تسونامي الاستيطان الصهيوني..

تسونامي الاستيطان الصهيوني..
الجمعة ٢٨ ديسمبر ٢٠١٢ - ٠٤:٠٦ بتوقيت غرينتش

نقول كثيرا ونعني قليلا، ويظل القول أكبر من المعنى، نقول في شؤوننا وشؤون قضيتنا العادلة، ليس كأنموذج لما نحن قادرون على فعله، بل كصدى لجرائم الكيان الصهيوني، أو حس أو تخمين أو وهم أو رغبة، أحيانا يتوفر الحلم الأمل، لكنه سرعان ما ينسحب وينطوي على ذاته، فيفقد ذاته ومعناه، ويظل القول الذي لا يحمل معنى في البلاد العربية لا يوفر معنى للمجتمعات الأخرى والمؤسسات الدولية التي تلامس حقوقنا، وهي تعترض بخجل على هستيريا الاستيطان الصهيوني.

لا أتفلسف بل أحاول وصف الراهن من خلاله، أضع قليلا من الملح على الجرح الذي هو جرحنا النازف دما وألما، ليس لصب الزيت على نار الإحباط الذي يضربنا في الصميم، بل محاولة لاستخراج ثمرة الجوهر من أجسادنا وأرواحنا وعقولنا وأرضنا، كي يعكس القول الرغبة، وتتحول الرغبة، إلى سياسة، إلى عمل، إلى موقف يقنع العالم بإصرارنا على استرجاع ما ضاع من أرضنا وحقوقنا المشروعة ومقدساتنا، وعند ذلك فقط نخرج من شرك القول إلى صراط المعنى، المنسجم والمتناسق مع رغبتنا في أن نكون «خير أمة أخرجت للناس»..

كيف يتم التحقق الكبير لهذه المعجزة الصغيرة، كيف نوقف تسونامي الاجتياح الصهيوني لأرضنا ومقدساتنا وتاريخنا ودماء أبناء شعبنا؟.. سؤال يفرض نفسه اليوم بقوة على جميع العرب الذين لم يفقه البطل صلاح الدين الأيوبي يوما من أمرهم شيئا عندما خاطبهم «أريد سيوفكم لا دعاءكم».

ما يجري في القدس والضفة من موجات متلاحقة من الهجمات الاستيطانية المسعورة، إنما هي منسقة مخططة مبرمجة لابتلاع جغرافيا الدولة الفلسطينية العتيدة، وتصفية القضية الفلسطينية على الطريقة الإسرائيلية، ومن البديهي أن تتزامن هذه الحمى الاستيطانية مع الحملات الانتخابية الإسرائيلية، فلديهم من يتطرف ويعادي الفلسطيني أكثر يفوز بأصوات المستوطنين، ولدينا من يتخلى عن دوره عن مسؤولياته التاريخية عن كرامة أوطانه، يفوز برضى أمريكا، المؤيدة والداعمة للكيان الصهيوني، إنها معادلة مثيرة للاشمئزاز، معادلة منطقية لغياب الرؤية الجمعية العربية للعالم ولذاتها ودورها ومكانتها، وقبول أنصاف الحكام بالتبعية والتبرير، واستحذائهم من قبل الأجنبي حتى لو كانوا يعاملونهم بصلف وازدراء.

نتنياهو أعلن بشكل سافر الحرب على الوطن الفلسطيني في ظل الغياب العربي والأمي الكامل عن فلسطين وقدسها، لم يجد من يردعه عن هذا الجنون الاستيطاني...؟!

الأمم المتحدة «تطالب إسرائيل بالتخلي» عن خططها لبناء آلاف الوحدات الاستيطانية الجديدة في الضفة الغربية المحتلة، مجددة التأكيد على «أن هذه المشروعات غير شرعية وتهدد عملية السلام مع الفلسطينيين»، وقال مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية: «نطالب بإلحاح الحكومة الإسرائيلية بالاستجابة للنداءات الدولية والتخلي عن هذه المشروعات».

