تصاعد التحذيرات من داخل وخارج الكيان الصهيوني من مغبة سياسات نتنياهو

تصاعد التحذيرات من داخل وخارج الكيان الصهيوني من مغبة سياسات نتنياهو
الثلاثاء ١٣ ديسمبر ٢٠٢٢ - ٠٩:٠٠ بتوقيت غرينتش

بينما يواصل بنيامين نتنياهو تشكيل حكومته الجديدة، التي نال مدة إضافية من 15 يوما لتشكيلها، تتصاعد التحذيرات داخل الكيان الإسرائيلي وخارجها من مغبة السياسات التي ستنتهجها هذه الحكومة.

العالم - مقالات وتحليلات

وذلك في ظل الحصة الوازنة للفاشيين فيها، والتي ستخولهم صلاحيات واسعة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ينوون استخدامها لإنفاذ أجندتهم العنصرية الاستيطانية الإحلالية.

على أن تلك التحذيرات، ومن ضمنها الحديث عن خطوط حمراء بدأت الإدارة الأميركية ترسمها أمام نتنياهو بخصوص الضفة الغربية والمسجد الأقصى، لن يجدي أي منها في لجم دولة الاحتلال عن سياساتها الجديدة، ما لم تواجه هذه الأخيرة بمقاومة فلسطينية متناسبة، قادرة على تكبيد جيش العدو ومستوطِنيه الأثمان الكفيلة بتهشيم مكانة "الصهيونية الدينية" وتحطيم أسهمها يُدخل رئيس وزراء الاحتلال المكلف، بنيامين نتنياهو، كيان الاحتلال في مخاطرة قد لا تكون محسوبة جيدا، وذلك عبر رضوخه لمطالب الفاشيين من حزبَي "الصهيونية الدينية"، والذي يتوقع أن تكون له تداعيات سلبية على الوضع في الأراضي المحتلّة.

وتبعا له على علاقات كيان الإحتلال بالخارج القريب والبعيد، ناهيك عن الداخل الإسرائيلي نفسه، حيث الانقسام بات بارزا، ومنذرا، في حال تراكم عوامله، بما هو أخطر من مجرد خلافات في الرأي وتباينات حول الهوية.

أعطى نتنياهو، شركاءه، سلطة القرار والتخطيط والتنفيذ في الضفة الغربية، موزعا إياها بين رئيس حزب "الصهيونية الدينية"، بتسلئيل سموتريتش، وزعيم حزب "القوة اليهودية"، إيتمار بن غفير، بما يخول هذَين صلاحيات واسعة لإنفاذ إيديولوجيتهما، القائمة على أولوية "استعادة" الأرض من "الاحتلال الفلسطيني".

في التفاصيل، ستكون للفاشيين الإمرة على الإدارة المدنية، التي تُعد بمثابة رئاسة حكومة للضفة، تدير شؤون مَن فيها من مستوطِنين وفلسطينيين.

كما ستكون لها السلطة على مؤسّسات الاستيطان على اختلافها، تمويلا وتخطيطا وتنفيذا، ما سيؤدي إلى تصاعد عمليات الاستيلاء على المزيد من الأراضي الفلسطينية - جنبا إلى جنب قوننة العشرات من المستوطنات القائمة أصلا وتوسيع أخرى -، وتعميق حالة التضييق على البناء الخاص بالفلسطينيين عبر التشدد في منح رخص إعمار لهم، ناهيك عن تعزيز العطاءات المالية للمستوطِنين لجلب المزيد منهم إلى الأراضي المحتلة.

وسيرافق ذلك، إرساء "قواعد اشتباك" جديدة، من بينها تأمين قتَلة الفلسطينيين من الملاحقات القانونية، والحد من سلطات المحكمة العليا التي لا تزال تحافظ على الوضع الراهن ما أمكنها، درءا لأي تبعات غير طيبة على صورة كيان الإحتلال في الخارج.

بناء عليه، تثير حكومة نتنياهو العتيدة قلقا كبيرا داخل الكيان بما يشمل جزءا واسعا من سياسييه وكذلك أجهزته الأمنية، وأيضا خارجه، وتحديدا في الولايات المتحدة، حيث بدأ يدور الحديث حول "خطوط حمر" أميركية يجري ترسيمها أمام نتنياهو، ومن بينها منع تخويل الفاشيين صلاحيات واسعة في الأراضي المحتلّة.

هنا، يَجدر التنبيه، ابتداءً، إلى أن الفروقات بين أطياف القوس السياسي والأمني في الكيان إزاء كل ما يتعلق بفلسطين المحتلة، تكاد لا تذكر؛ فبالنسبة إلى جميع الإسرائيليين، الأرض وما عليها هي "لليهود" و"حق حصري"لهم، فيما أصحابها من الفلسطينيين "طارئون" عليها ويجب اقتلاعهم.

