الربيع السعودي .. حتمية تاريخية

الربيع السعودي .. حتمية تاريخية
الإثنين ٢١ يناير ٢٠١٣ - ٠٦:١٨ بتوقيت غرينتش

أن يقول أمير مكة خالد الفيصل متباهيا فخورا أن السعودية قد سبقت الربيع العربي بثم…انين عاما فهذا الخطاب المبسط للأشياء و للمنطق و الحقيقة لن يقنع أحدا ولن يمنع المتظاهرين في كل المدن السعودية من السخط على أوضاعهم و البحث عن حلول لكل مشاكلهم المستعصية و التي لا تختلف كثيرا رغم الطفرة النفطية عن المشاكل والطلبات التي نجدها في كل الدول العربية بلا استثناء .

من ينظر إلى السعودية من الداخل أو الخارج سيلمس حالة إعياء النظام و عدم قدرته على فهم و استيعاب المتغيرات في المنطقة و العالم بل بحثه الدائم على مزيد خنق الحريات و هدر الأموال في حروب خارجية بالوكالة و الاكتفاء بحلول ترقيعية لم تعد صالحة أو قادرة على استيعاب المشاكل المتراكمة في كل المجالات و من يتفهم أن الإعلام قد أصبح يشكل مساحة تلتقي فيها الشعوب و الأفكار بحيث لم تعد الأنظمة قادرة بالفعل على إحباط تسلق العقول العربية جدار الصمت و الخوف و الجهل لمعرفة ما يحدث في العالم ” الآخر” فلا بد له أن ينتهي إلى أن هذا النظام آيل للسقوط مهما قدم من تنازلات تجميلية و مهما قام بعمليات شفط و ترقيع ظرفية .
من يشاهد تلك الأحياء القصديرية في السعودية يظن نفسه في أحد أحياء مانيلا أو بعض الدول الإفريقية الفقيرة و من يسمع عن تريليونات الدولار التي “تهدى” للغرب لجلب معدات حربية لا تنفع و لا تقدر مطلقا على صد أي عدوان حتى و لو كان من قبائل الهوتو الرواندية و من يعرف حقيقة أوضاع حقوق الإنسان و الديمقراطية و الحرية في مملكة آل سعود و من يقارن نسق نمو الاقتصاد و التعليم في المملكة السعودية الغنية و كثير من الدول المتواضعة ماديا سينتهي حتما إلى نتائج مزعجة يمكن اعتبارها سبب كل هذه المظاهرات الشعبية اليومية التي يعتم عليها الإعلام الخليجي عن إضمار بائس خبيث مع أنه يسقط فيها الأبرياء و تداس فيها الكرامة و تنتهك الحريات بشكل فظيع.
يقف المتابعون للأوضاع السعودية و لهذه المظاهرات التي يقمعها الأمن بالحديد و النار في حيرة كبيرة لان زيادة مداخيل الدولة من النفط يتزايد معها عدد الفقراء و بالتبعية عدد العاطلين عن العمل بما يوحى للشعب السعودي أن هناك أخطاء فادحة في التسيير و أخطاء مرعبة في التخطيط فضلا عن حالات فساد و استيلاء على المال العام أصبحت خبزا يوميا تتناوله الصحف العالمية بالنشر و التحليل و كل هذه العوامل كما نعرف هي من تحبط العقول و تؤثر في العلاقة بين الشعب و النظام بحيث يزداد الاحتقان و الغضب يوما بعد يوما ليخلق حالة من العصيان المدني لا يمكن توقع لحظتها و لكن كل الشواهد على الأرض تدفع إليها بالضرورة.
من يتابع تفاعلات المغردين على التويتر و كتابات و تعليقات بعض الإخوة في السعودية رغم كونها تتجنب الصراحة الكاملة لأسباب أمنية معروفة سيجد أن هذه الأنماط الفكرية المختلفة تدرك فعلا حالة انهيار القيم الأخلاقية و انسداد الأفق و سقوط مفهوم الدولة العادلة بل أنها تشير بكثير من الجرأة المغلفة لغويا إلى حالة من الإحباط العام في المجتمع السعودي و إحساس بالغ بكون الأمور لن تتغير نحو الأفضل إلا بواسطة التحركات الشعبية مع إمكانية تعرضها لقمع النظام .
عندما يتعمد النظام السعودي خنق الحريات و عدم التوزيع العادل للثروة و منع الشعب من ممارسة حقوقه المدنية بالشكل القانوني الذي يراه و عندما تنغلق السعودية على نفسها مثلما فعلت عديد الأنظمة الشمولية ألبانيا أنور خوجة مثالا فبالنتيجة سينعدم هواء الحرية و تتعفن الأوضاع و يصير التغيير و نفض الغبار عن الساحة السعودية أمرا حضاريا موضوعيا محتوما.
نعم كما لكل الدول خصوصيات فان للوضع في السعودية خصوصيات بمعنى أن الحراك الشعبي و لئن بدا للبعض بطيئا و متعثرا فان العبرة أن يكون هناك تحرك و بداية وعى كامل بأن الأمور لا يجب أن تستمر على نفس المنوال و أن الشعوب من حقها أن تطالب سلميا بالتغيير في كل الاتجاهات لان استمرار الأحوال ليس قدرا و استمرار النظام الشمولي ليس قدرا و استمرار هيمنة البعض على الأغلبية تحت ذرائع غير منطقية استنبطها خيال الأسرة الحاكمة للبقاء في السلطة إلى أجل غير مسمى في عداء مستفز لمبدأ تداول السلطة هو نهج لا يمكن الاستمرار في قبوله إلى الأبد بحجة عدم الخروج على الحاكم التي يفعلها بعض مشايخ ” الطرب” الفتوى في السعودية و ينطقون بعكسها في دول أخرى و إزاء أحداث أخرى.
أن يجمع أكثر من 60 ألف ناشط سعودي في تفاعلات و تغريدات على التويتر بكون احد المداخل لبناء أركان الدولة السعودية التي يحلمون بها منذ قرون عديدة هو مجلس شورى منتخب من العامة و ليس بإرادة ملكية مغرضة فهذا لوحده يمثل صرخة شعبية ذات دلالات مختلفة تؤكد أن النظام السعودي لم يعرف الربيع العربي كما يقول الأمير خالد الفيصل و لم يفكر فيه أصلا و أن هذه المؤسسات التي يزعم النظام السعودي أنها تمثل الشعب السعودي و تخدمه قد أصبحت بلا معنى بل أن هذا النظام لم يستطع بعد قرون الخروج من الفكر الجاهلي البدائي إلى متطلبات الفكر الحداثى المتحضر و لم يستطع استيعاب أن الشعوب لا تصبر طويلا عن الضيم و الاستبداد و لم يعد بمقدوره مواصلة استغلال بعض المفاهيم الدينية المشوهة في سبيل البقاء في الحكم.
أحياء قصديرية في بلاد الثروات الخرافية ؟ …أين حمرة الخجل … لماذا يتحدث النظام عن مشاكل الآخرين و فيه من المشاكل ما ستعجز عنه حكومته الفاسدة لآلاف السنين أم أن الجمل لا يرى حدبته و هذا موضوع آخر.
*أحمد الحباسي - سيريان تلغراف