واشنطن وطهران بينهما برزخ لا يبغيان !

واشنطن وطهران بينهما برزخ لا يبغيان !
الإثنين ٢٤ ديسمبر ٢٠١٢ - ٠٦:٢٦ بتوقيت غرينتش

اخبار وتقارير مؤكدة لا يدخل اليها الشك او الترديد تفيد جميعا بان صانع القرار الامريكي الاول اي باراك اوباما بات في حكم اليقين لديه بان لا مفر لادارته الا التعايش مع ايران دولة نووية سلمية تخصب اليورانيوم بالنسبة التي تريد اذا ما اراد ان يبقي على بقايا وجود لمصالح بلاده في منطقة جنوب غرب أسيا او ما يسمى زورا وبهتانا بالشرق الاوسط !

من جهتها طهران فانها لا تخفي وجود قرار لديها لا رجعة عنه بان لا تفاوض ولا حوار ثنائيا مع واشنطن ما لم تقر وتذعن الاخيرة بان التكافؤ والتكافؤ وحده هو السبيل الوحيد لتجسير الثقة معها من جانب اي كبير في هذا العالم  فكيف بالامريكي االفاقد للمصداقية  اصلا بسبب تلطخ ايديه بدماء علماء ايران ونخبها ومرضاها وكل اطياف المجتمع الايراني دون استثناء !
ولما كان ذلك اكيد بالمعلومات والرسائل كما بالتحليل فان طهران تسير على خطين متوازين يزيدان من حيرة اوباما وقلقه مما يحصل في بلاد المسلمين !
الاول وهو القيام بكل ما يلزم لتعزيز هذا التكافؤ في البحر كما في الجو كما في البر وفي العلوم كما في التكنولوجيا كما في  مجال المعلومات و في ثورة الاتصالات والسايبري كما في علوم الفضاء و في الحرب كما في السلم !
واما الثاني فهو الانتهاء من خطة اقتصادية بديلة باتت جاهزة على طاولة القائد الاعلى للجيوش الايرانية والرجل الاول في البلاد اي قائد الثورة و المجتمع الايراني اي الامام السيد علي الخامنه اي محورها صفر صادرات نفطية واحتياطي استراتيجي من الذهب والمعادن و مليارات الدولارات الموزعة في اكثر من عاصمة شقيقة او صديقة او محايدة بالاضافة الى طهران كمقر اساس!
الاول لمجابهة  احتمالات الخداع والاحتيال و اشكال الحرب الناعمة او الصلدة او المختلطة وما بين كل ذلك من حروب بالوكالة في المنطقة !
والثاني لمواجهة احتمالات الغدر او الطعن من الخلف او الالتفاف   !
طهران التي تراقب هذه الايام بدقة بالغة تحولات المشهدين الاقليمي والدولي من حولها ومن حول عدوتها اللدود المعروف بالشيطان الاكبر باتت اكثر يقينا اكثر من ذي قبل بان واشنطن باتت اقرب ما يكون الى وضع القوة العظمى المنكفئة و العاجزة عن خوض الحروب الكبيرة والتي تفضل استراتيجية الحروب بالوكالة واعتمادها الحرب الناعمة كاداة رديفة في المواجهات مع خصومها !
ولما كان افضل وضع في الحرب الناعمة ضد عدوك هو ان تلعب بقواعدك في ملعبه وافضل وضع للعدو هو ان يلعب بقواعده في ملعبك  .
لذلك كله اتخذت طهران كافة احتياطاتها اللازمة لان تلعب في ملعب العدو ولكن بقواعدها هي ما يعني الابقاء على كل اشكال الحوار والمفاوضات مع حلفاء واصدقاء وادوات واشنطن اي الابقاء على "شعرة معاوية " مع الاخيرة دون كلل او ملل في نفس الوقت القيام بواجبها تجاه كل ما يحتاجه الشقيق والصديق من دواء وغذاء ومال وسلاح ودعم معنوي وسياسي حتى النفس الاخير !
الاستعداد للصعود الى الفضاء بقمرين جديدين و التفوق على العدو في مجالات الطائرات من دون طيار والحرب السايبرية والحرب الاليكترونية وتعزيز القوة البحرية بما يتيح لها الحضور في المياه الدولية بشكل ملفت فضلا عن التواجد الفعال حول المضائق البحرية بقوة ردعية جعلت ما دفع بوزيرة الشؤون الخارجية كاترين اشتون تطلب التعاون معها في مجال مكافحة القرصنة, كلها خطوات جعلت من طهران رقما اساسيا في اي تفاهمات دولية محتملة !
ولما كان ما يجري اليوم على كل من الارض السورية والارض المصرية من احتراب داخلي مفتعل هو تطبيق عملي للقاعدة الثانية من الحرب الناعمة للاسف الشديد حسب قرائة طهران فانها ترسل رسائل واضحة وشفافة وحازمة مع كل يوم يمر على هاتين الساحتين بانها ستظل الحليف الوفي لكل اصدقائها من اتباع مذهب المقاومة فيما ستقف بالمرصاد لكل من يريد السوء لهذين البلدين الشقيقين  ! من هنا تعتقد طهران اعتقادا راسخا بان اللاعبين المحليين على مسرح
ما يسمى بالعملية السياسية  الداخلية او ما يطلق عليها باللعبة الديمقراطية في بلدان الثورات العربية  اليوم يخطئون مرتين اذا لم يجعلوا حراكهم الحالي ضد الاستبداد الداخلي رديفا موازيا للصراع مع العدو الوحيد والاساس للامة الا وهو العدو الصهيو امريكي , مرة عندما يدفعون بالاختلاف الداخلي فيما بينهم الى درجة الصراع مع الاجنبي  ومرة عندما يستدعون الاجنبي للدخول كلاعب اساسي في العملية السياسية الداخلية نتيجة سوء تقديرهم للموقف !
بناء على ما تقدم فان صانع القرار الايراني يرى في المشهد الدولي العام انما هو انعكاس عن تراجع متسارع للقوة الاحادية العظمى التي ظلت وحيدة في السنوات الاخيرة , يقابله تصاعد متسارع لمجموعة من القوى الناهضة بينها قوى شعبية كثيرة لم تصل الى الحكم بعد , تتصارع فيه القوتان المتهاوية والصاعدة على مفترق طرق جبلية وعرة الغلبة فيها مرجحة لصالح القوى الناهضة وفي مقدمتها قوى محور المقاومة !
هذا التقدير للموقف هو الذي يدفع بطهران التقرير بعدم تقديم اي تنازل يذكر للقوة المتدحرجة من اعلى قمة الجبل الى الهاوية , مقايبل الوقوف بحزم وصلابة الى جانب كل القوى التي تتعرض للعدوان من قوى المقاومة حتى لو ادى ذلك بالعدو الاساسي الدفع باتجاه حرب عالمية  يتخوف منها هذا العدو ويهابها اكثر من اي وقت مضى كما تعتقد طهران , الامر الذي يدفعه
الى خيارات الحرب بالوكالة وحروب الفتن الطائفية والعرقية والمذهبية المتنقلة .
*محمد صادق الحسيني