'القبائل' الإسرائيلية تختار برلمانها.. استقرار مفقود وانقسام بلا أفق

'القبائل' الإسرائيلية تختار برلمانها.. استقرار مفقود وانقسام بلا أفق
الثلاثاء ٠١ نوفمبر ٢٠٢٢ - ١٢:٣٢ بتوقيت غرينتش

يخوض الكيان الصهيوني اليوم، انتخاباته التشريعية الخامسة خلال 3 أعوام ونصف العام، وسط ضبابية تلفّ المشهد الذي سيلي إغلاق صناديق الاقتراع، وتحديد عدد المقاعد التي فازت بها كلّ لائحة من اللوائح الأربعين التي تتنافس على 120 مقعدا في "الكنيست".

العالم - مقالات وتحليلات

وإذا كان التنافس، في ظاهره، ينحصر بين معسكرين، تحت عنوان شبه وحيد هو تأييد رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو أو مناهضته، فإن الخوض في التفاصيل يظهر تعقيدات وتجاذبات لا حصر لها، حتى داخل القائمة الواحدة، فضلا عن الحزب الواحد.

ومثلما كان عليه الحال في العمليات الانتخابية الأخيرة، ليست ثمّة برامج انتخابية جدية يتبناها المتنافسون، بل تسابق في ما بينهم على إظهار القدر الأكبر من اليمينية، واجتذاب جمهور بات التطرف والعنصرية سمتيه الرئيستين.

ومن هنا، لا يعود مستغربا سيناريو استحواذ المتطرفين على نسبة عالية من المقاعد وفق ما تظهره استطلاعات الرأي في الأسابيع الأخيرة، فيما تكافح أحزاب يسارية كي تتجاوز العتبة الانتخابية، نتيجة "وصمة العار" التي باتت ملازمة لها لمجرد كونها يسارية.

ينقسم المتنافسون، بشكل رئيس، إلى معسكرين اثنين: أولهما يضم اليمين و"الحريديم" بقيادة حزب "الليكود" برئاسة نتنياهو؛ وثانيهما يجمع أحزاب الوسط واليسار وجزءا من فلسطينيي عام 1948 بقيادة شكلية لرئيس الحكومة الحالي، رئيس حزب "يش عتيد"، يائير لابيد.

إلّا أن التجاذبات يبدو أنها تتجاوز هذا التقسيم الثنائي، ما يصعّب تقدير النتائج النهائية للانتخابات، التي لن يتحدد الفائز فيها، على أي حال، بحيازته نصف المقاعد زائدا واحدا (61 مقعداً).

إذ حتى لو تمكن أحدهما من تحصيل هذه الغالبية، واستطاع ضمان إيكال تأليف الحكومة له، فلن تكون مهمته على الصعيد ميسّرة، بل قد تستدعي سلوك مسارات قانونية مغايرة.

ومن ثمّ انتقال المهمّة إلى طرف آخر، وتاليا العودة إلى صناديق الاقتراع، في ما بات يمثل سمة رئيسة من سمات الحياة السياسية في كيان الإحتلال، والتي أضحى تحقيق الاستقرار فيها شبه متعذر.

في خضمّ ذلك، تسجل مجددا "طفرات يمينية" يجد أصحابها صدى لتطرفهم الزائد في صناديق الاقتراع، لكنهم في الحياة العملية.

وخاصة إن تسلموا مركزا من مراكز الحكم، يعودون ليصطدموا بالواقع، وينضبطوا بمحدداته التي لا تلائم وعودهم السابقة.

إلّا أن هذا لا يحول دون نموّهم من جديد، ليعودوا ويواجهوا المصير نفسه في العملية الانتخابية اللاحقة، وهكذا.

على أن النزوع إلى اليمينية والتطرف ليس صفة إسرائيلية خالصة، بل هو حال معظم الجماهير في الدول الغربية، وإن كانت له في الكيان العبري خصوصية وفرادة.

