جبهة المعتدين على سوريا تتصدع ...

جبهة المعتدين على سوريا تتصدع ...
الإثنين ١٦ ديسمبر ٢٠١٣ - ٠٣:٣٤ بتوقيت غرينتش

عندما تم التخطيط للعدوان على سورية ، و حشدت له القوى و الامكانات تصور المخطط ان ما حشده لعدوانه قادر على تحقيق الاهداف المتوخاة بسرعة قياسية لا تتجاوز الاشهر الستة ، و لاجل ذلك راح كل فريق او طرف انضوى في جبهة العدوان يحلم بحصته من الكعكعة بعد سقوط هذا محور المقاومة بشكل متتالي .

 فهذا يحدد لنفسه و دولته فضاءا استراتيجيا يشمل المنطقة كلها و هذا يمني النفس بحكم بلده منفردا بعد تهميش الاخرين و ابعادهم و ذينك يتصور بان الطريق ستفتح له لاقامة امبراطوريته الكونية .. اما الصغار ممن تظللوا تحت خيمة واهية اسمها المعارضة السورية فقد حلموا بسلطة و مال و نفوذ ينقاد اليهم و يحملهم للتربع على كراسي الحكم في سورية رضي الشعب في ذلك ام رفض .

لكن الميدان اظهر  البراعة السورية في ادارة المعركة الدفاعية التي خاضتها سورية  و معها المكونات الاصلية لمحور المقاومة و ظهرت احلام المعتدين واهية  غير قابلة للتحقيق . و كانت المواجهة الدفاعية تسير بثبات وفقا لخطة و استراتيجية واعية تتقبل تحمل بعض الخسائر من اجل تجنب الوقوع في الافخاخ التي تنصب بخبث من قبل المعتدين، استراتيجية تجنبت نشر الجيش و تشتيته  ، و تجنبت الخوض في معارك كبرى دون ان يكون الافق مكشوفا و تجنبت تغليب الاهتمام بالحجر و بالنيان على الاهتمام بالمجتمع و الانسان و تجنبت الانزلاق الى الكمائن السياسية و العسكرية و الاقتصادية التي نصبت للدولة و التي تقود لانهيارها الاكيد و السريع كما يتمنى المعتدون .

لقد تمكنت سورية مع ادارتها الناجحة لمعركتها الدفاعية ان تحتفظ بجيشها متماسكا رغم سقوط بعض عناصره و فرارهم خيانة لقسمهم ، و تمكنت من الاحتفاظ بمكانتها الدولية كدولة قائمة لا يتزعزع الاعتراف بها  تحتل مقعدها بجدارة في الامم المتحدة و تثبت مدى كفاءتها في شغل ذلك ، و تحتفظ بجسم دبلوماسي متماسك دون ان تسقط من عقده حبة مهما صغرت ، و لم تتأثر هذه المكانة الدولية من قريب او بعيد بالقرارات التي صدرت عما يسمى " الجامعة العربية"  بتعليق عضوية سورية فيها ، اذ ان التي تضررت  من هذه القرارات هي الجامعة نفسها دون ان تتضرر سورية ، و حافظت الحكومة السورية على مرجعيتها الحصرية في ادارة البلاد و لم تؤثر في صدقية هذه المرجعية قيام بعض الجماعات المسلحة و الارهابية بالدخول الى هذه المنطقة او تلك و افساد امنها و زعزعة استقرارها ، فتلك الجماعات لم تستطع ان تقيم منظومة سيطرة سياسية و ادارية تنازع الدولة في شرعيتها .

و انطلاقا من هذه الحقيقة التي تؤكد قوة سورية بذاتها جاءت  القوة الاضافية التي شكلها  محور المقاومة عندما   التف على سورية الدولة الثابتة في تماسكها و مظهرها كدولة مؤهلة للبقاء و الاستمرار و خاض معها معركتها الدفاعية التي اعتبرها معركة المحور كله . و كان تماسك هذ المحور حول سورية و معها يشتد كلما كان تقدم في المعركة الدفاعية ، و استطاع بذلك ان يصمد اولا بوجه موجات العدوان المتلاحقة و التي اتت  في معظمها من الخارج ، ثم يحتوي هذا العدوان في مرحلة ثانية ،  ثم ينتقل الى الدفاع بالاسلوب الهجومي الاقتحامي في المرحلة الثالثة التي بدأت منذ نيف و ثمانة اشهر و التي لا زالت مستمرة تحقق النجاحات التراكمية بشكل يقطع باخفاق العدوان و فشله في تحقيق اهدافه التي من اجلها انطلق منذ 3 سنوات .

في ظل هذا المشهد الذي يظهر تماسكا و نجاحا على جبهة الدفاع ، بدأت ارهاصات الهزيمة و التصدع تظهر على جبهة المعتدين ، و سجل في في هذا السياق تراجع و انهيار على اكثر من صعيد و تحت اكثر من عنوان .

فعلى صعيد منظومة ما اسمي ب"اصدقاء الشعب السوري " و هي التسمية التي اطلقت على تجمع الدول التي انخرطت في العدوان على سورية ، نجد ان عدد هذه الدول تراجع من 133 دولة و هو العدد الذي بلغه في اجتماع المغرب قبل سنتين ، الى ثمانية فقط هم الذين التقوا في الاجتماع الاخير و فيهم الدول الاساسية التي تقاتل بمالها و اعلامها فضلا عن جنودها في سورية .

