في ذكرى ميلاد عالم آل محمد (ص)

في ذكرى ميلاد عالم آل محمد (ص)
الخميس ٢٧ سبتمبر ٢٠١٢ - ٠٥:٠٠ بتوقيت غرينتش

الامام الرضا عليه السلام, هو ثامن الائمة الاثني عشر الذين نص عليهم النبي الاکرم صلي الله عليه واله وسلم وهو: علي بن موسي , بن جعفر, بن محمد, بن علي, بن الحسين, بن علي, بن ابي طالب صلوات الله عليهم اجمعين.

وكانت اشراقة مولده القدسية  11 ذي القعدة سنه 148 للهجرة النبوية الشريفة، اي نفس السنة التي استشهد فيها جده الامام الصادق عليه السلام علي قول اكثر العلماء والمؤرخين.
عاصر الامام علي بن موسي الرضا عليه السلام عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد عشر سنوات ثم ابنه الامين ثم المامون وقد اتسمت تلك الفترة بالقسوة والظلم والارهاب وممارسة اشر انواع التنكيل والتعذيب والقتل لابناء اهل البيت عليه السلام وشيعتهم.
عاش الامام الرضا (عليه السلام) المرحلة الصعبة التي مر بها والده الامام الكاظم (عليه السلام)، ولما استشهد ابوه عليه السلام وانتهت الامامة اليه، فقد جاء ان الرشيد قال ليحيي بن خالد البرمكي، حين حرضه الاخير علي الامام الرضا (عليه السلام): ( يكفينا ماصنعاه بأبيه).
ومع ذلك فان الامام الرضا (عليه السلام) لم يكن ليحيي بعيدا عن الصراع العلوي مع العباسيين دون ان يصيبه الاذي وتحل به الكروب والمحن. وبرز الامام الرضا (عليه السلام) علي مسرح الحياة السياسية الاسلامية كألمع سياسي عرفه التاريخ الاسلامي في عصره. ان تردي الاوضاع السياسية قد انعكس علي طبقات الامة كافة، فلم يسلم منه احد سواء العامة والجمهور او قادة الرأي وأقطاب المجتمع والعلماء، لذا كان الرأي العام قد اتجه بشكل قوي نحو اهل البيت عليهم السلام، حيث ان قادة اهل البيت وائمتهم  امثال الصادق والكاظم والرضا عليهم السلام كانوا هم المفزع للامة وملجأ استغاثة. وقد اشتد هذا الميل لاهل البيت والتعاطف معهم وبلغ شانه ايام الامام علي بن موسي الرضا عليه السلام فكانت الثورات العلوية تتفجر وجماهير الامة وبعض الوزراء يميلون لاهل البيت، والدولة العباسية تمر بمرحلة صراع داخلي حاد بين الامين والمأمون ،شخصية الامام الرضا(عليه السلام) تقوي وتتركز باعتباره الامام من اهل البيت والانظار تتجه نحوه والقلوب تهفو اليه.
بعد ان انتصر المأمون علي اخيه الامين وتسلم السلطة واجه ثورات متتالية قادها العلويون، فالسياسة
العباسية وظروف المطاردة والاضطهاد كانت تدفعهم الي التحرك المسلح واعلان الثورة والدفاع عن
الحق بقوة. كان المامون يحمل نفس الرأي الذي يحمله آباؤه عن ائمة اهل البيت عليهم السلام، فقد عاش المأمون وضعا مضطربا، عاش صراعا مريرا بينه وبين اخيه الامين وعاش ثورات وانتفاضات علوية في طول البلاد وعرضها. لم يجد المأمون من المناسب استعمال العنف والتصدي للامام الرضا عليه السلام بنفس الوسائل التي تصدي بها الرشيد للامام موسي الكاظم عليه السلام، فقد انتهي الي نتيجة سياسية لم يجد مناصا منها، وهي مهادنة العلويين والاعتراف لهم بحق الولاية لامتصاص النقمة واقناع الراي العام بالاعتدال وكسب الانصار.فأخترع المأمون مشروعا سياسيا لتطويق الامام الرضا عليه السلام وهو المبايعة له بالخلافة وولاية العهد من بعد المأمون باعتباره الامام من اهل بيت النبوة علهم السلام والقائد البارز والسيد العالم في عصره.
ونستطيع ان نوجز اهداف المامون وما كان يتوخاه من اخذ البيعة للرضا عليه السلام وولايه العهد بعد علي النحو التالي:
الهدف الاول: ان يأن الخطر الذي كان يهدده من قبل تلك الشخصية الفذة، شخصية الامام الرضا عليه السلام الذي كانت كتبه تنفذ في المشرق والمغرب.