ولذا، فإن الانطلاق منه حصراً لتشريح الواقع السياسي الإسرائيلي، وتفسير نتائج الاستحقاقات الانتخابية، يعد قاصرا ومغلوطا؛ إذ ليس هذا العامل سوى واحد من مجموعة أسباب تدفع في اتجاه تعزيز حظوظ الأكثر تطرفا.

يتألف الكيان الإسرائيلي، كما يرد في الأدبيات العبرية، من أربع "قبائل" رئيسة، تختلف في ما بينها حول قضايا عديدة أبرزها: ماهية "الدولة" ووظيفتها وشرعيّة منشئها وقوانينها وطرق توزيع مواردها وتعريف "المواطَنة" في كنفها، وهوية "المواطن" والمثل العليا والأنظمة التي تحدد له ما هو مسموح ومحظور، فضلا عن الأهداف والتطلعات والمشترك الجمعي والعادات والتقاليد (بما يشمل الأعراف والمأكل والملبس) والإرث التاريخي وتفسيراته، وصولا إلى النظرة إلى الآخر ضمن ما يسمى "القومية" اليهودية الجامعة.

هذه القبائل، التي "يتعذر عليها الاستمرار من دون تعاون وتشارك في ما بينها، هي: العلمانيون والمتديّنون الحريديم والمتديّنون القوميون والعرب"، وفق التوصيف الذي أطلقه الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، خلال افتتاح أعمال «مؤتمر هرتسليا السنوي» لعام 2015، في سياق تحذيره من تبعات التشظي بين مكونات "الدولة".

وإذ أجمعت معظم التعليقات العبرية، آنذاك، على صحّة توصيف ريفلين، فهي شككت في إمكانية التوصل إلى صيغة "اتحاد وتعاون وشراكة".

ولعل واحدة من دلالات نتائج العمليتَين الانتخابيتَين الأخيرتين، أنها أكدت ما ورد على لسان الرئيس الإسرائيلي (مع التحفّظ على إدخال فلسطينيي الـ48 ضمن المكونات الإسرائيلية)، لناحية انغلاق الكتل أو القبائل على نفسها، وغياب انتقال الناخبين في ما بينها - إلا ما ندر - واقتصاره على الأحزاب الخاصة بكل منها.

وهكذا، بات واقع "القبائلية" الإسرائيلية، جزءاً لا يتجزأ من المعطيات الانتخابية، إن لم يكن العامل الرئيس في تحديد مزاجات الناخب واتجاه الورقة التي يلقي بها في صناديق الاقتراع.

من بين تلك القبائل، يبرز القطاع "الحريدي"، الذي يهتمّ بالدرجة الأولى بتحقيق مصالحه، أيا كانت الجهة التي ستخوله ذلك. فأن تقر لصالح "الحريديم".

على سبيل المثال، إعانات مادية لمؤسّساتهم التعليمية، من دون اشتراط أن يتضمن منهاجهم التعليمي تعليم الإنكليزية والرياضيات والعلوم الحديثة، يعد سبباً للائتلاف مع هذا المعسكر أو ذاك، سواء كان يمينيا أو يساريا أو بين بين.

وفي المقابل، يرفض وزير المالية الحالي، رئيس حزب "يسرائيل بيتنا"، أفيغدور ليبرمان، الائتلاف في حكومة واحدة مع "الحريديم"، باعتبار أن العداء لهذه الأحزاب هو برنامجه السياسي الرئيس، على رغم أن كليهما متطرفان ويمينيان.

وهكذا، يتضح أن الأحزاب اليمينية موزعة على طبقات، ما بين متطرف ومتطرف جدا ومتطرف بامتياز، وهي إذ تخوض الانتخابات جنبا إلى جنب، تتنافس في ما بينها على كسب صوت الناخب نفسه تقريبا.

الأمر الذي يجعل من حسابات الواقع مغايرة للحسابات النظرية في عملية التفريق بين المعسكرين.

