطلب ليس بجديد.

العالم - لبنان

فإذا كانت الدول الخليجيّة تربط مُساعداتها ببنود سياسيّة مُعيّنة، فإنّ الدول الغربيّة وبخاصة الأوروبيّة، تربط هذه المُساعدات بمجموعة من الإجراءات الإصلاحيّة القاسية التي يتوجّب على السُلطة في لبنان تنفيذها، قبل الحُصول على أيّ دفعات ماليّة كبرى، إن كان من صندوق النقد الدَولي أو من الدول التي شاركت في مؤتمرات عُقدت سابقًا لدعم لبنان.

فهل يُمكن تنفيذ هذه الإصلاحات للحُصول على الأموال؟

يقول الكاتب الساسي ناجي البستاني صحيح أنّ لا قيامة للبنان سوى بتنفيذ مجموعة كبيرة من الإصلاحات البنويّة، وصحيح أنّ تنفيذ أيّ خُطة نُهوضة إقتصادية ومالية لا يُمكن أن تمرّ سوى عبر سياسة إصلاحيّة قاسية، لكنّ الأصحّ أنّ فرصة التنفيذ في الأشهر القليلة المُقبلة، أيّ عشيّة الإنتخابات النيابيّة المُفترضة في ربيع العام المقبل، ضعيفة جدًا، لأنّ تنفيذ ما هو غير شعبي يتناقض تمامًا مع مصالح الطبقة السياسيّة بكاملها، ويؤثّر سلبًا على حُصولها على تأييد شرائح واسعة من الناخبين المُفترضين.

إشارة إلى أنّ أبرز الإصلاحات المَطلوبة يستوجب ما يلي:

أوّلاً:

إعادة هيكلة القطاع العام بكامله، لجهة خفض عدد المُوظّفين والإستغناء عن الفائض منهم، ولجهة تعديل أماكن عمل ووظائف آخرين ونقلهم إلى مواقع تُعاني منها الدولة في نقص فادح في الإنتاجيّة. لكنّ هذا الأمر غير وارد في الأشهر المُقبلة عشيّة الإستحقاق الإنتخابي، حيث أنّ التجارب السابقة مع الطبقة السياسيّة الحاكمة، تدلّ على أنّ العكس دائمًا كان يحصل عشيّة الإنتخابات، لجهة حشو إدارات الدولة بموظّفين وبمتعاقدين وبمُستشارين لا حاجة وظيفيّة لهم! ومن المُستبعد أن تلجأ أيّ جهة حزبيّة في المُستقبل القريب إلى التعرّض لجيوش الموظّفين الفائضين أو العاطلين عن العمل، علمًا أنّ أغلبيّة إدارات الدولة والقطاعات الرسميّة هي حاليًا بحكم المشلولة، نتجة عدم مُزاولة قسم كبير من العاملين الرسميّين لأعمالهم بحجج مُختلفة، مثل إنتشار وباء "كوفيد 19"، وعدم توفّر البنزين، وإنخفاض قيمة الرواتب، وغيرها من الأسباب؟!.

ثانيًا:

إعادة التوازن إلى ميزانيّة الدولة، لجهة المُوازنة بين الواردات والمَدفوعات، وهذا الأمر غير وارد حاليًا. فأيّ مسؤول سيلجأ اليوم إلى زيادة أيّ ضريبة، في الوقت الذي لا يقوم فيه المُواطنون بدفع ما يتوجّب عليهم من رسوم، بسبب الأزمة الإقتصاديّة الخانقة؟! وأيّ مسؤول سيُغطّي سياسة ضرائبيّة جديدة، علمًا أنّ المواطنين بطبيعتهم يرفضون الضرائب في أكثر الدول تطوّرًا وتقديمًا للخدمات؟! فكيف سيتقبّل الشعب اللبناني ضرائب جديدة أو رفعًا لقيمة الضرائب والرسوم القائمة، في ظلّ تخلّف السُلطة عن القيام بأبسط واجباتها الخدماتيّة، لبلّ في ظلّ وُجوب مُحاكمة السُلطة على تخلّفها عن توفير الحد الأدنى من أبسط الحُقوق المدنيّة والحياتيّة والمعيشيّة؟!.

