المعركة واحدة من الأنبار إلى لبنان: التكفيريون هم العدو

المعركة واحدة من الأنبار إلى لبنان: التكفيريون هم العدو
الإثنين ٠٦ يناير ٢٠١٤ - ٠٥:٠٧ بتوقيت غرينتش

هل ثمة ما يربط من ناحية سياسية بين ارتفاع وتيرة الكلام عن حسم رئيس الجمهورية قراره لجهة تشكيل حكومة أمر واقع، واستئناف موجة التفجيرات التي كان آخرها اغتيال الوزير السابق محمد شطح، والتفجير الانتحاري ـ كما يرجح ـ في منطقة حارة حريك في الضاحية الجنوبية، يضاف إليها إطلاق صواريخ على كريات شمونة من الجنوب اللبناني؟

 وهل لكل ما يجري صلة بجملة من الاستحقاقات الخارجية، بدءاً من المفاوضات الخاصة بالملف النووي ـ الإيراني بحثاً عن اتفاق نهائي، ومؤتمر جنيف 2 لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية، وأيضاً بقرب موعد إطلاق عمل المحكمة الدولية الناظرة في عملية اغتيال الحريري الأب، وما بينهما من تطورات أمنية في العراق خصوصاً العمليات العسكرية في محافظة الأنبار لتصفية معاقل التكفيريين التابعين لجبهة النصرة وتنظيم "داعش"؟

إن إجابة منطقية وموضوعية عن هذه الأسئلة، تتطلب ملاحظة الآتي:

أولاً: ثمة واقع جيو سياسي واستراتيجي مترابط يشمل اليوم كلاًّ من لبنان وسوريا والعراق، ما يقيم تفاعلاً وتواصلاً عميقاً بين المسارات العامة والخاصة لهذه البلدان.

ثانياً: إن الأطراف المتصارعة في هذه البلدان تحديداً هي واحدة أو تكاد، إلا أن أبرزها اليوم هو النظام السعودي بكل أدواته الإرهابية وحلفائه إقليمياً ودولياً، في مقابل محور المقاومة والممانعة ممثلاً على نحو رئيسي بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، وحكومة المالكي، والنظام السوري، وحزب الله.

ثالثاً: إن النظام السعودي يخوض في هذه البلدان ما يعتبره معركة مصير أو وجود، فهو لم يستطع تحمل التحولات التي جرت في العراق عقب الاحتلال الأميركي ومن ثم خروجه منه، ولذا يشن حملة تفجيرات تطال الأبرياء لضرب العملية السياسية للواقع الجديد من المدخل الأمني، وبما يفتح الطريق أمامه ـ على الأقل ـ لفرض توازنات جديدة تحوله إلى شريك رئيسي في العراق. وفي هذا السياق جاءت العملية العسكرية الواسعة للجيش العراقي في الأنبار لاحتواء موجة التفجيرات، ولإعادة الاستقرار الأمني الضروري كرافعة للعملية السياسية لا سيما وأن العراق على أبواب إجراء انتخابات نيابية في نيسان المقبل، ثم إن جغرافيا المعارك لها تأثير مباشر على دور هذه المجموعات التكفيرية في سورية لا سيما في منطقة دير الزور المتصلة بها، وبالتالي لا يمكن فصل ما يجري في الأنبار عن مسار المعارك الدائرة في سوريا.

رابعاً: لقد نجح النظام في سوريا في إفشال كل المحاولات البندرية التي جرت مؤخراً لإحداث تعديل في توازنات القوة الميدانية لمصلحة النظام السعودي، وأكثر من ذلك، فإن مسار الأمور سواء في الغوطتين، أو في منطقة القلمون، وكذلك في حلب، تؤشر على المزيد من الانجازات النوعية لمصلحة النظام.

كل ذلك يحدث في الوقت الذي يجري الإعداد فيه لمؤتمر جنيف ـ 2، وفي الوقت الذي يكاد يحسم عنوان المؤتمر لمصلحة مكافحة الإرهاب.

