اميركا وثلاثية الغطرسة والارهاب والتضليل

اميركا وثلاثية الغطرسة والارهاب والتضليل
الإثنين ١٧ أكتوبر ٢٠١١ - ٠٩:١٥ بتوقيت غرينتش

في كتابه تحت عنوان (القوة والارهاب... جذورهما في عمق الثقافة الاميركية) يفضح المفكر الغربي نعوم تشومسكي السياسات الاميركية المتسترة باقنعة الديمقراطية وحقوق الانسان ونزع اسلحة الدمار الشامل، مؤكداً انها سياسات ذرائعية تتوخى السيطرة على منابع الطاقة، عبر اساءة استخدام القوة وتسخيرها لخدمة المصالح الرأسمالية الكبرى، موضحا انه في القاموس الاميركي لاقيمة للعدالة والمساواة والحرية وسائر قيم الحق والخير الا حين تخدم مصالح واشنطن، ولايكون الظلم والعدوان وسفك الدماء البريئة مستهجنا الا اذا ارتكب في اميركا او كان موجها ضد مصالحها.

 كلام تشومسكي آنف الذكر لايرتبط بالتطورات الراهنة ولكنه يعود الى نحو عقد من الزمن على خلفية احداث 11 سبتمبر 2001، وما اعقبها من عربدة اميركية عسكرية ادت الى احتلال افغانستان والعراق، وحولت بلدان اخرى الى ميادين حرب تسرح وتمرح فيها جيوش البنتاغون والسي آي ايه وقوات حلف الناتو، تحت ذريعة مكافحة الارهاب واطاحة الانظمة الدكتاتورية.

لقد طبقت حكومة الولايات المتحدة – وما تزال – استراتيجية خبيثة في العالم العربي والاسلامي، اقل ما توصف بانها كرست (صناعة الموت) و(تعميم الدمار الشامل) وهاهي اليوم تسعى عبر الصاق اتهامات مفبركة بالجمهورية الاسلامية الايرانية، الى (اشاعة الخوف والرعب والقلق) في ربوع المنطقة ودق اسفين الفتن والنعرات الطائفية بين شعوبها المرتبطة معا بأواصر الدم والعقيدة والجغرافيا والمصير المشترك.

ومن الواضح ان هذه الاستراتيجية تأتي في سياق الثورة المضادة على النهضة الاسلامية المعاصرة التي قضت على معاقل طالما خدمت المشروع الاميركي – الصهيوني، كما ساهمت في صحوة الامة اكثر فاكثر لمناصرة اهلنا واخواننا في فلسطين والعراق والبحرين واليمن والسعودية التواقين للحرية والعدالة والمساواة.

انظروا كيف تتغاضى الادارة الاميركية وحكومات الدول الاوروبية وكندا وسواها عن المجازر الدامية في القطيف والبحرين واليمن، وكيف تقاتل حكومة بغداد بشراسة  للحصول على حصانة لافراده العسكريين الخمسة آلاف الذين يفترض ان يبقوا  في العراق كمدربين لا أكثر.

    الم يلاحظ العالم  الطائرات الحربية الاميركية في باكستان واليمن وسورية وحتى في السودان وهي تغير في كل مرة على اهداف تصفها هي ب(الارهابية) او مواقع تدعي  بانها (نووية)، ولامن احد في المجتمع الدولي يحاسبها او يطلب منها الدليل على مزاعمها؟!

ثم لقد شاهد الراي العام الدولي  كله كيف باركت اميركا تدخل حلف الناتو عسكريا في ليبيا، لاحالة هذا البلد الى ساحة تتصارع فيها تناقضات الماضي والحاضر، وتتحول فيها الواحات الخضراء الى اراض محروقة، وتتبدل فيها الروابط الاجتماعية الى اشكال مروعة من العنف والعنف المضاد، وكل ذلك من اجل الاستحواذ على مصادر النفط والغاز في بلاد الشهيد الشيخ عمر المختار، لفائدة تجار الحروب ورأسماليي الشيطان الاكبر.

هذا غيض من فيض بالنسبة لما قامت وتقوم به اميركا في المنطقة والعالم ، لكن المثير للاشمئزاز ان تتشدق صاحبة جريمتي (هيروشيما) و(ناكازاكي) بالنبل والحضارة لتختلق سيناريو سخيفا لايصلح الا كفيلم هوليودي يصلح ان تموله عصابات المافيا العاملة عبر القارات  ويؤدي دور البطولة فيه كل من جو بايدن وهيلاري كلينتون واضرابهما ممن تلطخت ايديهم بدماء الشعوب من اجل النفط والبقاء في السلطة.

