مع من سيتحاور الرئيس التونسي خلال الحوار الوطني؟

مع من سيتحاور الرئيس التونسي خلال الحوار الوطني؟
الإثنين ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ - ٠٨:٥٤ بتوقيت غرينتش

في خطوة غير مفاجئة ومثلما اعتاد، وفق ما يرى مراقبون، "تجاهل" الرئيس التونسي قيس سعيد، الأحزاب السياسية في إمكانية مشاركتها من عدمها في الحوار الوطني الذي أعلن اعتزامه إطلاقه للخروج بالبلاد من أزمتها الراهنة.

العالم - تونس

والخميس، أعلن سعيد أنه سيتم إطلاق "حوار وطني" (دون تحديد موعد) يشارك فيه الشباب، ويتطرق إلى مواضيع منها "النظامان السياسي والانتخابي" في البلاد.

واعتبر خبير تونسي، أن "الحوار الذي تحدث عنه سعيد سيكون مع مناصريه ومؤيديه، وستكون مخرجاته شكلية وجاهزة مسبقا".

فيما ذهب خبير آخر إلى التأكيد أن "سعيد سيجد نفسه مضطرا لإشراك بعض الأحزاب في هذا الحوار واستثناء أحزاب أخرى".

ومنذ 25 يوليو/تموز الماضي، تعاني تونس أزمة سياسية حادة، حين اتخذ سعيد قرارات "استثنائية"، منها تجميد اختصاصات البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه، وإلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وترؤسه للنيابة العامة، وإقالة رئيس الحكومة، على أن يتولى هو السلطة التنفيذية بمعاونة حكومة عَيَّنَ رئيستها.

وخلال اجتماع لمجلس الوزراء في قصر قرطاج الخميس، أعلن سعيد أنه "سيتم إطلاق حوار وطني صادق ونزيه يشارك فيه الشباب في كامل التراب التونسي ومختلف تماما عن التجارب السابقة".

وأضاف، بحسب بيان صدر عن الرئاسة، أن الحوار "سيتم في إطار سقف زمني متفق عليه، وضمن آليات وصيغ وتصورات جديدة تُفضي إلى بلورة مقترحات تأليفية في إطار مؤتمر وطني".

وأردف أن "الحوار سيتطرّق إلى عدّة مواضيع من بينها النظامين السياسي والانتخابي في تونس"، مشيرا إلى أنه "لن يشمل كلّ من استولى على أموال الشعب أو من باع ذمّته إلى الخارج".

ويرى الباحث في علم الاجتماع والأكاديمي التونسي سامي براهم، أن "الحوار الذي تحدث عنه سعيد لن يكون حوارا وطنيا بل حوارا فئويا، إذ سيتحاور مع أنصاره وتنسيقياته التي هي بصدد التشكل".

وقال إبراهيم للأناضول، إن "الحوار الذي يتحدث عنه سعيد هو التفاف على الحوار الوطني، وكان من المفترض أن يصرح أنه حوار مع أنصاره".

وأضاف أن "الحوار ليس مع الشعب أو الشباب وليس حوارا وطنيا، إنما حوار مع المناصرين له، وليس مع كل المناصرين له في الانتخابات التشريعية (2019) بل مع جزء صغير من الذين يناصرونه في المشروع الذي لم يعلن عنه إلى حد الآن، وهو مشروع بصدد الإعداد من طرف لجنة كلفها (سعيد) بإعداده".

وحول تفاعل الأحزاب السياسية مع تجاهل سعيد لها في كل مبادراته بينها الأخيرة أشار براهم، إلى أن الأحزاب "في وضع لا تحسد عليه لأنها جزء من الأزمة التي أوصلت البلد إلى هذا الوضع، من خلال الخصومات فيما بينها وترذيلها لبعضها البعض وإفشال عمل البرلمان، كل هذا أدى إلى ما حصل يوم 25 يوليو الماضي".

