أردوغان فشل في توريط الناتو

أردوغان فشل في توريط الناتو
الإثنين ٠٨ أكتوبر ٢٠١٢ - ٠٤:٤٩ بتوقيت غرينتش

شغلت التطورات على الحدود التركية السورية حيزا أسياسيا من اهتمام الدوائر الدولية والإقليمية المعنية وبينما قرعت حكومة اردوغان طبول الحرب أول الأمر عادت إلى التراجع وخففت من حدة لهجتها بتأكيد مستمر انها لا تريد الحرب مع سورية.

أولا: جاء التصعيد التركي الذي تشوبه التباسات كثيرة لجهة تحديد مصدر القذيفة التي قيل إنها انفجرت داخل الأراضي التركية، مباشرة مع ظهور المؤشرات الدامغة على إفلاس هجمات العصابات المسلحة في حلب ، والتي توهم القادة الأتراك قبل أسبوعين أنها ستسدد ضربة قاضية للدولة السورية فقد تكشفت الوقائع عن احتواء الجيش العربي السوري لحركة العصابات الإرهابية واستعداده لحسم الموقف على جميع الجبهات داخل سورية بعد تحقيق نجاحات كبرى في عملية القضم والهضم وجاءت التفجيرات الانتحارية في مدينة حلب بمثابة ضربة يائسة لمخطط فاشل فهي لم تكن جزءا من حركة عسكرية في الميدان بل على العكس تفيد الوقائع أن العصابات الإرهابية المسلحة تعيش حالة متفاقمة من الانقسامات والانشقاقات وان المسلحين السوريين يفرون إلى بلداتهم وقراهم في الأرياف ويلجأ معظمهم إلى وجهاء العائلات ليرتبوا تسليم أنفسهم وإلقاء السلاح والإفادة من فرص العفو أما المسلحون الأجانب الذين قتلت منهم أعداد كبيرة فان فلولهم تنتشر في الجغرافيا السورية لتعد لحرب إرهاب طويلة ضد الدولة والشعب والجيش.

ثانيا: التهديدات التركية أرادت أن ترفع المعنويات المنهارة وان ترمم وضع العصابات الإرهابية ولكن ذلك لم يفلح فالشعب السوري الذي أثبت وعيا كبيرا والتف حول دولته الوطنية يبدو أكثر تحفزا لمجابهة المخطط الإرهابي والقطاعات والشرائح الشعبية التي تأثرت بدعاية المعارضات الكاذبة قبل سنة ونصف تواصل رحلة عودتها إلى الدولة وتظهر التفافا متجددا حول الجيش وحول زعامة الرئيس بشار الأسد بعدما اكتشفته من وقائع وما راكمته من وعي سياسي نتيجة المعاناة .

حتى ما سمي بتنسيقيات الثورة التي كانت جهازا لقيادة التمرد منذ بداية الأحداث بدأت تنتفض في معظم المناطق وتتخذ مواقف داعية لإلقاء السلاح وللتجاوب مع الحوار كطريق لحل الأزمة وبعضها يتولى التفاوض مباشرة مع الجهات الأمنية لتسوية أوضاع المسلحين وتسليم الأسلحة.

لأن هذا المسار في التحول السوري هو مسار أصيل لم يستطع اردوغان أن يقطعه بعربدة عدوانية أدبت إلى العكس تماما فهي حركت وألهبت الوطنية السورية في مجابهة تحرش أجنبي عدواني يستغل الأزمة الداخلية ليتطاول على الدولة السورية.

ثالثا: محاولة اردوغان لاستدراج الحلف الأطلسي إلى قرار الحرب على سورية بغزو عسكري مباشر باءت بالفشل وكما حصل بعد إسقاط الطائرة التركية جاء بيان الحلف الأطلسي ليدعو إلى معالجة هادئة وحكيمة للاحتكاكات الحدودية ولم يجار التهديد التركي بشن الحرب في حين كانت الصفعة الأقوى لأوهام اردوغان هي اضطرار مجلس الأمن لإصدار بيان يدين الهجمات الإرهابية في حلب ويسمى شبكة القاعدة بالاسم وهو ما يدعم وجهة النظر السورية ويضعف زخم الحملات العدائية على سورية.

بريبة كبيرة ينظر اردوغان إلى بعض المواقف الأوروبية التي صدرت مؤخرا بشأن إعادة البعثات الدبلوماسية إلى سورية وهو يعرف أن الغرب في حالة الهزيمة يبحث عن سبل النجاة بجلده ولا يسأل عمن ورطهم في خيارات ومواقف مكلفة لحسابه ويتذوق اردوغان هذه الحقيقة في الجدل التركي الداخلي عن كلفة الورطة في سورية اقتصاديا وسياسيا وأمنيا.

سورية جاهزة لصد أي اعتداء وحلفاؤها ليسوا مكتوفي الأيدي لا سيما بعد التحول الإقليمي الناتج عن المعاهدات العراقية الإيرانية أما حلفاء حكومة الوهم العثماني في الناتو فهم راغبون في استبعاد ورطة جديدة في مغامرة غير محمودة العواقب بينما حليفاه القطري والسعودي لا جيش عندهم ولا خيل بل بضع أموال مرصودة لتدمير القوة السورية اما تنظيمات الاخوان المسلمين الحاكمة في غزة ومصر وتونس وليبيا فهي لا تفيد لا في الضيف ولا في السيف ولا في غدرات الزمن بل تصفق لاردوغان وتشجعه على التورط في حين انها تخاف النتائج والارتدادات الداخلية على أوضاعها لمجرد انخراطها في حلف العدوان على سورية وساعة تجاوزها للمواقف اللفظية قد تندفع في مسار انحدار وتشرذم غير مسبوق.
عض الأصابع قد يستمر وربما يطول على الحدود السورية التركية ولكن الأكيد أن المغامرة ستكلف اردوغان غالية في حين أن معلميه الأميركيين والأطلسيين يبحثون عن إستراتيجية الخروج من الورطة السورية المستحيلة.

*غالب قنديل