ولهذا السبب، يتحدث نتنياهو عن أن "ليكودا" قوياً هو الذي يضمن حكومة يمينية قوية، فيما تحذر الأحزاب اليمينية الصغيرة، الناخبين، من أن الإدلاء بصوتهم لـ"اليكود" سيتيح للأخير عقْد صفقات مع اليسار.

على ضفة الأحزاب غير اليمينية (مع ما في هذا التوصيف من تسامح)، من يسار وشبه يسار ويمين ويسار وسط ووسط، تكاد الاختلافات تكون عصية على الحصر، فيما الجامع الوحيد هو الخصومة مع نتنياهو، والتي قام على أساسها الائتلاف الحكومي الحالي.

ومن هنا، فإن "مكونات" هذا المعسكر تتنافس في ما بينها، قبل أن تتنافس مع المعسكر المضاد بقيادة نتنياهو؛ إذ تكافح أحزاب اليسار لجذب أصوات الناخبين والحيلولة دون ذهابها إلى أحزاب شبه يسارية، فيما تعمل الأخيرة بدورها على استقطاب الشريحة نفسها.

وبينما يتقاتل الوسط على أصوات يمينه ويساره وما بينهما، "تضيع الطاسة" على مقلبه، وتفقد التسمية معناها العملي.

أمّا أحزاب فلسطينيي 1948، فقد تعمّقت انقساماتها هذه المرة، إلى الحد الذي دفعها إلى خوْض الانتخابات بثلاث قوائم: واحدة ترى إلى ضرورة خوض الحياة السياسية بالشراكة مع أي طرف حاكم فيكيان الإحتلال سواء كان يمينيا أو يساريا أو بين بين.

وثانية توافق على الائتلاف فقط مع غير المتطرفين واليمينيين؛ وثالثة ترفض إعطاء شرعية إلى أيّ اتجاه صهيوني، وتنأى بنفسها بالتالي عن الاشتراك في أي حكومة.

على أيّ حال، لا يعني فوز أي من المعسكرين، أنه سيستطيع تشكيل الحكومة في حال كلفه الرئيس الإسرائيلي بهذه المهمة.

وعلى ذلك، يجب الاحتراز من إطلاق الأحكام النهائية، بعد أن تتبيّن اتجاهات النتائج التي سيعلن عنها في اليومين المقبلين.

أيضاً، لن يكون من الممكن استكشاف هذه الاتجاهات من خلال النتائج الأوّلية التي ستظهر فور إغلاق صناديق الاقتراع استنادا إلى عمليات الاقتراع الموازية في صناديق تابعة لوسائل الإعلام، خاصة أن الفروق ستكون، وفق ما تظهره استطلاعات الرأي المتكررة، على مقعد أو اثنين، وهو هامش الخطأ شبه اليقيني في تلك الاستطلاعات.

وأيا تكن الحصيلة، فالأكيد أن انتخابات اليوم لن تغير في واقع اهتزاز النظام السياسي، الذي لم يعد جامعا للإسرائيليين، بل بات مسبّباً إضافياً لتنامي انقساماتهم، من دون وجود أفق لتغييره.

وبالتالي سيبقى الحال على علاته: لا استقرار سياسيا، تجاذب وخصومة واتهامات وتحريض وابتزاز ومزايدات، وقبل كل شيء تصاعد التطرف والعنصرية إلى مستويات تفوق مثيلاتها في دول أخرى توسم تقليديا بهاتين الصفتين.

أما بالنسبة إلى أعداء الإحتلال الصهيوني، فالأرجح أن نتيجة الانتحابات لن تُحدث فرقاً في مقاربة الكيان حيالهم، سواء في القضايا المتصلة بالفلسطينيين، أو بالجوارين القريب أو البعيد؛ إذ إن الطرف الذي يخطط ويقرر وينفذ، عمليا، هنا، هو المؤسسة الأمنية بأجهزتها المختلفة.

المصدر - الأخبار