ثالثًا:

إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وهذا البند الذي لا بُدّ منه، لإستعادة ما يُمكن إستعادته من ثقة بهذا القطاع ولوّ بعد حين، أي بعد سنوات عدّة من اليوم، لا يُمكن أن يتمّ بمعزل عن مُعالجة مُشكلة الديون المُتداخلة والمُتشابكة، بين الدولة ومصرف لبنان والمصارف. ومُعالجة هذه الديون غير مُمكن من دون إصدار تشريعات تُجيز إجراء إقتطاعات ماليّة كبرى (هيركات) على حسابات المُودعين. صحيح أنّ الإقتطاعات قائمة حاليًا كأمر واقع، والتعدّي على أموال المودعين مُستمرّ من دون حسيب أو رقيب منذ نحو سنتين، لكنّ الأصحّ أنّ من شأن شرعنة هذا الأمر أن يُثير حفيظة الكثير من المُودعين الذين ما زالوا حتى تاريخه يأملون ألاّ تطال الإصلاحات الماليّة المُقبلة أموالهم الخاصة، وجنى أعمارهم. وبالتالي، هل ستجرؤ الطبقة السياسيّة الحاكمة على شرعنة سرقة جزء كبير من أموال الناس عشيّة الإنتخابات؟!.

رابعًا:

من ضُمن الإصلاحات المَطلوبة، وقف نزيف هدر مليارات الدولارات، لتغطية نفقات شراء المحروقات من بنزين ومازوت، إلخ. ووقف النزيف الكبير المُتمثّل بتغطية عجز مؤسّسة كهرباء لبنان المُستمرّ منذ عُقود والذي بدّد عشرات مليارات الدولارات من خزينة الدولة، من دون توفير الحدّ الأدنى من التغطية الكهربائيّة للناس! وإذا كان إستمرار رفع أسعار المحروقات قد جرى فرضه كأمر واقع على الناس، في ظلّ عمليّة إذلال غير مسبوقة لهم على محطات المحروقات ومراكز توزيع المازوت والغاز وغيرها، فإنّ رفع أسعار خدمات مؤسّسة كهرباء لبنان أضعافًا مُضاعفة، وتسريع عمليّات الجباية للفواتير المُكسورة لصالح هذه المؤسّسة الفاشلة بكلّ المقاييس، لا يُمكن أن يتزامن مع عدم تأمين أيّ ساعات تغذية كما هي الحال اليوم، ولا يُمكن أن يتزامن مع إضطرار المواطن لدفع مبالغ باهظة لصالح مافيات مُولّدات توليد الطاقة الخاصة!

فهل الظرف ملائم للمُضيّ قُدمًا بما يُحكى عن "تحقيق جنائي" مَطلوب، في ظلّ تبادل عنيف للتهم بالسرقة والهدر، وفي ظلّ إنقسام عميق بين القوى المسؤولة بنسب مُتفاوتة عن هذا الهدر؟!.وممّا سبق، من الواضح أنّ المُساعدات مُرتبطة بالإصلاحات... وُكلاهما عبارة عن وعود بوُعود لن تتحقّق في المُستقبل القريب، وأقلّه حتى تجاوز الإستحقاقات الإنتخابيّة التي تتطلّب إستمالة المواطنين وليس تقليبهم على قوى السُلطة. وبالتالي، إنّ أقصى التمنيّات في المرحلة الحالية هي بتلقّي بعض المُساعدات المحدودة جدًا، لمنع إنهيار الدولة كليًا، لا أكثر ولا أقل!

مراسل العالم