أمريكا و'إسرائيل' والحرب ضد المدنيين

أمريكا و'إسرائيل' والحرب ضد المدنيين
الجمعة ١٠ نوفمبر ٢٠٢٣ - ١١:٤١ بتوقيت غرينتش

يشكل السابع من أكتوبر 2023 مأثرة تاريخية في الحرب بين المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني، مفتتحاً مرحلة جديدة في تحرير فلسطين، ليس في مقاومة احتلال 1967 فقط. وكان رمز هذا البُعد، الانقضاض على الجيش الصهيوني والمستوطنات، في الأرض المغتصبة عام 1948. فما يسمّى "غلاف غزة" أرض تتبع الأرض الفلسطينية التي احتُلت في العام 1948/1949. 

العالم - مقالات وتحليلات

إذا كان السابع من أكتوبر قد شكل في بدايته عملية عسكرية فذة، شهد لها الجميع بالبراعة والدقة والشجاعة، بصورة استثنائية، غير مألوفة من قبل، فإن المفاجأة الثانية، التي تكشف عنها، لا تقل عنه من حيث الأهمية. أي الهزيمة التي لحقت بالجيش وميليشيات المستوطنات. الأمر الذي أفزع أمريكا ودول الغرب، وزلزل الوضع الداخلي للكيان. فالجيش الذي حمل عقوداً، صورة الجيش الذي لا يقهر، وجد نفسه مفزوعاً، مولياً للأدبار، ومستسلماً للأسر.

هذا البُعد الثاني، أي صورة الجيش المهزوم، حملت معها، صورة الكيان الذي ينهار. لأن جيشه هو عماد وجوده.

الأمر الذي فرض على أمريكا ودول أوروبا، أن تهرع لنجدته، وإيقافه على قدميه المتداعيتين.

ترجم كل من الرئيس الأمريكي جو بايدن، ورئيس وزراء حكومة العدو بنيامين نتنياهو، حالة الوقوف من جديد على القدمين من خلال الدعم الأميركي – الغربي، بشنّ حرب موازية، يقوم بها سلاح الطيران الصهيوني المسلح بالطائرة والصاروخ والذخيرة الأمريكية، ضدّ المدنيين والأحياء السكنية. وذلك مع عدم التقيّد بأيّ من أصول قواعد الحروب، أو القوانين الدولية الإنسانية. ومن ثم جعلها حرباً موّجهة ضد الرجال والنساء، شيوخاً وكهولاً وأطفالاً، كما ضدّ البيوت السكنية، والمدارس والجامعات والمساجد والكنائس والمستشفيات. وقد أسفرت عما يزيد على عشرة آلاف شهيد، وأكثر من ثلاثين ألف جريح، فضلاً عن آلاف قضوا تحت الردم، من دون القدرة على إخراجهم أو إنقاذ بعضهم، بسبب مواصلة القصف، ليلاً نهاراً، دون توقف.

هذه الاستراتيجية التي تبناها نتنياهو، وبدعم من بايدن، أصبح قتل المدنيين فيها مطلوباً لذاته. مما وضعها ضد العالم كله. لأن الإجماع العالمي، شعوباً ودولاً، يتمثل في رفض قتل المدنيين، وإبادتهم وانتهاك القوانين الدولية في الحرب. وقد ترجم ذلك بقرارات من الجمعية العامة (120 دولة مع، 45 دولة امتناع، و 14 ضد)، وبمئات التظاهرات التي عمّت العالم كله، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، ودول أوروبا كافة.

طبعاً، كل هذا لم يصل حتى الآن، إلى إجبار بايدن ونتنياهو على وقف هذه الحرب الإجرامية، الموجهة ضد المدنيين والعمران في قطاع غزة. الأمر الذي راح يتطلب من الدول العربية والإسلامية، رفع مستوى المواجهة، لهذا التحدي للعالم، والضمير الإنساني. فعلى سبيل المثال، يمكن الدعوة لتشكيل دولي، من جانب الدول التي ترفض المجازر، ضد المدنيين في قطاع غزة. مثلاً إيران، تركيا، أندونيسيا، باكستان، وماليزيا، وعدد لا بأس به من دول العالم في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، مثل جنوبي أفريقيا وبوليفيا وفنزويلا وكوبا وغيرها وغيرها.

تختلف الجبهة التي يمكن تشكيلها لوقف المجزرة ضد المدنيين، عن الجبهة الملتفة حول المقاومة وعدالة القضية الفلسطينية. لأن الجبهة الأولى تستطيع أن تجمع دولاً ورأياً عاماً أكبر، ولا أحد يستطيع أن يجادلها، ضد إجراء يمكن أن تتخذه، لوقف جرائم قتل المدنيين وتدمير أحياء بأسرها، فضلاً عن تدمير المستشفيات، والحصار الذي يشمل الحرمان من الطعام والدواء والماء.

فالإجراءات التي يمكن، ويجب اتخاذها لوقف الهجوم، والحرب على المدنيين والحياة المدنية، يجب أن يشمل قطع العلاقات والمقاطعة، وصولاً إلى التهديد باستخدام السلاح، ضد المطارات التي تنطلق منها، حرب الإبادة البشرية، الممارسة في قطاع غزة.

طبعاً، إن التركيز وإعطاء أولوية لوقف الحرب ضد المدنيين، يشكل ضرورة إنسانية عليا، لإنقاذ حياة مليونين ونصف المليون من أهالي غزة.

أما البُعد الثاني للحرب بين المقاومة وجيش الكيان الصهيوني، الذي يأخذ ترجمته من خلال ما يسمى الحرب البريّة، فإن حصيلة المواجهات العسكرية فيه حتى الآن، تشير إلى غلبة قوى المقاومة، ودفاعها عالي المستوى، والمفكّر به جيداً.

ولهذا أخذت أمريكا وجيش الكيان الصهيوني، يركزان بسبب فشلهما المتواصل، يوماً بعد يوم في الحرب البرية، على زيادة الهجمات ضد المدنيين، والتهديد بضرب المستشفيات، وفي مقدمها مستشفى الشفاء.

وختاماً، إذا كان حسم نتائج هذه الحرب، ستقرره الحرب البريّة، فإن حرب الإبادة ضد المدنيين، ستمثل الهزيمة الاستراتيجية، السياسية والأخلاقية والقيمية، للكيان الصهيوني والحضارة الغربية. لأن السمة التي ستلحق بسمعة الكيان، والولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، هي استباحة قتل المدنيين، والدوس على القوانين الدولية، والقيم الإنسانية. وهذه سمة كافية لخسارة المستقبل، وليس الحاضر فقط.

فعلى سبيل المثال، هل بإمكان أمريكا وأوروبا، بعد اليوم، أن يتهموا خصومهم بالاستبداد، أو عدم احترام حقوق الإنسان؟ كما هل بإمكان قادة أمريكا وأوروبا، بعد اليوم، التحدث عن الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، أو عن الأنوار والعقلانية وما شابه؟

خاص للعالم

بقلم : المفكر الفلسطيني منير شفيق..