في ذكرى رحيل ام المؤمنين خديجة الكبرى

في ذكرى رحيل ام المؤمنين خديجة الكبرى
الجمعة ١٩ يوليو ٢٠١٣ - ٠٤:٠٣ بتوقيت غرينتش

شهد تاريخ الرسالة الاسلامية نساءً مؤمنات وقفن إلی جانب الدعوة الالهية في بداياتها يبذلن الغالي والرخيص من أجل کلمة اللّه عزوجل في الأرض، حتی ارتفعت بعضهن إلی مواقع لم ينلها ملايين الرجال من أمثال: خديجة بنت خويلد، وسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء(عليها السلام)، وأم سلمة، وزينب بنت علي، وغيرهن من بنات الرسالة ..

وفي مناسبة رحيل ام المؤمنين خديجة الكبرى نتطرق الى بعض جوانب من سيرة هذه  السيدة الخالدة، لتکون نموذجاً يحتذی من قبل المسلمات في کل عصر وجيل، وقدوة للمؤمنات الحاملات للحق، الباذلات للمعروف والحافظات لحدود اللّه..
احتلت خديجة زوجة النبي (صلی الله عليه وآله) الذروة من قريش في نسبها وشرفها، فهي من القوادم في کيان قريش لا من أذنابها.
وکانت من عقائل قريش وسيدة نساء مکة، وهي تلتقي برسول اللّه محمد بن عبداللّه(صلی الله عليه وآله) من جهة أبيها بالجد الأعلی الشريف «قصي» ومن جهة أمها بلؤي بن غالب، فهی قرشية أباً وأماً، ومن الشجرة الطيبة في قريش.
ومنذ مطلع حياة السيدة خديجة کانت قريش تتوسم فيها النبل والطهر وسمو الأخلاق حتی لقبت بالطاهرة، کما لقبت بسيدة قريش بالنظر لعلو شأنها، وشرف منبتها وکرم أصلها، وحميد أفعالها.
الأمر الذي يفسر السر المکنون بامتناع خديجة من الاقتران بأي أحد من قريش حتی توفرت ظروف اقترانها برسول اللّه (صلی الله علیه وآله)، رغم ما بذل عليه قومها من محاولات لزواجها، إلاّ انها کانت ترفضهم جميعاً منتظرة أمراً ما سيحدث في حياتها، فيکمل شوط مسيرتها نحو الکمال الذي اختاره اللّه عزوجل والذي عبَّر عنه النبي الصادق الأمين(صلی الله عليه وآله) بقوله: «حسبك من نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون، وخديجة بن خويلد وفاطمة بنت محمد».
ومما تجدر الاشارة إليه، ان هذه المرأة الجليلة قد ولدت قبل عام الفيل ببضع سنوات وتزوجها رسول اللّه(صلی الله عليه وآله) وعمرها ثمان وعشرون سنة کما روي ابن عباس(رحمه الله) وان کان زواجها في غير هذا السن هو الذي اشتهر خطأ.
وهي أول امرأة أسلمت للّه رب العالمين، وصدّقت برسالة محمد(صلی الله عليه وآله)، وتوفيت في العاشر من شهر رمضان، قبل الهجرة الى المدينة المنورة بثلاث سنين.
کانت السيدة خديجة رغم نبلها وشرفها ومکانتها في الناس وسيادتها في بنی أسد ونساء قريش وهي صفات کفيلة لوحدها لأن تؤهلها للرعاية والمحبة والرضا من لدن رسول اللّه(صلی الله عليه وآله)، إلاّ انها فوق ذلك، قد وهبت کل وجودها للّه ورسوله ودعوة الحق التي صدع بها.
فقد وهبت رسول اللّه(صلی الله عليه وآله) کل أموالها ليغطي بها نفقات الدعوة والدعاة المستضعفين.
ولقد عاصرت أشد الظروف قسوة فما نالت من قناتها أبداً، وتحدت أصعب الازمات وأکثر المواقف عسراً، وصبرت علی الأذی في جنب اللّه عزوجل، وسمت بذلك علی نعيمها الدنيوي السابق، ورکلت اخضرار العيش الذي اعتادته برجليها لتعيش مع النبي(صلی الله عليه وآله) محنته وآلامه التي صبّتها عليه قريش وحلفاؤها وظلت طوال عشر سنين من المحنة تبث الأمل في قلب الرسول(صلی الله عليه وآله)، وتشد من أزره، وتقوي من عزيمته علی مواصلة المسير، وقد کانت أعظم مواقفها الجهادية في تحديها لمحنة حصار شِعب أبي طالب الذي فرض علی بني هاشم من قبل قريش وحلفائها.
فقد کان لمواقف السيدة خديجة المعروفة لإضعاف قبضة الحصار أثرها الواضح المخلد في التخفيف من أضرار حصار المشرکين علی الدعوة وأنصارها.
ولقد عاشت السيدة خديجة (عليها السلام) تحت کنف النبي(صلی الله عليه وآله) خمسة وعشرين عاماً، لم يجد منها غير الاکرام والمحبة والصفاء والطاعة وعرفان الجميل، فبادلها وداً بود ووفاء بوفاء، فلم يتزوج عليها حتی توفيت.
لقد کان يذکرها جهاراً، حتی انه لا يمل من کثرة ذکرها والثناء عليها، ويترحم عليها ، ويبکي لفراقها، حتی غارت منها بعض نسائه وامتلأت منها حسداً وهي في قبرها.
نعم .. انها تمثل قمة في النساء قطعاً لم تسبقها غير فاطمة ابنتها في هذه الأمة المرحومة، فسلام عليها في ذكرى رحيلها.. وسلام عليها في الخالدين.