التحريض اللبناني والحرب على حزب الله

التحريض اللبناني والحرب على حزب الله
الإثنين ٠٦ يناير ٢٠١٤ - ٠٤:٤٨ بتوقيت غرينتش

بداية الأحداث في سوريا، تحادثت مع أحد المراقبين للشأن السوري عن كثب. كان سؤالي الأهم عن سبب انفجار المقولات الطائفية، وتحول الثورة بسرعة إلى نزاع طائفي. لم يُعرف عن سوريا هذا المناخ العدائي الحاد والمتفاقم على أساس مذهبي. كيف تم إعادة إنتاج وإحياء هذه الأحقاد النائمة.

كان جوابه نابعاً من معايشته للمدن والأرياف السورية، إنه تحريض المشايخ ذوي الخلفية الوهابية والتمويل السعودي في المساجد والمجالس الدينية المختلفة، التحريض المستند إلى نقطتين أساسيتين : أحداث العراق بعد الإحتلال الأمريكي، واغتيال رفيق الحريري في لبنان.

همنا الأساس لبنان، التحريض بناءً على اغتيال الحريري هو تحريض ضد القاتل المضمر في الوعي الجماعي : النظام السوري وحزب الله. قدمت قوى 14 آذار مادة أساسية لميكانيزم الحراك الوهابي : التحريض، الدافع. الحركة الوهابية تقوم على ميكانيزم من خمسة عناصر : تصدير، تحريض، تمويل، اختراق، توظيف. قدمت القوى اللبنانية بشكل أساسي مادة التحريض من عام 2005، ولاحقاً التمويل في بعض المجالات. كان مطلوباً بشكل أوسع وأكثر فعالية تطوير صور ومفاهيم وشعارات تحريضية طائفية وسياسية ضد المقاومة في لبنان بعد عام 2006، ضمن مشروع فيلتمان وبدعم مالي أمريكي سعودي قطري.

الحاجة للتحريض الطائفي ناشئة من عدم إمكانية بناء خطاب محرك للجمهور. مقاومة مشروعة تحمل خطاباً جامعاً وحدوياً، والطرف الآخر بحاجة لخطاب ينتج قوة قتالية تحارب المقاومة وتقدم الدم لأجل ذلك. استفادت هذه القوى من دم رفيق الحريري لتشريع تقديم الدم في الحرب على حزب الله. استثمر هذا التحريض بشكل ينم عن فشل بنيوي عام 2008.

مشايخ الوهابية في سوريا وجدوا مادة دسمة للقيام بالدور الموكل إليهم. حزب الله الشيعي قتل الرمز السني الكبير رفيق الحريري. أصبح هناك دافع لمحاربة المقاومة، للدفاع عن النفس، دافع عبرت عنه فصائل واتجاهات مختلفة في الثورة منذ أسبوعها الأول.

تصور الثوار أن التوجه إلى لبنان واقتلاع حزب الله سيكون أمراً قريب المنال. سيسقط النظام خلال شهور قليلة وستتفرغ قوى الثورة للهجوم على المقاومة. استسهلوا تهديد ووعيد حزب الله. صمد النظام، استمرت الحرب واستمر التهديد، رغم عجز الميكانيزم الوهابي عن صناعة الإنتصار.

تدخل حزب الله في سوريا في محاولة لمنع تحولها إلى قاعدة وهابية متكاملة وجاهزة للإنقضاض على لبنان ومقاومته، ورغم تفاوت تقديرات الخصوم والحلفاء حول مدى الدور الذي لعبه في إفشال المشروع الوهابي هناك، لكن المتفق عليه أن أحد الأسباب الهامة للصمود السوري. أياً يكن هذا الدور، قررت جبهة النصرة وداعش وقبلهما كتائب عبد الله عزام شن الحرب على المقاومة على الأراضي اللبنانية.

لنتصور أن قوى الثورة المختلفة، في بداية العدوان الأمريكي السعودي على سوريا، في توحدها وعديدها الكبير قبل أن تخسر خمسين ألف مقاتل، وتضافر التمويل السعودي والقطري قبل انسحاب قطر، والدعم الغربي المطلق، وانفتاح الشهية التركية لتوفير التسهيلات اللوجستية الضخمة قبل انحسار الدول التركي، وكذلك التأييد الشعبي العربي والعالمي للثورة قبل أن تتضح صورتها الأخلاقية للجميع، لنتصرو كل هذا مضافاً إلى العوامل المعنوية من زخم الثورة واندفاعها ومعنوياتها وآمالها التي كانت في أوجها.

من ناحية أخرى، لنفترض أن حزب الله لم يشارك في هذه الحرب، ولم تستفز شعوره بالخطر الحشود التي كانت تتهيأ في مدينة القصير وريفها، ولم يدخل إلى الجغرافيا السورية التي أصبحت المعبر المفضل لمشروع الإطباق على المقاومة .. لنتصور كل ما سبق ونفترض نجاح الثورة وسقوط النظام، وانهيار جدار المواجهة معها.

ستتحول تلك الجغرافيا إلى قاعدة وهابية.. كيف سيكون لبنان بمناطقه المسيحية والشيعية وحتى السنية المعتدلة. كان سيتم دمج لبنان بالدولة السورية الوهابية والإجهاز على المقاومة أو على الأقل استنزافها في عقر دارها بشكل يلغي دورها ومستقبلها.

القوى اللبنانية التي تنتقد تدخل حزب الله في سوريا، هي شريكة إذن ومساهم رئيسي في تحويل المجهود الحربي الوهابي للثورة ضد حزب الله، وهي تقع في المنظومة التي فرضت على المقاومة الدفاع عن نفسها والدفاع عن لبنان الكيان، من خلال المشاركة المباشرة في المعركة الدائرة على الأرض السورية.

*هادي قبيسي -العهد