اللافت ان هذا الاتهام الزائف لم يحظ بأدنى اهتمام من لدن عشرات الملايين من المواطنين الاميركيين والاوروبيين ومن يؤازرهم من امم الارض ، ممن يقودون اليوم صحوة انسانية عالمية على الرأسمالية الجشعة، ويستنكرون الهوة الشاسعة بين الفقراء والاغنياء، و يكابدون  الوانا اخرى من الظلم والاضطهاد والقهر اقتصاديا واجتماعيا.

يقينا بان هذه الثورة الكونية الجارفة ستكون هي الرد المناسب على زعماء القوة والمال الدوليين وكل اساليبهم الملتوية لتضليل الشعوب ونهب ثرواتها وخيراتها ومصادرة حقوقها العادلة.

اما ايران فانها وكما اعلن قائد الثورة الاسلامية سماحة الامام خامنئي في كلمته المهمة لحشود طلبة الجامعات والمدارس بمحافظة كرمانشاه (تتوعد برد حازم  سيجعل اعداءها يندمون على أي مؤامرة يقدمون عليها، لان الجمهورية الاسلامية بوحدتها الوطنية وقدراتها المتنامية لايمكن ان تخضع ابدا للغة الابتزاز والضغوط والتهديدات).

كما حذر قائد الثورة, صانعي القرار الغربيين (من مغبة تكرار سلوكياتهم التافهة و البلهاء في سبيل اخافة الدول العربية و الجيران في منطقة الخليج الفارسي من طهران)معتبرا في كلمة اخرى امام حشود المواطنين الايرانيين بمحافظة كرمانشاه (ان هذا التوجه يعكس عمق افلاس اميركا , و عجزها عن الخروج من مستنقعات سياساتها  الخاطئة القائمة على الاستكبار و العدوان), مذكرا في الوقت نفسه (بقدرة الجمهورية الاسلامية على الحاق الهزيمة المرة مجددا بمؤججي هذه الفتنة ) معيدا الى الاذهان ( الثمن الغالي الذي دفعه المعتدون على البلاد قبل 31 عاما )

ان العلاقات الايرانية- العربية, نموذج قيم للعلاقات الايجابية و البناءة بين دول المنطقة و شعوبها , و لولا التدخلات الغربية الاخيرة في شؤون العالم الاسلامي و لا سيما عمليات اميركا و الناتو العسكرية التي ادت الى الاحتلال دولتين  عظيمتين مثل افغانستان و العراق و ما ترتب عن ذلك من اخلال هائل في الامن و السلم الاقليميين , لما تسرب اي اختلاف و توتر الى صفوف الامة.

 فواشنطن التي اصطدمت بربيع الثورات في العالم العربي، سعت الى مماشاة تيار الصحوة الاسلامية والتظاهر بدعم قضايا التحرر من الانظمة الدكتاتورية، والتشجيع على الحريات والديمقراطية وحماية حقوق الانسان.بيد انها فشلت – بامتياز – في التضامن والتعاطف مع الاهداف والمطالب العادلة للثورات الجماهيرية، لسببين اساسيين:

السبب الاول هو الهوية الاسلامية لها وتاكيد الثوار في مصر وتونس والبحرين والسعودية وليبيا واليمن والاردن  على مكافحة الغزو الغربي (الاورواميركي) والوجود الصهيوني في الشرق الاوسط، وقطع ايدي اللصوص الدوليين عن الاستمرار بالعبث بخيرات العرب والمسلمين وثرواتهم التي طالما كانت نهبا للنظام الرأسمالي والاحتكارات البترولية العالمية.

السبب الثاني، هو ازدواجية المعايير الاميركية في مساندة بعض الثورات وتجاهل البعض الآخر. ففي البلاد الزاخرة بالطاقة – كما في ليبيا – استعملت قوات حلف الناتو بهدف تسريع عملية اسقاط النظام، على حين ان واشنطن والعواصم الاوروبية الاخرى تواطأت معا على اظهار الدعمبمتوى معين  لثورتي تونس ومصر وذلك بعد انتصارهما ، مع اجراء بعض التغييرات الشكلية دون المساس بالقواعد الاساسية في البلدين.

كما انها ساندت الانظمة القبلية والعائلية في السعودية والبحرين واليمن والاردن في مضمار قمع الثورات الجماهيرية فيها والتنكيل بابنائها قتلا ومطاردة وسجنا وترهيبا، مع انها ثورات تستند الى الشرعية الشعبية، وتنادي بشعارات تتشدق اميركا واوروبا والمنظومة الغربية بأسرها بالتزامها والسعي الى تعميمها في العالم كله.

   لكنها في المقابل طبقت سياسات وسلوكيات ، تعزز القناعة امام العالم بانها لاتستهدف ارساء الاستقرار والامن والسلام، فضلا عن انها تصب الزيت على النار لغايات في مقدمتها منع وتيرة  التدهور الاسرائيلي أمام تنامي روح المقاومة و التصدي  في الشرق الاوسط.

*حميد حلمي زادة