واعتبر أن "جزءا من الأحزاب في حالة اضطراب كبيرة وحالة سيئة جدا، وحتى تلك التي ساندت الرئيس (لم يسمها) وجدت نفسها خارج إطار أي حوار أو استشارة من قبل سعيد".

وأردف براهم: "جاء في مشروع رئيس الدولة أن الأحزاب ستتحلل من تلقاء نفسها عندما لا تجد لنفسها مكانا في المنظومة التي سيقترحها سعيد، وهي منظومة لا حزبية ومعادية للأحزاب، وخطابه السياسي قائم على نبذ الأحزاب وترذيلها وكذلك خطاب مناصريه".

وتابع: "لذلك فإن الأحزاب مهددة بأن تجد نفسها في حالة تعطيل ولا تأثير لها في الشأن العام"، مشيرا أنه "حتى اليوم ليس للأحزاب أي توجه لتكوين جبهة ضد هذا التوجه الانقلابي لسعيد والذي لا يعبر عن إرادة الشعب، وكأن الأحزاب لم تستوعب بعد صدمة ما وقع".

وحول إمكانية مشاركة الأحزاب في حوار سعيد قال براهم، إن "الأخير قسم الحوار إلى قسمين الأول هو الحوار مع الشباب والذي يبدأ من القاعدة أي من المحليات ثم المركز لإفراز رؤية وبرنامج".

وأضاف: "أما الثاني فسيتم خلاله تداول خلاصة الحوار مع الشباب مع بعض المنظمات الوطنية والأطراف الفاعلة التي لم تتورط في التآمر على الشعب والعمالة للخارج والفساد كما قال سعيد".

واعتبر براهم، أن "الحوار في مرحلته الثانية مع بعض المنظمات سيكون شكليا لإضفاء المشروعية على مخرجات الحوار الأول دون أي فاعلية لتأتي مخرجات الحوار الأول جاهزة للمصادقة عليها لا أكثر ولا أقل".

وبخلاف براهم يعتبر المحلل السياسي التونسي خالد عبيد، أنه "من غير الواضح إلى حد الآن ما إذا كان سيتم استثناء الأحزاب السياسية من الحوار الذي دعا إليه سعيد أم أنه سيقع إشراك بعض الأحزاب فيه (في إشارة إلى الأحزاب المناصرة لسعيد)".

وقال عبيد للأناضول: "صحيح أن سعيد ذكر أنه سيركز في حواره على الشباب، لكن من الواضح أنه سيجد نفسه مضطرا للتعامل مع بعض الأحزاب والمنظمات الوطنية (لم يسمها) في هذا الحوار".

وأضاف أن "الأمر المؤكد إلى حد الآن أنه سيقع استثناء الأحزاب التي كانت تحكم قبل 25 يوليو الماضي من الحوار الذي دعا إليه سعيد"، وذلك في إشارة إلى أحزاب النهضة (53 مقعدا من أصل 217) وقلب تونس (28 مقعدا) وائتلاف الكرامة (18 مقعدا) التي كانت تدعم حكومة هشام المشيشي.

وحول أسباب "تجاهل" رئيس البلاد المتكرر للأحزاب السياسية بما فيها الأحزاب المساندة له والتي لم يدعها لأي حوار حتى اليوم، أشار عبيد إلى أن "بعض الأحزاب مثل التيار الديمقراطي (22 مقعدا) كانت تساند سعيد ثم أصبحت تعارضه، ولا يمكن أن نجزم أن كل الأحزاب لن تشارك في الحوار".

وكانت 6 أحزاب تونسية، أعلنت بعد 25 يوليو الماضي، دعمها قرارات سعيد، وهي كلّ من حركة الشعب (15 مقعدا)، حركة تونس إلى الأمام (لا مقاعد لها)، التيار الشعبي (لا مقاعد له)، حزب التّحالف من أجل تونس، حركة البعث (لا مقاعد لها) والحزب الوطني الديمقراطي الاشتراكي (لا مقاعد له).

