مشروع ابن سلمان السلطوي.. طمس هوية الجزيرة العربية واختراع 'قومية سعودية'

مشروع ابن سلمان السلطوي.. طمس هوية الجزيرة العربية واختراع 'قومية سعودية'
الأحد ١٨ ديسمبر ٢٠٢٢ - ٠٥:٤٦ بتوقيت غرينتش

يعمل النظام السعودي منذ وقت طويل على محو المكانة التاريخية والمعالم الأثرية للكثير من المناطق والنقاط الجغرافية في الجزيرة العربية في إطار سياسته الاستراتيجية الكبيرة لطمس هوية الجزيرة العربية وشعبها.

العالم - مقالات وتحليلات

وتحقيقا لهذا المخطط أقدم النظام السعودي على إزالة للعديد من المعالم والآثار الإسلامية والتاريخية في مختلف المناطق ومنها المعالم الإسلامية في مكة المكرمة والمدينة المنورة المرتبطة بتاريخ الرسول محمد (ص) وأهل بيته (ع) وصحابته (رض)، بالإضافة إلى عشرات الأحياء التاريخية في مدينة جدة ومعالم الأحساء ومسورات القطيف وغيرها.

أعمال الهدم والتجريف التي يجريها النظام السعودي في المنطقة الشرقية، على سبيل المثال لا الحصر، هي بمثابة حلقة من سلسلة التضييق على سكان هذه المنطقة والانتقام منهم عبر استهدافهم وتهجيرهم قسرا بغية تغيير التركيبة السكانية.

إضافة إلى محاولات طمس هوية هذه المنطقة ومعالمها وتاريخها وتشويهها، في إطار سياسات ممنهجة يعتمدها النظام وأجهزته الأمنية، مستفيداً من الصمت المجتمع الدولي، من هيئات ومنظمات وحكومات، عن الانتهاكات التي يرتكبها النظام السعودي، الذي يفلت إلى الآن من الملاحقة والمساءلة والعقاب.

تعميم الهوية النجديّة

ولا شك في أن ما يسميه عنه ولي العهد محمد بن سلمان "التوجيه التنموي"، إنْ لجزيرة تاروت أو لغيرها من الأماكن المستهدفة، لا يمكن وضعه إلا في سياق عشرات المشاريع المضللة التي لا تلامس حاجة الأهالي ولا تمت إلى هموهم الأساسية بأي صلة، بل هي مشاريع تهدف بالدرجة الأولى إلى تعميم الهوية النجدية، وتقويض التنوع الثقافي لمناطق الجزيرة العربية، وما هي إلا غطاء لإخفاء الفساد الإداري والإهمال المتعمد الذي ينخر في جسد مؤسسات البلاد.

خصوصاً وأن هذه التحركات "التنموية" المزعومة، تأتي في ظل تعنت النظام السعودي وتهميشه لمطالب أهالي الجزيرة التنموية.

بالإضافة إلى تعطيل العديد من مشاريع الإنماء وتطوير البنى التحتية، الأمر الذي يثير أسئلة حول جدية النظام ومصداقيته تجاه ما يعلن عنه من تطوير، بل يؤكد استهدافه لمكانتها التاريخيّة ومقوماتها الثقافيّة، بحسب "لقاء المعارضة في الجزيرة العربيّة"، الذي يشدد على أن "الحفاظ على الموروث الثقافي لجزيرة "تاروت" يستوجب مراعاة المكانة المرموقة للجزيرة المتمثلة في امتدادها الحضاري، وعدم تغيير اسمها الثابت والمتواتر جزيرة "تاروت" والذي أكدت عليه المصادر التاريخية بل حتى المصادر الحديثة التي يعتمد عليها النظام نفسه عبر ما كان ينشره قبل هذا الإعلان من خرائط ومقالات في الصحف والمنشورات الرسميّة لهيئة السياحة وغيرها".

تصلح التجربة في جزيرة تاروت أن تعمم على اداء النظام السعودي في ملف طمس الهوية الأصيلة للجزيرة العربية وأبنائها بشكل عام.

فهو قد تعمّد النظام تسمية جزيرة تاروت بـ"جزيرة دارين وتاروت"، يتجاوز واضح على الحقائق التاريخية، ومساس بهوية سكان المنطقة، وهو في ذاته تصرف مستفز وغير مسؤول وتعمد لتجاهل المكانة الحضارية الخاصة لجزيرة تاروت وإشاعة للمشاعر الطائفية البغيضة بين سكان الجزيرة التي اشتهرت بالتآلف المذهبي منذ القدم.

إثارة النعرات الطائفية

فإنّ تَعمد النظام تأخير اسم "تاروت" تارة ووضعها بين مزدوجين تارة أخرى، خلال ما يصدر عنه من ترويج زائف لتطوير الجزيرة، يثير مخاوف مشروعة ومنها شطب اسم الجزيرة بالكامل، خصوصا وأن للجزيرة مكانتها المعروفة بالعمق التاريخي والتي لا يمكن تجاهلها.