إلّا أن ثمة اختلافا في ما بين تلك الأطراف، متمثلا في كيفية تحقيق هذا المطلب وأثمانه.

وللتدليل على ما تَقدّم، فإن أوّل مَن أطلق الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلّة عام 1967، إنّما هو حزب «العمل»، بدءا من حكومة ليفي أشكول، مرورا بغولدا مائير، وصولا إلى إسحاق رابين الذي استعرت خلال عهده الموجات الاستيطانية، وتحديدا بعد حرب عام 1973، لتعود وتشتد أيضا في السنوات التي تلت، والتي تنوعت فيها الحكومات ما بين "عمالية" و"ليكودية" و"مشتركة".

ومع كل مرحلة من مراحل الاستيطان، كان السجال الداخلي يستعر حول القدرة على تحمل تبعات تلك السياسة، فيما كانت الأصوات الداعية إلى المضي بها من دون اكتراث بأي تبعات، والمتمثلة في "الصهيونية الدينية"ونظرائها من الفاشيين، شبه هامشية.

أما على المستوى العملي، فقد كانت التموضعات السياسية تتغير بحسب النتائج؛ فإذا كانت هذه الأخيرة محمولة، فإن حزب "العمل" لا يبقى على يسار الخريطة السياسية في ما يخص الاستيطان، بل سرعان ما ينتقل إلى الوسط، ومن ثم إلى يمين الوسط.

فيما "الليكود"الذي كان ينادي بربط الاستيطان بخريطة المصالح الأمنية لــ [إسرائيل]، وطرحه في مفاوضات الحل النهائي مع الفلسطينيين، فقد بات في أقصى اليمين، متخليا عن مناداته بالحل السياسي بالكامل.

وفي ظل هذا الوضع، كان على المستوطِنين أن يعيدوا إنتاج أنفسهم، عبر تعزيز توجههم نحو اليمين، وهو ما ترجم بصعود التوجهات الفاشية في الانتخابات الأخيرة.

بناءً عليه، تبدو [إسرائيل]، الآن، أمام مفترق طرق: فمن جهة، ثمة فرصة أمامها لتصعيد عملية اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم؛ لكن من جهة أخرى، ثمة مقاومة متصاعدة حيالها ستكون وحدها، ومن دون أي عامل خارجي، الكفيلة بدفع دولة الاحتلال إلى التراجع عن سياساتها الجديدة. وفي هذا المجال، يمكن تقدير الآتي:

أولاً: إن تلقى الفلسطينيون السياسات الجديدة من دون مقاومة، ومن دون أن يدفعوا الإسرائيليين ثمنا متناسبا مع حجمها، فلن يحول دون تعميق النهج العنصري الفاشي، حائل.

أما في حال كانت المقاومة معتدا بها، وكبدت جيش الاحتلال ومستوطِنيه فواتير عالية، فستعود تل أبيب إلى المربع الأول، حيث ستنتظر فرصة ثانية لتحقيق مطلبها، سواء دفعة واحدة أو بالتدريج.

ثانيا: في حال استكان الفلسطينيون، فستكون إسرائيل موحدة خلْف "الصهيونية الدينية"، طالما أن هذا الثمن منتف أو يمكن تحمله.

وبالنتيجة، سترتفع أسهم هذا التيار لدى المستوطِنين على جانبَي الخط الأخضر، الذي يرجح، والحال هذه، أن يضمحل على الخريطة الواقعية، وهو ما سيستتبع زوال «النقزة» الأميركية والغربية من سطوة الفاشيين.

ثالثاً: على رغم أن الأنظمة العربية المطبعة مع العدو، تجاوزت كل حدود في هذا المسار، إلا أن الإجراءات الفاشية الجديدة ستشكل مصدر حرج لها، لا يمكن من الآن تقدير تأثيراته على العلاقة بينها وبين تل أبيب.

لكن في كل الأحوال، ما لم يتصدّ الفلسطينيون لتلك الإجراءات، فلن يكون المطبعون معنيين بالتعامل مع تبعاتها، مهما كانت قاسية وفجة ومباشرة.

بالنتيجة، ما يحدث في فلسطين المحتلة، هو مآل طبيعي لسياسات الخنوع التي اعتمدتها الأنظمة العربية تجاه [إسرائيل]، بما يشمل السلطة الفلسطينية نفسها، التي بالغت في معاداة المقاومة، إلى الحد الذي فاقت فيه [إسرائيل] نفسها، وهو ما جعلها موصومة بالعار، ليس لدى الفلسطينيين فقط، بل وأيضا في نظر الاحتلال نفسه.

وأيا يكن، فإن الفلسطينيين، وليس غيرهم، هم مَن سيحددون وجهة الأمور وحصيلتها النهائية، فيما كيان الإحتلال ستتحول كلها إلى بن غفير في حال نجح هذا الأخير في فرض سياساته.

الأخبار