ورأى عبيد، أن "للرئيس سعيد ريبة وحذر كبير تجاه الأحزاب السياسية بصفة عامة"، واستدرك قائلا: "لكن على أرض الواقع سيجد نفسه (سعيد) مضطرا للتعامل مع بعضها، أما ما ترغب فيه وتريده الأحزاب ليس بالضرورة هو ما يمكن أن يحدث وذلك وفق إكراه الواقع والظروف".

** لا تفاعل للأحزاب

ولم يصدر أي من الأحزاب والمنظمات تعقيبا على مبادرة الحوار التي أعلنها سعيد، باستثناء الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة تشغيلية) الذي أعلن أمينه العام نور الدين الطبوبي، السبت، أن الاتحاد يعتزم المشاركة في الحوار.

وقال الطبوبي في كلمة خلال افتتاح المؤتمر العادي للاتحاد بمحافظة بن عروس جنوبي العاصمة تونس، إنه "لا مفر من الحوار لتأمين المسار الانتقالي، وأنه لا حوار دون مشاركة الاتحاد".

ولم يتسن للأناضول الحصول على ردود فعل فورية من الأحزاب بشأن هذه المبادرة.

غير أن حركة "النهضة" أكدت في بيان، الخميس، "ضرورة وضع حد للحالة الاستثنائية التي كرست الانفراد بالسلطات ورفضت مبدأ التشاركية في إيجاد حلول للأزمة السياسية الراهنة والعودة إلى الشرعية الدستورية".

من جانبه أكد الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي، أنه "لا استقرار لتونس دون العودة للمسار الديمقراطي".

وأضاف الشواشي، في تدوينة نشرها، عبر صفحته على "فيسبوك"، الجمعة، أنه "لا جدوى من الحلول المسقطة (في إشارة إلى مبادرة سعيد للحوار) ولا إصلاحات ناجعة دون تمشي تشاركي ودعم مجتمعي واسع".

وترفض غالبية القوى السياسية بينها "النهضة" قرارات سعيد الاستثنائية، وتعتبرها "انقلابًا على الدّستور"، بينما تؤيدها قوى أخرى ترى فيها "تصحيحًا لمسار ثورة 2011"، في ظل أزمات سياسية واقتصادية وصحية (جائحة كورونا)، ​​​​وأطاحت هذه الثورة بنظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي (1987-2011).

ويقول منتقدون، إن قرارات سعيد عززت صلاحيات الرئاسة على حساب البرلمان والحكومة، وإنه يستهدف تحويل الحكم في البلاد إلى نظام رئاسي.

وفي أكثر من مناسبة قال سعيد الذي بدأ في 2019 ولاية رئاسية من 5 سنوات، إن قراراته الاستثنائية ليست انقلابا، وإنما تدابير في إطار الدستور لحماية الدولة من "خطر داهم"، وفق تقديره.

يشار إلى أن سعيد رفض في عدة مناسبات، مبادرات للحوار ولم يتفاعل معها، أبرزها مبادرة الحوار الوطني التي أطلقها الاتحاد العام التونسي للشغل، مطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي.

وفي يونيو/ حزيران الماضي (قبل إجراءاته الاستثنائية) أعلن سعيّد، موافقته على "الإشراف على حوار وطني للخروج من أزمتها الراهنة، لكنه في المقابل وضع شروطا لهذا الحوار أبرزها أن يكون محوره تعديل الدستور الحالي عبر تغيير النظام السياسي وتنقيح النظام الانتخابي".

يذكر أن تونس شهدت في 2013 حوارا وطنيا، إثر أزمة سياسية قوية واغتيال قياديين في الجبهة الشعبية اليسارية، أنهى حكم "الترويكا" (ائتلاف بين حركة النهضة الإسلامية وحزبين علمانيين) وتركيز حكومة "تكنوقراط" برئاسة مهدي جمعة في 2014.

المصدر - الاناضول

كلمات دليلية :