الهدف الثاني: ان يجعل هذه الشخصية تحت المراقبة الدقيقة والواعية من قرب من الداخل والخارج
ليمهد الطريق من ثم القضاء عليه ولهذا زوجه ابنته ليجعل عليه رقيبا داخليا موثوقا عنده هو، ولم يكتف بذلك بل وضع علي الامام الرضا عليه السلام عيونا آخرين يخبرونه بكل حركة من حركاته وكل تصرفمن تصرفاته ..
الهدف الثالث: ان يجعل الامام (عليه السلام) قريبا منه ليتمكن من عزله عن الحياة الاجتماعية وابعاده عن الناس، وابعاد الناس عنه ، حتي لايؤثر عليهم بما يمتلكه من قوة الشخصية وبما منحه الله اياه من العلم والعقل والحكمة ، ويريد ان يحد من ذلك النفوذ له الذي كان يتزايد باستمرار سواء في خراسان او في غيرها .. انه كان يريد عزل الامام عن شيعته ومواليه وقطع صلاتهم به وليقطع بذلك آمالهم ويشتت شملهم ويمنع الامام من ان يصدر اليهم من اوامره وما قد يكون له اثر كبير علي مستقبل المامون وخلافته، وبذلك يكون ايضا قد مهد الطريق للقضاء علي الامام الرضا عليه السلام نهائيا،  والتخلص منه بالطريقة المناسبة وفي الوقت المناسب ..
الهدف الرابع: إن المأمون في نفس الوقت الذي يريد فيه ان يتخذ من الامام درعا يتقي به سخط الناس علي بني العباس من قمة الجمهور والشارع يريد ايضا ان يستغل عاطفة الناس ومحبتهم لاهل البيت - والتي زادت ونمت بعد الحالة التي خلفتها الحرب بينه وبين اخيه الامين - ويوظف ذلك في صالحه هو وصالح الحكم العباسي بشكل عام وان يحصل علي قاعدة شعبية واسعة وقوية.
الهدف الخامس: ان المامون كان يريد ان يقوي من دعائم حكمه حيث قد اصبح الحكم يمتلك
شخصية تعنو لها الجباه بالرضا والتسليم.
الهدف السادس: ولعل من الاهمية بمكان بالنسبة اليه، ان يكون في تلك الفترة المليئة بالقلاقل والثورات قد اتي الامة بمفاجئة مثيرة، من شانها ان تصرف انظار الناس عن حقيقة مايجري حولهم ما يحدث وعن واقع المشاكل التي كان يعاني الحكم والامة منها وما اكثرها، كما هو متبع في الوقت الحاضر علي مستوي السياسات العالمية.
الهدف السابع: اراد المامون ان يخدع الناس بانه يريد الخير للامة من خطوته هذه، وان قتل اخاه لم يكن من اجل الحكم والرئاسة بقدر ماكان من اجل خير المسلمين والمصلحة العامة.
الهدف الثامن: لقد كان من نتائج اختياره الامام والبيعة له بولاية العهد - التي كان يتوقعها - ان يخمد ثورات العلويين في جميع الولايات والامصار.
الهدف التاسع: كما انه ببيعته للامام الرضا عليه السلام بولاية العهد، وقبول الامام (عليه السلام) بذلك .. يكون قد حصل علي اعتراف من العلويين علي اعلي مستوي بشرعية الخلافة العباسية.
الهدف العاشر: يضاف الي ذلك ، انه يكون قد حصل علي اعتراف ضمني من الامام الرضا عليه السلام بشرعية تصرفاته طيلة فترة ولاية العهد وليعطي للناس - من ثم - الصورة التي يريدها عن الحكم والحاكم وليؤكد للملأ اجمع ان الحاكم هذا هو سلوكه وهذه هي تصرفاته من كان ومهما كان ، واذن فليس لهم بعد حق في ان يتطلعوا الي حكومة احد علي ان بها شيئا جديدا ولا ان ينظروا الي جهة علي انها يمكن ان يكون بها المنقذ لهم والمخرج من الظلمات الي النور حتي ولو كانت تلك الجهة هي آل بيت نبيهم وان يكون سكوت الامام عليه السلام في فترة ولاية العهد عن تصرفات الهيئة الحاكمة دالا علي رضاه بها ويعتبر امضاء لها.
الهدف الحادي عشر: هذا ... وبعد ان يكون المأمون قد حصل علي كل قدمناه وحقن دماء العباسين واستوثقت له الممالك ولم يعد هناك مايعكر صفو حياته وقوي مركزه وارتفع من الحضيض المهين الذي اوصله اليه اسلافه الي اوج العظمة والتمكن والمجد .. وللتفرغ الي تنفيذ الجزء الثاني من مخططه