وعلى صعيد الانخراط المباشر في مواجهة محور المقاومة و العداء الاستفزازي لمكوناته ، يسجل تراجع بشكل جذري و واضح . و هنا نذكر كيف تصاعدت العقوبات الدولية ضد ايران خلال السنوات الثلاث الاخيرة بحجة الملف النووي ، و كيف ادرج ما اسمي الجناح العسكري لحزب الله على لائحة الارهاب للاتحاد الاروبي ، اما الان فان اتجاه الامور يتغير عكسيا حيث نجد كيف اعترف العالم بحق ايران بالتقنية النووية و استعداده للتراجع التدريجي عن العقوبات المفروضة بحقها و كيف يسعى الاروبيون بطرق صريحة او ملتوية لترميم جسور العلاقة مع حزب الله و تناسي ما فعلوه بحقه .

اما الاهم من كل ما ذكرنا فنراه في سلوك بعض الدول الاقليمية التي كانت راس حربة في العدوان على سورية . و ياتي في طليعة ذلك تركيا التي ايقنت ان طموحها بامبراطورية اخوانية و الذي قادها الى انتهاج تلك السياسة  العدائية ضد سورية و محور المقاومة هو طموح عقيم و و ان الاستمرار في االمراهنة عليه امر خطير بعد سقوط الاخوان في مصر ، ثم ان  التحولات التي يشهدها الاقليم باتت تنذر بابشع العواقب لها . لكل ذلك و حتى تقي نفسها شر اعمالها او بعضها انقلب التركي الاردغاني على مواقفه السابقة و ذهب الى ايران و العراق و ابدى الاستعداد للانسحاب الكلي من العدوان على سورية ، حتى و استعداده لاعادة العلاقة مع الدولة السورية – اذا رضيت حكومتها بذلك . و يضاف الى تركيا قطر شريكها في القيادة الاخوانية ، حيث نجدها اليوم تبحث عن طرق و معارج تخرجها من ماضيها الاسود و تعيدها الى علاقة مقبولة ما مع سورية  . ثم نجد دولة الامارات التي ذهب وزير خارجيتها الى ايران مبديا الاستعداد لصفحة علاقات جديدة معها و مع حلفائها طبعا . ثم لا يغيب عن البال رسائل عربية مباشرة او غير مباشرة توجه الى سورية او حلفائها و كلها تؤكد على الاستعداد لاعادة العلاقة الى طبيغتهها و التنصل من مفاعيل القرارات الاخوانية – الوهابية الاي صدرت على ما اسمي جامعة عربية .

و الى هذا التصدع السياسي ، او نتيجة له نجد ايضا ما هو ادهى و امر منه  في الميدان من تصدع و تفكك و تناحر بين الجماعات المسلحة بشكل يؤكد بان قوى هذا واقعها هي قوى عاجزة عن تحقيق اي انجاز ميداني مستقر ، و اذا مكنها ظرف ما من احداث خرق في اتجاه او مكان معين فان  هذا الانجاز سرعان ما ينهار و ينقلب المشهد ضد هؤلاء كما حصل و يحصل في اكثر من منطقة سواء في ريف دمشق بغوطاته و منطقة القلمون  او في حمص و ريفها او ادلب و حلب و ريفهما حيث يتقدم الجيش العربي السوري و القوات الرديفة بقدم واثقة ثابتة تراكم الانجازات الميدانية التي يبنى عليها و تؤشر الى الاتجاه النهائي العام للمواجهات .

اذن نجد و بكل وضوح مقابل تماسك جبهة الدفاع و قوتها ، تفكك  جبهة العدوان على سورية بكل وجوهها ، و بهذا انقلبت الحرب الكونية التي شنت عليها منذ 3 سنوات لتنحصر اليوم  و تبدو  و كانها حرب سعودية – سورية على الارض السورية ، تزج فيها السعودية كبار ضباطها و تحشد لها كل ما يتاح لها في هذا المجال، دون ان تجد  حرجا في عقد حلف مع اسرائيل لتكون شريكتها المباشرة في العدوان ، و ان تستعمل في تنفيذه الاردن و لبنان كجسرين رئيسين للوصول الى الداخل السوري , وان تشعل الشمال اللبناني خدمة لهذا العدوان و لكن هنا قد يتساءل العاقل قائلا :"اذا فشلت الحرب الكونية على سورية عن تحقيق اهدافها فهل تستطيع السعودية وحدها (مع دعم اسرائيلي) تحقيق ذلك "؟

ردا على هذا التساؤل نقول اذا  كان عقل في مكان ما لدى المسؤولين السعوديين ، فعليهم استخلاص العبر و الاجابة بالنفي  و وقف العدوان و التوقف عن سفك الدماء من غير طائل و دون امل بالنجاح ، اما في غياب العقلانية فسيكون استمرار للعمل العدواني الانتحاري الذي لن يحقق للسعودية شيئا من اهدافها و سيرتد عليها مهما جهدت بعد ذلك لتلافي عواقبه .و تبقى سورية مضطرة لاستكمال ما حققت من نجاحات في الميدان علما بان هزيمة العدوان باتت امراً  لا يناقش فيه اثنان من العقلاء...اما جنيف فانتظاره قد يطول .. بعض الشيء .

*امين محمد حطيط