ولعل الظاهرة الاكثر خطورة في هذا المضمار، هي ما تشهده سورية من حرب حقيقية داخلية تختبئ وراءها شبكة معقدة من المصالح والاستهدافات الدولية والاقليمية، حتى لم يعد بالامكان تصديق مقولة ان ما يجري هناك "ثورة شعبية ذات تطلعات وطنية".
في ضوء ذلك لم يكن مفاجئا امتداد منعكسات ازمة الديار السورية الى العراق، على شكل هجرة معاكسة لعشرات الالوف من ابناء وادي الرافدين المقيمين هنالك والذين تقطعت بهم السبل وضاقت عليهم الارض بما رحبت، جراء الممارسات العبثية والاجرامية للمجموعات المسلحة التي تدعى انها تقوم بثورة ضد النظام ابتغاء الاطاحة به واقرار الديمقراطية والحريات وحقوق الانسان محله!
وبرأيي ان نزوح العراقيين المدفوع بالخوف والفزع والمرارة، ينم على اولى ايعازات "ادعياء الثورة الاسلامية" على مستوى تلغيم سماء العلاقات (بين دمشق و بغداد) ابتداءً.
فمن المؤكد ان النفس الطائفي المستولي على عقليات العصابات التي تنشر الموت والدمار والابادة الجماعية في احياء معينة بدمشق ومناطق معروفة في سورية، يقطع الشك باليقين بأن ما يجري في هذا البلد الذي كان موئلا للامن والامان والاستقرار، هو عملية "تدمير ارهابية" واضحة لهذه المقومات الجميلة، ابتغاء تبديلها بمفردات همجية خرقاء يسوقها افراد شاذون كا المدعو " عدنان عرعور" ومن هو على شاكلته، كان المهاجرون العراقيون اول ضحاياها، عدا ما يمكن ان ينتظر بلاد دجلة و الفرات من ارتدادات عنيفة – لا سمح الله - اذا ما سادت عاصمة الشام عقلية التكفير والتعصب والطائفية، وهي العقلية المجندة فكريا وقتاليا وتسليحا وماليا من قبل انظمة آل سعود وآل ثاني والعثمانيين الجدد، اي الانظمة التي تناصب العداء كلا من العراق وايران وسورية وحزب الله في لبنان ، والتي لا تتورع عن المجاهرة في اعلان احقادها الطائقية لهذه المواقع ، ولا تخجل من وضع اراضيها و مياهها و اجوائها في خدمة الاستراتيجية الاميركية –الصهيونية المناهضة للعروبة والاسلام ولكل قيم السماء.
وازاء ذلك يتطلع الشعب العراقي كما احرار العالم الى وقفة بغداد المصيرية لرأب الصدع اولا عبر انهاء الصراع السياسي في البلاد، واعادة الطمانينة الى الوجوه القلقة، وتقليص تداعيات هذا الصراع على الواقع الاقتصادي والاجتماعي والامني لا سيما ونحن نحيا ايام شهر رمضان المبارك.
اما المهمة الثانية وهي الاهم، فهي انبراء العراق لاحتواء الحرب الطاحنة الموقودة دوليا واقليميا في الارض السورية، باعتبار ان بغداد زعيمة القمة العربية في دورتها الحالية، وهو ما يحملها مسؤولية عظيمة وخطيرة في ان معا، على صعيد منع استشراء العنف الطائفي المتلبس" قميص الثورة" في سورية، والقيام بالتحركات والاجراءات السياسية والدبلوماسية اللازمة لاقناع المحركين الاساسيين في المنطقة بعدم مواصلة اللعب بالنار اكثر من هذا، فالحكمة تقضي بان احراق بيت الجيران، لن يعود بردا وسلاما على الاقربين.
حميد حلمي زادة