من هنا، فإن المطلوب من قبل المجتمع الدولي ومؤسساته، دعم جهود الأهالي والمجتمع المحلي في الجزيرة العربية ككل، في العمل بجد للوقوف تجاه هذه الممارسات الجائرة وإعلان التعبئة الثقافية بإظهار ونشر الوثائق الدالة على الامتداد الحضاري لجزيرة "تاروت" وغيرها، ووضع حد لمساعي النظام السعودي الرامية إلى طمس هوية المنطقة وأسمائها التاريخية وثقافتها وهدم معالمها الأثرية.

هوية جديدة

في العموم، لا تنفصل استراتيجيات استهداف الهوية الأصلية لأبناء الجزيرة العربية وأرضهم وتراثهم ومعالمهم الأثرية، عن المخطط العام للنظام السعودي في التحول بالبلاد من الوهابية الدينية إلى "الوهابية الترفيهية".

بمعنى، أن ابن سلمان، وفي إطار طموحه السلطوي المستقبلي، يخطط لتحويل نظام أجداده السعوديين الوهابيين المتزمتين التكفيريين، إلى نظام "منفتح" على كافة أشكال الإنحطاط الأخلاقي والقيَمي والسياسي، وصولا إلى إخراج التحالف السري بين أجداده والصهاينة من تحت الطاولة إلى العلن.

في هذا الإطار، يروج نظام آل سعود وأذرعه الإعلامية والصحافية لمصطلح "الهوية الوطنية" أو "القومية السعودية"، وهو القائم على تجديد الهوية السعودية وتحويلها إلى هويّة وطنية لا يحددها الدين فقط، بصرف النظر عما إذا كان الدين الذي يدعي آل سعود تطبيقه في مملكتهم، هو دين مطبق بشكل صحيح أو محرّغ يخدم مشاريعهم وخططهم.

فبالتزامن مع تجديد الهوية الاقتصادية، وتغييرات في الهوية المجتمعية، بدأ يخرج من أروقة الديوان الملكي السعودي مشروع يتحدث عن تغيير الهوية السعودية، وكأن "المملكة الجديدة" التي يبنيها محمد بن سلمان باتت تحتاج إلى تغيير في العلم والنشيد الوطني، بحسب ما قالت وكالة "أسوشيتد برس" في فبراير الماضي.

وكشفت الوكالة الأميركية أن مملكة آل سعودي "تتجه ببطء نحو تغييرات تطول نشيدها الوطني وعَلَمها الأخضر، المزين بالسيف، والمنقوش عليه عبارة العقيدة الإسلامية، باعتبار أن المملكة هي مهد الدين".

ويتزامن هذا الاتجاه "مع تأكيد ولي العهد السعودي الشاب على الهوية السعودية وعلى الاعتزاز بالوطن".

على سبيل المثال، صدر مرسوم ملكي أخيرا يعتبر 22 شباط يوم تأسيس المملكة العربية السعودية. وتهدف العطلة الوطنية إلى إحياء ذكرى محاولة محمد بن سعود في القرن الثامن عشر تأسيس أوّل دولة سعودية قبل زوالها على يد العثمانيين.

كما أمر النظام المطاعم والمقاهي في المملكة بإعادة تسمية "القهوة العربية" بـ"القهوة السعودية"، في أحدث جهد لزيادة الوعي بـ"عنصر ثقافي يعبّر عن الهويّة السعودية" وتقاليدها، حسبما أفادت وسائل الإعلام الحكومية.

مشروع سلطوي

"القومية السعودية"الجديدة مبادرة من القمة إلى القاعدة، الغرض منها ابتكار غراء يلصق الشباب بالملكية، ومثل جميع القوميات يحتاج هذا النموذج الجديد المثقفين ورجال الأعمال والمناصرين الشباب لنشره على مستوى القاعدة، مقال سابق للأستاذة الزائرة بمركز الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد، مضاوي الرشيد، بموقع "ميدل إيست آي" البريطاني.

وقالت: أن تكون "سعودياً" بدلاً من أن تكون "عربيا أو مسلما" هي الآن مفتاح خطط ابن سلمان لتوطيد سلطته وتوقعاته المستقبلية لـ"السعودية" ونجاح تحوله الاقتصادي، وأن هذه الأهداف الثلاثة التي تدعم معظم سياساته.

وترى أن التناقضات تصبح أكثر اضطرابا في أن القومية السعودية تتناقض مع زج القبلية في الصراعات الإقليمية، وأن هذا الأمر ظهر بشكل أوضح خلال النزاع الذي تجاوز السنة مع قطر عندما حشد النظام السعودي الجماعات القبلية السعودية وألّفت شعرا بدويا مهينا في حق أمير قطر.

إلا أن بدعة مشروع الهندسة الاجتماعية لابن سلمان لبناء الأمة وهم متناقض مثل كل المشاريع القومية السابقة والحاضرة، وأن إيجاد شكل معتدل من الوطنية له قيمته في تعبئة المواطنين للعمل.

ولكن كراهية الأجانب والقبلية والتطرف واللاقومية السطحية لا تكاد تتفق مع مشروع ليبرالي جديد لتحويل المملكة إلى اقتصاد منتج ودولة متسامحة ومجتمع مفتوح.

مرآة الجزيرة ـ صالح البقشي