فضيحة يوتلسات" والقرصنة الاوروبية

فضيحة يوتلسات
الخميس ١٨ أكتوبر ٢٠١٢ - ٠٢:٥١ بتوقيت غرينتش

من الوهلة الاولى بدا حجب شركة "يوتلسات"، قناة العالم وباقة القنوات الايرانية الاخرى من قمر "هوت بيرد"، لصيقا بالاستراتيجية الغربية ــ الصهيونية التي تناصب طهران ومواقفها التحررية العداء، وتعمل ليل نهار على وضع العقبات امام عجلة التطور والتحديث بالجمهورية الاسلامية رغبة في اخضاعها وثنيها عن ثوابتها الوطنية والاسلامية والانسانية على مستوى المنطقة والعالم.

ومن الطبيعي ان التقنية التي احدثت في حياتنا الكثير من التغييرات، وتركت بصماتها واضحة على طرائق التفكير الوجدانية في ما يتصل بالتفاعل والتعاطف مع قضايا العدل والحقانية والمظلومية اينما كانت، قد اصبحت تثير حساسية كبرى في نفوس زعماء المواقع الاميركية والاوروبية والاسرائيلية، كونها باتت ترتد عليهم عكسيا، وتضاعف نقمة الشعوب وتذمرها من السياسات والسلوكيات الغربية والصهيونية في مضمار التضييق على امم الارض، واشاعة الفوضى والاضطرابات والمشاكل وحمامات الدم على مستوى البشرية في انحاء العالم.


ان شركة "يوتلسات" باعتبارها احدى واجهات الغرب المتصهين، اقدمت على حجب القنوات الايرانية، لتجسد في حقيقة الامر (كنه الحسد) الذي يضمره الاوروبيون واتحادهم العتيد للجمهورية الاسلامية، في دلالة واضحة على ضياع المعايير الحضارية والقيمية لدى ادعياء حماية الحريات السياسية والفكرية والثقافية في العالم الغربي.


ويتبين من ذلك مستوى الانحطاط الذي هبط اليه الغربيون جراء نوازعهم الاستعلائية والتسلطية، لان اجراء شركة "يوتلسات" لايمكن ان يعبر عن رأي حصيف او موقف حر، او ان يكرس قيمة اخلاقية، باعتبار ان قناتي (العالم) و(برس تي في) والقنوات الايرانية الـ (17) الاخرى، كانت وما فتئت ملتزمة بالنهج المهني والحرفي للعمل التلفزيوني البناء عبر القارات، وهي تمارس وظائفها الاعلامية في اطار الاتفاقيات المبرمة مع هذه الشركة.


بيد ان "يوتلسات" ابت الا ان تكون مطيّة للسياسات الاوروبية والاميركية والاسرائيلية، واقدمت على خطوتها اللاقانونية واللااخلاقية، لتؤكد من جديد على ان الاستراتيجية الاستكبارية مترابطة ومتکاملة وان تفاصيلها العدوانية والاستفزازية والكيدية، غير قابلة للتفكيك، حتى وان تظاهر الغربيون بغير ذلك.


ومن حقنا ان نتساءل: كيف سوغت "يوتلسات" لنفسها حجب الاقنية الفضائية الايرانية، مع ان ذلك يمثل نسفا لحرية الرأي والتعبير، التي يتظاهر الاوروبيون بانهم يقاتلون دونها و بلا هوادة من اجل الدفاع عنها بل وتسويقها في العالم العربي والاسلامي؟!


وهل ادرك الاتحاد الاوروبي ، حجم الضربة القاضية التي وجهها للقيم الحضارية والمدنية الانسانية بهذا الاجراء الرخيص الذي اقل ما يوصف بأنه يشكل "انهيارا مدويا" للشعارات التحررية والاخلاقية التي يتنادي بها الغربيون لاسيما في عصرنا الحاضر؟


فهؤلاء المتشدقون يکادون يقيمون الدنيا ولا يقعدونها انتصارا لهذه الشعارات في الشرق الاوسط وهم لا يتورعون عن تجييش الجيوش وارسال الاساطيل ونشر القواعد العسكرية والاستخبارية لاسيما في منطقة الخليج الفارسي ومضيق هرمز والبحر الابيض المتوسط والبحر الاحمر، تحت ذريعة مساندة الشعوب في نضالاتها وثوراتها على الانظمة القمعية والاستبدادية.


لكن يتضح من التوجه الاوروبي راهنا ان العلاقة بين الغرب والقمع، وثيقة و غير قابلة للانفصام، لان السلوكيات الاميركية والاوروبية المخيبة لآمال المنادين و المطالبين بالحريات والخلاص ومقارعة الدكتاتورية والاحتلال والقهر في البحرين والاردن والسعودية وقبلها في فلسطين المحتلة، باتت مفضوحة ومدانة ، ويندى لهاجبين البشرية.
اما اجراء شركة "يوتلسات" فانه مثال صارخ للقمع الفكري الثقافي، وقرصنة اعلامية أظهر الى العلن ما يعتمل في صدور ادعياء الدفاع عن حقوق الانسان وحماية حرية التعبير والرأي من حقد دفين وخداع وتضليل. في التعامل مع قضايا الامم والشعوب.


المؤكد ان ما قامت به "يوتلسات" حيال القنوات الايرانية المعروفة هو تصرف قهري وقمعي ويتناقض مع ابسط المبادئ الحضارية والانسانية والاخلاقية، لان هذه القنوات تحظى باحترام وتقدير كبيرين من لدن انصار الحقوق المشروعة و اتباع الكلمة الصادقة والاعلام الرسالي في انحاء العالم، وكم كان بودنا لو ان الاوروبيين والاميركيين، اتخذوا مواقف حازمة ضد مسلسل الاساءات والتطاولات المشينة على الرسالات السماوية والانبياء والاولياء والمقدسات الدينية ــ بلا استثناء ــ او انهم تصرفوا وفق المطلوب مع جريمة حرق (القرآن الكريم) امام شبكات التلفزة العالمية.


بيد ان عقيدة ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين المشربة في نفوسهم المريضة هي التي سولت لهم اعتبار هذه الممارسات اللااخلاقية مندرجة في سياق "حرية الرأي والتعبير"، مثلما سوغت لهم حجب (باقة الفضائيات الايرانية) تحت ذرائع سخيفة وغير مقنعة وانطلاقا من دوافع استكبارية ترى في (قناة العالم) واخواتها وسائل اعلامية تفضح صراحة جرائم اوروبا واميركا واسرائيل في سوريا ولبنان وفلسطين والعراق وافغانستان و غيرها، وتعري (الارهاب الدولي) الذي يمارسه التحالف الغربي ــ الصهيوني في الشرق الاوسط.

*حميد حلمي زادة