هذا في الوقت الذي ما زالت المعارضة السورية تتخبط ومعها مصنعوها، كما تعاني المجموعات المسلحة من صراع أجندات حاد.

خامساً: لا يستطيع النظام السعودي إلا أن ينظر بعين القلق لمجرى تطور العلاقات الغربية مع إيران على وقع المفاوضات الخاصة بإنجاز اتفاق نهائي لملفها النووي، سواء لجهة تكريسها كدولة نووية، أم لجهة الاعتراف بموقعها ودورها الإقليمي.

ويدرك النظام السعودي مدى حجم وسعة وتنوع ما تملكه إيران من أوراق قوية، تمكنها من أن تكون في موقع تفاوضي قوي، يعزز من مكانتها الإقليمية والدولية، لا سيما وأن الحاجة الأميركية إليها كبيرة في أكثر من ملف ومنطقة.

سادساً: يشكل هذا النطاق الاستراتيجي والجيو ـ سياسي الكبير مدخلاً ضرورياً لفهم ما يجري في لبنان في هذه المرحلة، خصوصاً فهم الدور السعودي فيه:

أ ـ تتعامل الرياض مع لبنان كجزء لا يتجزأ من تعاملها مع الأزمة السورية، وهي ـ بالتالي ـ تعتبر لبنان ساحة مواجهة مع أعدائها السياسيين: أي إيران والنظام السوري وحزب الله. بناءً عليه، فهي تخوض حرباً متنوعة العناوين، لكن موحدة الهدف: هناك الحرب الإعلامية، والسياسية، والأمنية، وحتى الاقتصادية، أما الحرب الإعلامية والسياسية فهي موكلة إلى فريق الرابع عشر من آذار وعلى رأسه تيار المستقبل يضاف إليهم مؤخراً رئيس الجمهورية، وأما الأمنية فموكلة إلى الجهاز الأمني التابع لهذا الفريق، وإلى المجموعات التكفيرية التي يوفر لها تيار المستقبل وحلفاؤه في الرابع عشر من آذار، البيئة السياسية والإعلامية للعمل والنمو، كما يوفر لها التغطية اللازمة، والإمدادات اللوجستية الضرورية، والملاذ الآمن.

في إطار هذه المواجهات تأتي عمليات التفجير والاغتيالات الأمنية والسياسية بغية الإمعان في تعميق الانقسام الداخلي، وإلحاق لبنان بالحرب المذهبية المفتوحة التي يتوسلها النظام السعودي في المنطقة كآخر ورقة له، وكتعبير عن يأسه، وكذلك إلحاق لبنان بحال الفوضى الشاملة التي تعم المنطقة اليوم، باعتبارها البيئة المثالية لعمل المجموعات التكفيرية. وفي هذا الإطار، تأتي الأوامر السعودية لفرض حكومة أمر واقع لمصلحة فريق 14 آذار، وبما يؤسس لنقل لبنان إلى الموقع المناوئ لمحور المقاومة، وليست المنحة السعودية ـ الفرنسية للجيش، إلا رسالة في هذا الاتجاه، وإن كانت رسالة خائبة. وليس بعيداً عن ذلك تحريك ورقة المحكمة الدولية في هذا التوقيت بالذات.

خلاصة القول، يعمل النظام السعودي على الرفع من درجة إقحام لبنان في معادلة الصراع الدائرة في المنطقة، وهو صراع باتت أهدافه القريبة والبعيدة معروفة، وبالتالي فإن أي محاولة للتقليل من شأن أي خطوة سياسية بمستوى تأليف حكومة أمر واقع وبذرائع واهية، هي محاولة للتضليل ولذر الرماد في العيون لحجب موقع هذه الخطوة في المعركة الدائرة في المنطقة. وعلى من يعمل على هكذا أمر أن يراجع حساباته سريعاً، لأنه لن ينظر إليها إلا بوصفها خطوة عدائية لأكثر من نصف الشعب اللبناني.

* مصطفى الحاج علي - العهد