مدرسة رمضان ؛ العبادة

مدرسة رمضان ؛  العبادة
الأحد ٠٦ يوليو ٢٠١٤ - ٠٤:٤٦ بتوقيت غرينتش

ما تعلّمنا هذه المدرسة الروحانیة

مدرسة رمضان

العبادة

رمضان كريم

إن العبادة في بعض مراتبها ليست أمراً دينياً فرضه اللَّه والدين بشكل عام أو الإسلام بشكل خاص، وإنما حالة تكوينية تعيشها كل المخلوقات ومنها الإنسان ولا يخلو منها أحد.

فالإنسان أولاً هو خاضع لنظام الخلق شاء أم أبى ولا يستطيع أن يتجاوز هذا النظام وهذه السنة الإلهية الكونية المسيطرة على الوجود بجميع نواحيه، وعلى جميع الموجودات من الملائكة والبشر والحيوانات والنبات والجماد، ولا فرق في ذلك بين البشر وغيرهم والمؤمن باللَّه وغيره.

لذلك وبهذا المعنى الذي هو أحد معاني العبادة لا يستطيع الإنسان أن يخرج نفسه من حد العبادة لواضع هذا النظام في سلوك الأسباب الموضوعة في هذا الكون للوصول إلى الغايات، وإلا فإنه لن يصل إليها، لذلك يجد نفسه مضطراً بل مجبراً على السير في طريقها. من هنا فإن الإنسان عندما يريد أن يصعد إلى مكانٍ عالٍ أو ينزل إلى مكانٍ دانٍ فإنه سيستخدم الوسيلة التي توصله إلى غايته في كل الطريقين، كذلك إذا أراد أن يحصل على الحرارة أو البرودة، فإنه سيجد أسباباً خاصة توصل إلى أحدهما غير الأسباب التي توصل إلى الآخر، ولا بد أن يسلك لكل غاية سبيلها ويؤمن لها أسبابها.

إذن نحن مخلوقون لهذا الخالق وعليه نحن مملوكون لهذا الرب ولذلك فنحن عبيد له، فهو يملك منا ومن أنفسنا ما لا نملكه من هذه الأنفس من وجودها وموتها وحياتها وكثير من الشؤون التي تعطينا الحياة واستمراريتها في عالم المادة والشهادة أو في عالم الغيب والملكوت. ما لا يعد ولا يحصى بل لا يستطيع تصوره أحد.

إن الخالق هو المالك للعبد والذي بيده وجوده وعدمه، فهو الذي أحدثه وخلقه من العدم وأعطاه الوجود لذلك سيكون هو المستعبد له مهما علت مكانته وقدرته وسلطته فكل من ادعى ربوبية في عالم الخلق هو مستعبد للَّه عزَّ وجلّ لأنه لا يملك من الأسباب إلا ما ملكه الرب العظيم رب الأرباب العزيز.

العبودية سنة اجتماعية

رمضان كريم

إن هذه العبودية لن يخرج منها الإنسان مهما جهد، فإنه وإن ترك عبادة اللَّه عزَّ وجلّ والخضوع له، لكنه فضلاً عن كونه لن يستطيع أن يخرج من تحت سلطة الأسباب التكوينية، فإنه كذلك لن يستطيع أن يخرج من عبادة غير اللَّه من البشر، فإن معنى العبادة الذي سيأتي الكلام عنه يصدق على كل إنسان حتى من لا يعبد اللَّه، فإنه يكون عبداً للدنيا، أو للأمير والسلطان، أو لشهوات نفسه.

فالإنسان إذن عبد وإنما هو يتقلب بين معبودين وأرباب مختلفين ويتخير بينهم، وبتعبير آخر هو مضطر في موضوع العبادة وهو قانون لا يشذ فيه أحد من البشر، لأن الإنسان في حياته يختار طريقه وقانونا يعيش على أساسها تحكم شؤونه وحركاته ومواقفه تجاه جميع ما يواجهه في حياته. ويخضع لهذا القانون ويطبق طريقته ويعمل على أساسه لذلك كل من كان واضعاً لهذا القانون فإنه سيكون رباً له يطيعه ويلتزم بما يحكم.

العبادة هي سر ارسال الأنبياء صلوات اللَّه عليهم

الحكمة من إرسال الأنبياء صلوات اللَّه عليهم هي دلالة الناس وإرشادهم وهدايتهم إلى عبادة اللَّه عزَّ وجلّ، ولولا ذلك لما توصل أحد إلى هذه العبادة ولما عرف أحد كيف يعبد اللَّه عزَّ وجلّ ومن أي طريق، ولضلوا ولاختلفوا واقتتلوا أشد مما اقتتلوا فمع إرسال عدد كبير من الأنبياء صلى الله عليه وآله نجد أن التاريخ قد فاض بالدماء بحوراً بسبب الاختلاف والضلالة في السبل وعدم معرفة سبيل العبادة الأصلح للبشرية.

وقد جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما تقرّب إلي عبد بشيء أحب مما افترضت عليه وإنه ليتقرّب إلي بالنافلة حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به ويده التي يبطش بها".

الإنسان دائماً يسعى لأن يكون عبداً لما يراه يحقق له أهدافه ويجعله أمامه يخضع له ويعبده ويجعله ربه ومدبر أموره، فلو لم يرسل اللَّه عزَّ وجلّ الأنبياء لخضع الإنسان حتى للحجارة كما فعل عبدة الأوثان والحجر هو أدنى مخلوق في سلسلة مراتب المخلوقات ومع ذلك عبده الإنسان عندما لم يجد من ينير له طريقه. فلو كان الإنسان يستطيع أن يستدل على طريق العبادة وسبيلها دون الأنبياء ولما كان هناك حكمة من إرسالهم.

نسأل الله في کل حال أن یحفظ علینا دیننا وأن یوّفقنا لطاعته .آمین یارب العالمین

 

تصنيف :