ايران: فن السير بين حبات المطر!

ايران: فن السير بين حبات المطر!
الإثنين ٢١ يناير ٢٠١٣ - ٠٨:٢٨ بتوقيت غرينتش

رغم انه عصر الانكماش والانطواء الامريكي على الذات مقابل عصر المد الاسلامي لاسيما الايراني منه بامتياز! لكنه عصر المواجهة بين المشروعين الامريكي الذي يخسر من نقاط ربحه الكثير مقابل المشروع الايراني الذي تتزايد نقاط ربحه في المنطقة بامتياز اكثر!

وهذا هو ما جعل الامريكي يحار بين التسليم بضرورة قبول قسوة المواجهة مع الايراني وبين التحايل عليها من خلال مد يد التفاوض لها املا في احتوائها!
ومن لا يصدق ذلك فليقرأ تقرير معهد 'المجلس الاطلسي' الامريكي للدراسات والذي اعده رئيسه الدوري تشاك هيغل الوزير المقترح من جانب اوباما لتولي حقيبة الحربية لاسيما تلك الفقرة المتعلقة بايران، فماذا يقول فيها:
' .... لما كان الهجوم الجوي ليس بامكانه وقف البرنامج النووي الايراني على المدى الطويل من جهة والهجوم الذري ايضا امرا ليس غير مقبول من جهة اخرى فان الخيار الجامع بين الردع والتفاوض مع ايران هو الحل الوحيد المتبقي امامنا ..... نعم قد يكون خيار الردع ليس هو الاكمل لكنه افضل من استخدام القوة سواء الذرية منها او غير الذرية لما يمكن ان تتركه من تداعيات كارثية خطيرة على هذه المنطقة النفطية والتي يمكن ان تخرج من السيطرة تماما ..... من جهة اخرى يمكننا القول بان انسحاب القوات الامريكية من العراق وافغانستان يؤكد لنا تلك المقولة الشهيرة لجون اوف كندي بان الشيء الاسوأ من ان تكون عدوا لامريكا هو ان تكون صديقا لها'! يضيف تشاك هيغل مستخلصا:
'اذا كان نوع تعاطي واشنطن مع الصخور الاقتصادية يشكل اشارات او علامات على وقائع المستقبل فاننا نكون قد ابتلينا ببلاء كبير، فلا تخطئوا، لان صخرة ايران يمكن ان تكون خارجة عن امكاناتنا تماما وقد نكون عاجزين عن فعل اي شيء تجاهها'!
تساءلت مع عديدين من اهل الفن كيف تحولت ايران الى صخرة يصعب كسرها او تجاوزها ولا حتى احتواؤها؟!
يقول ديبلوماسي عربي عريق عاصر الثورة الاسلامية في ايران لاكثر من ثلاثة عقود بان ايران التي عرفت بديبلوماسية حياكة السجاد و'ذبح' الخصم بالقطنة كما هو المثل الايراني المعروف، فانها استطاعت في عصر الاسلام السياسي الثوري ان تتقن 'فن السير بين حبات المطر' فن يكاد يخرج واشنطن عن طورها!
ان تتقن فن السير بين حبات المطر يعني ان تكون مع ثوار فلسطين ولبنان الذين يريدون الاطاحة بالكيان الصهيوني وتفكيك كيانه وتدعمهم بالمال والسلاح ايضا لكن ان تبقي في الوقت نفسه على علاقاتك الديبلوماسية مع خصوم هؤلاء الثوار التقليديين على حالها حتى وان كانت من نوع ما كان يعرف بدول 'الاعتدال' العربي المتحالفة مع واشنطن والذين ظلوا يضمرون الشر لايران حتى تهاوت عروش اكبرهم ومنهم من ينتظر!
ان تتقن فن السير بين حبات المطر يعني ان تكون مع حكومات الاسلام السياسي الجديدة في كل من مصر وتونس مثلا وتدعم توجهاتها الفكرية العامة لكنك تقف وبقوة موازية في الوقت نفسه الى رديفاتها من الحركات الشعبية القومية واليسارية المناهضة بقوة لتوجه تلك الحكومات المترددة في تعاطيها مع القوى الكبرى واملاءاتها الهيمنية ذلك لانك ترى فيما يحصل صحوة اسلامية تشمل الجميع وليست حكرا على تلك الحركات الهرمة تنظيميا وسياسيا وفطنة وعزما ويقظة!
ان تتقن فن السير بين حبات المطر يعني ان تكون مع ثورة البحرين المظلومة باعتبارها ثورة شعبية بامتياز رغم كل الوصفات العنصرية والطائفية التي ترمى بها، لكنك لا تقطع 'شعرة معاوية' مع امراء ومشايخ وملوك انظمة وراثية بائدة وهي التي تخاف كل صيحة داخلية اومجاورة باعتبارها هي العدو وتتمنى لها 'الوأد' ما امكن حتى لا تكشف عوراتهم!
ان تتقن فن السير بين حبات المطر يعني ان تكون مع العراق الجديد المتحرر من ربقة الاستبداد والمقابر الجماعية رغم 'لوثته' الامريكية المتدلية من اكبر سفارات الشيطان الاكبر المتمترسة في بلاد الرافدين والتي لا تزال تتآمر على طموحات الشعب العراقي ليل نهار، ذلك انك تعرف انه لو ترك هذا العراق الجديد للحظة لاعادة الذين باعوه في غفلة من الزمن لبني الاصفر الى سابق عهده الديكتاتوري لاسباب كيدية فتنوية باتت معروفة للجميع!
ان تتقن فن السير بين حبات المطر هو ان تعارك الشيطان الاكبر وجها لوجه على قياس العين بالعين والسن بالسن والبادي اظلم في البر كما في البحر كما في الجو، لكنك تتفهم وجهات نظر من خاصمك الرأي وربما اساء اليك عن قصد او غير قصد ممن اساءوا تقدير الموقف من اهل جلدتك او ملتك او اتباع دينك وراهنوا على هذا الشيطان انه قد يكون لهم خير ناصر وخير معين.
واخيرا وليس آخرا ان تتقن فن السير بين حبات المطر هو ان تدافع عن التضامن والتعاضد والتعاون بين المسلمين حكاما وشعوبا وقبائل حتى وانت تعرف ان فيهم من يطعنك في ظهرك في وضح النهار ويخطف زوارك و زوار حلفائك ويتحايل عليك ويتذاكى ظنا منه انك قد تخرج طورك فيورطك فيما لا يحمد عقباه.
 
*محمد صادق الحسيني -القدس العربي