الاتحاد الأوروبي يشجب ويحتج ويهدد ولكن من دون إجراءات رادعة، فيما تقول الإدارة الأميركية إن الخطط الاستيطانية الجديدة «استفزازية وأنها تشعر بخيبة أمل كبيرة» وإن الخطة تجعل هدف «حل الدولتين» في خطر، وهل بقيت مقومات لهذا الحل...؟!!

ولكن واشنطن في ذات الوقت لوحت باستخدام حق النقض «الفيتو» لإسقاط قرار أممي يلزم قانوناً الاحتلال الإسرائيلي بعدم البناء الاستيطاني، الأمر الذي أفسد إجماعاً دولياً على إدانة الشره الاستيطاني اليهودي، وكبح جماحه.

أما حكومة التطرف الصهيوني فإنها لا تكترث كالعادة، فمن وجهة نظــرها ليحتج العالم كله كما يشاء، ولكن المهم ما يفعله اليهود على الأرض، وما يفعلونه على الأرض هو عملية سطو مسلح في وضح النهار، ولكنه سطو يختلف في هذه المرة عن كل عمليات السطو السابقة، من حيث الزخـم والضخـامة والجنون.

ألا يستحق هذا الطوفان الاستيطاني أن يواجه بتحرك عربي حقيقي...؟، وفي أنحاء الضفة الغربية يصول الصهيوني ويجول تخريباً وتدميراً وإرهاباً، فمن يوقف هذا الإرهاب المنفلت..؟ ومن يقرع جرس الخطر ويطالب مجلس الأمن بالبند السابع ضد هذه الجرائم الصهيونية المفتوحة...؟، أو على الأقل من يضغط على الإدارة الأمريكية التي تمنح الاحتلال ترخيصاً مفتوحاً لشن حروب مفتوحة على الأرض والإنسان في فلسطين...؟!

الاحتلال يبني آلاف الوحدات الاستيطانية على امتداد مساحة القدس والضفة، ما يعني ضخ آلاف المستعمرين اليهود إلى هذه المناطق على حساب أهلها وأصحابها التاريخيين، وفي تحد للفلسطينيين والعرب والعالم، يعلن نتنياهو مواصلة الاستيطان في القدس، زاعماً «أن القدس هي العاصمة الأبدية لـ «إسرائيل»، ويضيف: «نحن موجودون هنا في القدس ليس منذ 25 عاماً، وإنما منذ 3000 عام، ولدينا إرادة قومية قوية وصلبة ووعي تاريخي متواصل، وعظمة نفسية لشعب كافح من أجل وطنه ويعرف كيف يبقي دولته في الوجود».

أما صحيفة هآرتس الصهيونية فقد كشفت الأسبوع الماضي، النقاب عن إن دوائر مكلّفة بشؤون الاستيطان أقرت مخططات بناء 6210 وحدات استيطانية تشمل مخطط البناء في «رمات شلومو»، مؤكدة: أن من شأن المصادقة على مخططات البناء أن تغيّر خريطة جنوب القدس بشكل دراماتيكي»، وتضيف: «إن المخططات تقضي بإقامة مستوطنة جديدة جنوب القدس باسم «غِفْعات هَمَتوس»، ومخطط البناء فيها يشمل 900 وحدة بموازاة مخطط لبناء 2610 وحدات في المستوطنة ذاتها، ويجري البحث في مخطط ثالث يقضي ببناء 1200 وحدة في مستوطنة «غيلو» بين القدس وبيت لحم، وفي 7 كانون الثاني المقبل يبحث مخطط بناء منطقة فنادق كبيرة تابعة لمستوطنة «غفعات همتوس»، وصادقت قبل ذلك، بشكل نهائي على مخطط بناء 1500 وحدة سكنية جديدة في مستوطنة «رمات شلومو» في شمال القدس الشرقية، بينما كشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» في موقعها على الشبكة الأربعاء 19/12/2012، أن وزير «الحرب  الإسرائيلي» إيهود باراك، قد وقع على مصادقة ببناء 523 وحدة استيطانية في مستوطنة «غفعوت في غوش عتسيون»، وفي القدس أيضا، سلمت قوات الاحتلال، الاثنين-17 /12/ 2012، أهالي بلدتي العيزرية وأبو ديس شرق مدينة القدس إخطارات تقضي بمصادرة 1200 دونم من أراضيه.