الارهابي وهو الاهم الا وهو القضاء نهائيا علي الامام علي بن موسي الرضا عليه السلام.
وكان الامام الرضا عليه السلام يدرك الخطة السياسية للمامون واهدافه غير المعلنة،  فرفض ماعرضه المأمون عدة مرات إلا انه اضطر لقبوله بعد أن هدده المأمون بشكل صريح وواضح بالقتل.
وكان الامام عليه السلام يعرف ما تؤول اليه الامور وينتهي اليه تفكير المامون واوضح ذلك لخاصته واضطر الامام عليه السلام تحت التهديد لقبول البيعة، ولكي لايتحمل شيئا من تبعات الحكم فانه اشترط القبول الرمزي دون التدخل في شيء .. او حتي تحمل اية مسؤولية في الدولة.
وحين قبل الامام الرضا عليه السلام ولاية العهد راح المامون يعلن هذا النبأ العظيم وينشره في ارجاء البلاد الاسلامية ودعا الناس الي بيعة الامام. حين تمت البيعة واعلنت علي الناس في مجلس حافل طلب المامون من الامام الرضا عليه السلام ان يخطب الناس، فقام الامام وتحدث بكلمات وجيزة بليغة جامعة تحمل في طياتها طبيعة موقف الامام الرضا عليه السلام وعدم تجاوبه مع السلطة او انسجامه معها فقد قال :
( بعد حمد الله والثناء عليه، إن عليكم حقا برسول الله صلي الله عليه واله وسلم ولكم علينا حق به،  فاذا اديتم ذلك وجب علينا الحق لكم) .ان خطبة الامام عليه السلام خير دليل علي موقفه وعدم قناعته بمستقبل البيعة لذا اورد في خطبته إشارة دقيقة: ( فاذا اديتم ذلك وجب علينا الحق لكم).وذكر الشيخ المفيد عن المدائني: ( لما جلس الامام الرضا علي بن موسي عليه السلام في الخلع بولاية العهد قام بين يديه الخطباء والشعراء وخفقت الالوية علي راسه فذكر عن بعض من حضر ممن كان يختص بالرضا عليه السلام انه قال: كنت بين يديه في ذلك اليوم فنظر الي وانا مستبشر بما جري فأوما الي ان ادن،  فدنوت منه فقال لي من حيث لايسمعه غيري: لاتشغل قلبك بهذا الامر ولاتستبشر له فأنه شيء لايتم). الشيخ المفيد الارشاد.
فالمأمون ليس ذلك الشخص الذي كان زاهدا في الملك والسلطة فقد قتل اخاه الامين من اجلها وقتل من خدموه وخدموا سلطة ابيه الرشيد امثال طاهر بن الحسين والفضل بن سهل واخرين ممن ساهموا في تنفيذ خطط المأمون وتثبيت دعائم وقواعد سلطته. فكان طبيعيا ان يلقي الامام الرضا عليه السلام مثل هذه المعاملة وهو من اكثر الناس خطرا واشدهم فاعلية في مجري حوادث المرحلة السياسية التي عاشها يضاف الي ذلك ماكان للصراع والوشايات والوقيعة التي كانت تمارسها الحواشي وضغوط رجالات بني العباس ضد اهل البيت عليه السلام. لذلك فان التاريخ يحدثنا ان المامون قد دسم السم الي بعض طعام الامام الرضا عليه السلام ( في عنب او رمان ) فاغتاله.
هذا واسفرت مدرسة الامام الرضا عليه السلام العلمية عن تخرج كوكبة من العلماء الذين كان عددهم يناهز الثلاثمائة.
وقد مدحه أبو نؤاس - الشاعر المشهور- الذي ترك مدحه إعظاما له، وقد أجاد فيما قال، حين عوتب علي عدم مدحه الامام الرضا عيله السلام بعد توليته لولاية العهد مجيبا :
قيل لي أنت أوحد الناس طرا   *** في فنون من المقال النبيه
لك من جوهر الكلام نظام    *** يثمر الدر في يدي مجتنية
فلماذا تركت مدح ابن موسي *** والخصال التي تجمَعن فيه
قلت : لا أهتدي لمدح إمام  ***   كان جبريل خادما لأبيه
واخيرا .. قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: ستدفن بضعة مني بارض خراسان مازارها مكروب إلا نفس الله كربته ولامذنب إلا غفر الله ذنوبه ..فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيَا.

 

اعداد/محمد بسطامي

تصنيف :
كلمات دليلية :