"مؤتمر ميونخ للأمن - محل للسياسة الرمزية

السبت ١٨ فبراير ٢٠٢٣ - ٠٣:٣٤ بتوقيت غرينتش

انتقد موقع "Nach Denk Zeiten" الاخباري التحليلي الألماني، أحد أشهر المنصات الإعلامية وأكثرها مشاهدة في هذا البلد، والذي غالبا ما ينشر محتوى مختلفا عن روايات وسائل الإعلام السائدة، انتقد في مقال تحت عنوان "مؤتمر ميونخ للأمن - محل للسياسات الرمزية"، عدم دعوة إيران وروسيا الى هذا المؤتمر السنوي.

العالم - مقالات

وجاء في هذا المقال : مؤتمر ميونيخ للأمن يفقد في هذه الأيام، وخاصة في الوضع الحالي الحرج، فرصة إثبات نفسه كمنتدى دولي رائد في مناقشة القضايا الأمنية لتحقيق السلام على الصعيد الدولي.

تقليديا، يجب أن يكون هذا الحدث حول الأزمات الدولية مثل حرب أوكرانيا، أو القضايا الدولية الهامة، مثل إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي)، حيث يتم النظر في رفع العقوبات مقابل الإشراف على البرنامج النووي الإيراني، في مساحة مفتوحة وعلى مسار الحل، وفي اطار الحوار والمناقشة وتبادل الاراء. لكننا نرى الآن أن روسيا وإيران غير مدعوتين من الاساس.

خلافا للمراسم الدبلوماسية التي يتم فيها، بناء على طلب المضيف، توجيه دعوات شخصية أو شطب الضيوف من القائمة لأسباب محددة وبطبيعة الحال خارج الاعراف الدبلوماسية، لكي يقوم المضيف من خلال هذه الخطوة باتخاذ اجراء رمزي، فان مؤتمرا أمنيا ​​ذو تاريخ طويل، مثل مؤتمر ميونيخ للأمن، ليس مكانا مناسبا لـ "للسياسات الرمزية". بسحب الدعوة من ضيوف خاصين، لن تتضرر صورة هذا المؤتمر بشكل خطير في الساحة الدولية فحسب، بل سيتم التشكيك أيضا في "ثقافة الجدل" التي تعتبر رمزا للنظام السياسي في ألمانيا.

ما هو متوقع من "فندق بايريشر هوف" هو نقاش جاد مع وبين المواقف المختلفة في عالم السياسة الخارجية، خاصة مواجهة مواقف تلك الدول التي تشكل جزءا كبيرا من الحل في التحديات الأمنية الحالية في السياسة العالمية. أن يتم إهمال وجهة النظر الواقعية في التعامل مع ما يحدث في العالم مع هذا السلوك لهو أمر محبط للغاية .

لم يكن مؤتمر ميونيخ الأمني ​​"حياديا" أبدا، ولطالما حمل اسم "العابر للأطلسي" معه، ولكن على الرغم من ذلك، ورغم ذلك فقد تم توفير منبر للمناقشات الجادة في كثير من الأحيان لممثلي مختلف البلدان في هذا المؤتمر. لكن هذه المرة، حدث هذا العام كان أشبه بالاجتماعات السنوية لحزب ما، حيث يمثل معظم الجمهور والمدعوين نفس الرأي إلى حد ما ومن المقرر ان يستغلوا هذه الفرصة لإظهار تماسكهم، ذلك التماسك اذي اعتبره مديروا المرحلة ضروري اليوم لابداء "المنافسة الممنهجة" .

لاشك بان هذه القضية ستؤدي إلى تعميق القطبية الثنائية في عالم السياسة الخارجية ولا يمكن أن تكون مظهرا من مظاهر المناخ العالمي الحالي الذي تزعزع فيه السلام أكثر من أي وقت مضى.

ونظرا إلى الموقف النقدي الذي أظهرته السياسة الخارجية الألمانية تجاه إيران وروسيا خلال الأشهر الأخيرة، كان من المحتمل جدا قبل هذه الخطوة أن يستبعد مدراء مؤتمر ميونخ للأمن هذين البلدين، متأثرين بالسياسة الرسمية المذكورة أعلاه. رغم أن الجانب الإيراني كان يعتبر حدوث هذا السلوك محتملا جدا، إلا أنه كان لديه بصيص أمل حيال انتصار الدبلوماسية.

ويمكن القول من باب السخرية، أنه كان من الأذكى وفي الوقت نفسه أكثر دبلوماسية للمنظمين سحب دعوتهم وشطبها من القائمة قبل ساعات فقط من بدء المؤتمر. في هذه الحالة، ستكون سياسة العمل الرمزي الخاصة بهم أكثر اكتمالا! .

الآن هناك خطر جدي يتمثل في أنه لم يعد هناك أي عقبة أمام الاشخاص الذين يقفون وراء قرار تحويل هذا المؤتمر إلى مسرح للنقاشات الأحادية والتصفيق والصفير لبعضهم البعض.

كما أن تقرير عام 2023 الصادر عن مؤتمر ميونيخ للأمن يعبر بوضوح عن تناقضات "الغرب". فمن ناحية، يحاول الايحاء بأننا نبحث عن نزع السلاح (النووي)، ولكن في نفس الوقت، تمشيا مع سياسات "تحول العصر"، يتم تنفيذ تسليح واسع النطاق، ويتم ابداء السرور بأن " القوى النووية الديمقراطية "في الوضع الحالي، تؤكد اهتمامها بالردع النووي.

هذه الملاحظات هي التناقضات التي تشكل واقع اليوم وشجعت الكثيرين في وقتنا الراهن على إيجاد مسارات بديلة. إن يتم استخدام نظام قيّم محدد كأداة للالتزام بمعايير ذلك النظام فقط إذا تم استيفاء المصالح، هو أيضا حقيقة تثير فضول الرأي العام أكثر فأكثر ويوما بعد آخر.

في مثل هذه البيئة، تبحث دول مثل إيران عن سياسة خارجية ديناميكية حتى تتمكن من الدفاع عن نفسها ضد سياسة العقوبات التي تتحملها منذ سنوات، وهي سياسة مستمدة من استعلائية "الديمقراطية الغربية". الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس الإيراني للصين هذا الأسبوع هي إشارة واضحة لهذه القضية.

لذلك، يمكن تفسير هذا السلوك، أي الحذف من قائمة ضيوف مؤتمر ميونيخ الأمني​، على أنه عزلة ذاتية خوفا من مواجهة هذه الحقائق. فلا يمكن حل القضايا الأمنية ابدا بدون الدبلوماسية والحوار وبالطبع – باستخدام القوة والأسلحة والعقوبات-. يتحقق الأمن من خلال الحوار وليس من خلال التسييس والسياسات الرمزية.