ويبدو أن ما ارتدادات الانفتاح الايراني على واشنطن والدول الغربية تحولت إلى أمر واقع نقل تنظيم “القاعدة” والأجنحة التابعة له إلى عين العاصفة الاقليمية وحوله إلى هدف عسكري مباشر لخصومه العقائديين والسياسيين، بيد أن الدبلوماسية الشرقية رصدت عدد من المؤشرات الواضحة تعزز هذا الإعتقاد تبلورت لحظة تنفيذ الهجمات الانتحارية في فولغوغراد الروسية وأبرزها:
أولاً: انطلاق المعارك بين الجناح العسكري لـ”القاعدة” أي ” داعش” من جهة والتنظيمات المناوئة لها في شمال سوريا من جهة ثانية، وهي معارك يمكن التأسيس عليها لمحاصرة “الداعشيين” في ظل علامات استفهام كبيرة على غرار الجهات التي مولت خصوم “القاعدة” وسلحتها وحضرتها للحظة الصفر وأعطتها الضوء الأخضر لشن هجمات الغائية بحسب التعبير، مع الاشارة إلى أن الانجازات الميدانية المحققة من قبل هؤلاء ليست بالعابرة، بل تدفع إلى طرح اسئلة استطرادية على غرار هوية الجهات التي زودتهم بالمعلومات والخطط الكفيلة بتحقيق هذه النتائج، وما اذا كان الجيش السوري قد لعب دوراً في هذا السياق وماهيته وأهدافه.
ثانياً: التزامن المطلق بين معارك الشمال السوري الإلغائية واعلان الجيش العراقي عن معركة تحرير الأنبار المتاخمة للحدود مع سوريا، انطلاقاً من الفلوجة والرمادي، مع الاشارة إلى أن اقفال الممر الواصل بين العراق وسوريا يشكل هدفاً استراتيجياً في الحرب التي أعلنتها واشنطن على تجفيف معابر الارهاب من خلال قطع طرق الإمداد وتقسيم مناطق تواجد “القاعدة” إلى مربعات أمنية منفصلة تسهل محاصرتها والقضاء عليها في حال دعت الحاجة إلى ذلك.
ثالثاً: المصالحات الجارية على قدم وساق في الريف الدمشقي بين “الجيش الحر” والنظام، وهي أدت إلى تعزيز الطوق الأمني الذي يفرضه الجيش السوري على العاصمة، كما تشكل عنصراً هاماً في تحقيق الهدف الاستراتيجي الثاني، وهو قطع طريق الإمداد المتصلة بالأردن، والتي يستخدمها الأصوليون لتعزيز قدراتهم القتالية ومد جبهاتهم بالمزيد من العديد والعتاد، وبالتالي الإنتهاء من معركة دمشق في موازاة سياسة القضم العسكري والميداني الذي ينفذه الجيش السوري في القلمون، بحيث تؤكد المعلومات الواردة من هناك أن الجيش النظامي واللجان الشعبية نجحت في اقفال أكثر من ستين بالمئة من معابر التهريب المتصلة بلبنان، مع الاشارة إلى أن هذه العوامل مجتمعة قد تساعد بشكل جذري النظام على حشد قدراته القتالية لمعركة حلب، التي ستؤدي بدورها إلى اقفال الحدود البرية مع تركيا لتجفيف منابع الارهاب وفق التعبير الأميركي.
رابعاً: الضغط على السعودية من خلال سياسة الترهيب والترغيب أو العصا والجزرة، فالجبهة المقابلة للملكة تعمل على ضرب التنظيمات العاملة بامرتها في سوريا والعراق عسكرياً، في وقت تعمد الادارة الأميركية إلى فتح قنوات اتصال أدت إلى تليين الموقف السعودي تجاه لبنان أولاً، ولناحية المشاركة في مؤتمر جنيف 2 من جهة ثانية، وهذه كلها عوامل متصلة ومترابطة خصوصاً أن المنطقة برمتها انتظمت في محورين لا ثالث لهما، وبالتالي فإن المفاوضات والمؤتمر برمته سيتمحور حول مشروعين من المؤكد أن الكلمة الفصل بينهما ستكون لمصلحة التوافق الأميركي الروسي.
* أنطوان الحايك - النشرة