إذا القدس والضفة تشهدان أخطر طوفان استيطاني منذ العام 1967، فمن يكترث ومن يرى ومن يسمع ومن يتحرك...؟!!..

غريب هذا التعاطي الفلسطيني العربي أولاً ثم الدولي ثانياً، مع أخطر وأشرس هجوم وسطو صهيوني مسلح على الأرض والإنسان وكأن كل ذلك يجري في كوكب آخر...؟!.

ترى هل سنبقى في دائرة الكلام الذي لم نعد نحسن غيره، أم أن الإرادة العربية الغائبة المغيبة ستزهر في الصراع العربي - الإسرائيلي وتستعيد الأمة ذاتها،.. ترى متى يدرك العرب أن الشر الإسرائيلي شبع نضوجا، ومتى يدرك الفلسطينيون أن الخطوة التالية على جدول الأعمال الفلسطيني المصالحة الداخلية، وليست المفاوضات، حيث أفادت تصريحات جديدة صدرت عن دوائر ومسؤولين في السلطة، أن الخطوة التالية، أي بعد ترقية الوضع الفلسطيني في الأمم المتحدة إلى صفة عضو مراقب، تتركز على إحياء «مسيرة التسوية» من حيث وأدتها المستوطنات الإسرائيلية..

لا عجب إن لم نرَ شيئاً في المدى القريب أو المتوسط، ولا عجب أيضاً إن سمعنا المزيد من الخطب الرنّانة التي يشنّف بها الساسة الفلسطينيون آذاننا، وحملات العلاقات العامة والزيارات التي باتوا يشتركون في القيام بها على اختلاف مشاربهم السياسية، من دون نية حقيقية لتغيير الواقع المقيت، وفي ما يشبه نوعاً من التوافق الضمني على استمراره.
لاشك أن الشراكة الإستراتيجية الأميركية - الإسرائيلية، وما ينجم عنها من تحد إسرائيلي سافر للمجتمع الدولي، ومن دعم أميركي لهذا التحدي، يدعمه ضعف الموقف العربي وتهاونه، يدعمه ويغذيه الانقسام الفلسطيني، والمراهنة على العودة إلى المفاوضات في ظل واقع اسمه الاحتلال «الإسرائيلي»، وقيادته الأشد تطرفاً التي باتت على أعتاب إعادة الانتخاب، تضييع للوقت والجهود، إذ إنه لا شريك فعلياً للتسوية، ولا وسيط نزيهاً، ولا ظروف مؤاتية.

متى تذهب السكرة وتجيء الفكرة، متى.. متى .. متى نتوقف عن التغني بإنجازات في ظاهرها كبيرة ولكنها في حقيقتها صغيرة وصغيرة جدا، هل فلسطين بدرجة دولة مراقب دفع معنوي للقضية أم خلق لوقائع جديدة على الأرض؟!!.

وهل الأمر نهاية المطاف بالنسبة إلى النضال الدبلوماسي الفلسطيني أم بداية المخاض؟!!.

الأمر يتوقف على الفلسطينيين أولاً، وما ينوون عمله، وعلى العرب ثانيا وما يستطيعون فعله، لاسيما في ظل إرادة أميركية وأوروبية تذهب إلى أن القرار ألأممي المتضمن الاعتراف بدولة فلسطينية «عضو مراقب في الأمم المتحدة» لا يجب أن يكون مدعاة لتعطيل عملية السلام.. أليس من حقنا أن نتساءل: أين هي تلك العملية، وأين هم العرب؟!!!..
 
*فهد دياب - تشرين