سورية والتعويم النقدي و حكاية الغدر الامريكية ؟

سورية والتعويم النقدي و حكاية الغدر الامريكية ؟
الأحد ١٥ يناير ٢٠٢٣ - ١١:٠٤ بتوقيت غرينتش

يكثر الحديث هذه الأيام عن (التعويم النقدي) وخاصة بين أوساط الاقتصاديين السوريين وكيف يؤثر تأثيرا مباشرا على كل المؤشرات الاقتصادية وعلى المستويين (الاقتصاد الكلي Macroeconomics)  و(الاقتصاد الجزئي Microeconomics) ويرتبط بالسياسة الاقتصادية المعتمدة بشكل عام وبالسياسة النقدية بشكل خاص لا التعويم يتأثر بشكل مباشر بحجم تدخل الدولة ممثلة بالحكومة ومستشارها الاقتصادي وأداتها التنفيذية (البنك المركزي Central bank) بنك البنوك.

العاللم - مقالات وتحليلات

وللتعويم علاقة قوية مع سعر الصرف لكن لا يتطابق معه، حيث ان سعر الصرف يعبر عن سعر عملة ما ( الليرة السورية ) مقابل العملات الأخرى أي كم يعادل الدولار أو اليورو أو الروبل أو اليوان ...الخ من الليرات السورية، ويؤكد التاريخ النقدي أنه شهد عدة أنواع من أسعار الصرف ومنها نذكر أسعار الصرف الثابتة حيث تقوم الحكومة بتحديد سعر صرف عملتها بكمية محددة وثابتة من الذهب ، ويتمّ التبادل بين الدول على هذا الأساس ،كما حصل عند اعتماد ( قاعدة الذهب Gold Standard ) بين سنتي /1717 و1933/ ، وخلال ثلاثينات وأربعينيات القرن الماضي.

ومع توسع تداعيات الازمات الاقتصادية وخاصة أزمة ( الكساد الكبير ) سنة /1929/ والتي استمرت /10/ سنوات وكانت نتيجة للحرب العالمية الأولى ومهدت للحرب العالمية الثانية حيث توسعت دائرة الفوضى الاقتصادية العالمية في الدول الكبرى في ذاك الوقت ( المملكة المتحدة والولايات المتحدة ) وغيرهما وعندها اعتمدت على تخفيض قيمة عملاتها مقابل الذهب بهدف تخفيض الأسعار لزيادة التصدير وهذا تطلب الخروج عن قاعدة الذهب المذكورة أعلاه. وبناء على تداعيات الحرب العالمية الثانية دعت أمريكا سنة /1944/ لعقد مؤتمر دولي يخصص لمعالجة الفوضى الاقتصادية العالمية ، لكن كان هدفها هو ضمان سيطرنها على الاقتصاد العالمي.

وفي ذاك الوقت كانت تترسخ معالم انتقال القوة الاقتصادية من المملكة المتحدة إلى الولايات المتحدة الامريكية ، ونتبجة الدعوة عقد الاجتماع سنة /1944/ في مدينة ( بريتون وودز ) في ولاية ( نيو هامبشير ) الامريكية وقاده كل من الاقتصادي البريطاني المعروف ( جون مينارد كينز ) والامريكي ( هاري ديكستر وايت ) ، وبعد مداولات شاقة نتج عن الاجتماع ولأول مرة في التاريخ البشري ظهور مؤسسات دولية تكفلت بقيادة الاقتصاد العالمي وهي ( صندوق النقد والبنك الدولي والاتفاقية العامة للتجارة والتعرفة الجمركية GATT والتي تحولت في سنة /1995/ إلى منظمة التجارة العالمية WTO)، وعرفت هذه المؤسسات باسم مؤسسات بريتون وودز ، وتم الاتفاق على إلغاء العمل بقاعدة الذهب من خلال ربط ( الدولار بالذهب وربط العملات الدولية بالدولار ) أي أن كل عملة تتحدد قيمة صرفها بكل من الدولار ومن ثم الذهب ، وظهر نتيجة لذلك ( الدولار الذهبي ) أي أن كل من يملك دولار أمريكي يمكن أن يتوجه إلى أي بنك أمريكي ويستبدله بالذهب ووفق المعادلة التالية [ كل أوقية من الذهب / 31/ غرام تعادل /35/ دولار أي أن كل دولار يعادل 35/31= 1،13غرام ذهب ] .

والآن كم يعادل الدولار من الذهب حيث أن سعر الاونصة بتاريخ كتابة هذا المقال هو /1885/ دولار ، أي أن سعر غرام واحد من الذهب يعادل ( 1885/31= 61دولار تقريبا) ؟!، أي ان أمريكا غيرت بسعر عملتها حوالي /61/ مرة أمام الذهب، وهنا ( سر المسألة ) وبما يؤكد بانها تسخر أي شيء مقابل حماية وتعزيز دولارها وقد تستنفر قوتها العسكرية من اجل ذلك لأنها تستغل العالم بورقتها الخضراء !،وأمام الازمات الامريكية اتخذ الرئيس الامريكي ( ريتشارد نيكسون ) بتاريخ 15/8/1971 قرارا بقطع العلاقة بين ( الدولار والذهب ) أي إنهاء العمل بقرارات ( بريتون وودز )، وهذا يعني أن أمريكا غير مستعدة لتحويل الدولار إلى ذهب وفق معادلة ( 35 دولار للأوقية ) وتم الغاء سعر التعادل الرسمي لدولارها وحمايته ، وكانت أكبر عملية خرق نقدية في التاريخ البشري وأطلق عليها اسم ( صدمة نيكسون ).

وبالتالي انتهى العمل باتفاقية بريتون وودز وكل هذا لتحقيق المصلحة الامريكية فقط بغض النظر عن مصالح دول العالم الأخرى ، ومنذ ذلك الوقت بدأ ظهور مصطلح ( تعويم العملة Floating) وللتعويم عدة اشكال ومنها التعويم الكامل : أي ترك أسعار الصرف لقوى السوق أي الطلب الكلي والعرض الإجمالي ،و الأسواق هي التي تحدد سعر صرف أي عملة. والتعويم الموج أي ترك سعر الصرف لقوى السوق و تتدخل الحكومة عبر مصرفها المركزي ( بيع وشراء القطع ) إذا زاد عن حد معين . وبشكل عام فإن الدول التي لجأت إلى التعويم تعرضت لمشاكل اقتصادية كبيرة (تراجع القوة الشرائية وارتفاع معدل التضخم وزيادة تهريب الأموال والرساميل وبؤر التوتر والتوجه نحو الدولرة ...الخ، لذلك نرى أن الحل ليس بالتعويم وإنما بتوسيع دائرة التعامل بسلة العملات وخاصة عملات الدول الصديقة واستحداث بنوك مشتركة وتعزيز ليرتنا السورية من خلال تعزيز انتاجنا ولا سيما الزراعة والصناعة .

* د. حيان أحمد سلمان - كاتب في الشؤون الاستراتيجية