داعش وأخواتها.. سيرة سلف!

داعش وأخواتها.. سيرة سلف!
السبت ٢٣ أغسطس ٢٠١٤ - ١٠:٣٢ بتوقيت غرينتش

تعددت القراءات للاسلام علی مرّ تاریخه، بل ظهر الخلاف بین علیة القوم بعد وفاة النبي ( ص) مباشرة.. والدماء التي صاحبت هذا الاختلاف شكلت في بعض تفاصیلها سنة لفرق ومذاهب مختلفة، خاصة وان الأخوة أهل السنة وسّعوا دائرة التشریع التي یقتصرها الشیعة علی الوحي وسنة النبي (ص) وما وصل منها عن طریق أهل البیت ( ع)، حتی أضحی كل من سمع حدیث النبي وشاهده ولو لدقائق معدودة، بل والتابعین ایضاً مصدراً في التشریع علی أساس حجیة عمل الصحابة والتابعین!

فصار فعل ابو سفیان حجة كما هو فعل علي بن ابي طالب (ع) وفعل هند بنت عتبة آكلة الاكباد حجة كما هي سیرة خدیجة ام المؤمنین (رض) وتساوی من تساوی بالحسن والحسین ریحانتا رسول الله (ص) وسيدا شباب أهل الجنة وخیار الصحابة من المهاجرین والانصار ضاعوا بين الطلقاء والمؤلفة قلوبهم.. وفقاً لنظریة عدالة الصحابة والحدیث ألمروي "قرني خیر القرون"!
 

هذا الخلل المنهجي تعمق من خلال بعض القراءات المتطرفة في القرون التالیة، حتی اضحی ما یعرف بـ" فتوی ماردین" لابن تیمیة المعروف بمیوله الأمویة أساساً في تكفیر المسلمين، ورغم أن بعض العلماء ردوا هذه الفتوی الاّ انها أضحت مستمسك الحركات السلفية الجهادیة في العقود الاخیرة... فاستحل دم المسلم علی أساس انه أصبح كافراً لان من یحكم مجتمعه لا یحكم بما أمر الله!
وبذلك أصبحت جمیع البلاد الاسلامیة وأهلها كافرون وفق فتوی ماردین لابن تیمیة وقراءتها السلفیة الجهادیة...


وبالطبع كان نصیب الشیعة هو الاوفر من الذبح ليس لذلك فقط، بل علی أساس وصفه (شيخ الاسلام الأموي ابن تيمية) لهم بأنهم أبعد الطوائف عن الدین ومعتقداتهم من أخبث المعتقدات وهم من أحقد الفرق علی المسلمين وأشدهم خطراً! بل هم أشد بدعة من الخوارج الذین یكفرهم..

وفي فتوی اللجنة الدائمة للبحوث العلمیة والافتاء في السعودیة التي كان یرأسها عبد العزيز بن باز، ورد مایلي: ان كان الامر كما ذكر السائل من ان الجماعة الذین لدیه من الجعفریة یدعون علیا والحسن والحسین وسادتهم (عند الشدائد) فهم مشركون مرتدون عن الاسلام ـ والعیاذ بالله ـ لا یحل الأكل من ذبائحهم لانها میتة ولو ذكروا علیها اسم الله!
وقال ابن جبرین: لا یحل ذبح الرافضي ولا أكل ذبیحته، لان الرافضة غالباً مشركون!

الی هنا لم یطرأ شئ جدید علی ما جاء به الوهابیون التقلیدیون والسلفيون الجهاديون، لكن الجدید هو الاضافات و"الاكسسوارات" التي أحیطت بها هذه الفتاوی، مثل: شرعیة الذبح والتلذذ به قربة الی الله تعالی! وجواز المثلة التي نهی عنها النبي (ص) ولو بالكلب العقور، كما صح في الحدیث...

ویری السلفیون ان العلماء اختلفوا في المثلة، حتی قال الشوكاني انها نهي علی سبیل التواضع ولیس نهي علی التحریم! ونقلوا عن النووي والقاضي عیاض قولهما ان النهي هنا نهي تنزیه!
بالعكس حسنوه ورأوا انه نوع من المعاملة بألمثل، بل قد تتحقق به مصلحة نحو التنكیل والموعظة والقاء الرعب وكسر شوكة الاعداء، كما لو كان المقتول من صنادیدهم (بالضبط كما فعلت هند بنت عتبة مع جسد حمزة سید الشهداء)!

والغریب ان هؤلاء القوم نسبوا كل افعال المثلة والحرق وحزّ الرؤوس و... الی علي بن ابي طالب (ع)! فالتزموا بما نسبوا الیه من الأفعال ولم یلتزموا بسیرته الأخری وحقه في الولایة والاسلام وما ورد في وجوب حبه وذريته، بل جعلوا حبه سبباً في قتل الناس والمثلة بها وحرقها، كما جری في العراق والشام وكما كان يفعل معاوية، حيث قتلوا الناس لمجرد انهم رفضوا سبه...

نعم، ولابد من قولها بخجل.. كل ما یجري الیوم موجود في تاریخ الاسلام وسیرة المسلمين التي أضحی بنو أمیة الطلقاء رموزها والتي صارت الثقافة البدویة التي تفخر في الاستشفاء ببول البعیر وتصرّ علی أكل الجراد و"الضب" والاعدام بالسیف تسییرها وتنقحها وتبشر بها من خلال أموال البترودولار!!
 

ألم یذبح الصحابي خالد بن الولید الصحابي مالك بن نویرة وألقی برأسه تحت قدور الطبخ ودخل بزوجته دون عدّة.. مما أثار غضب الخلیفة الثاني عمر بن الخطاب علیه ولم یخلصه من ذلك سوی دفاع الخلیفة الأول عنه بانه أجتهد فأخطأ؟!

ألم یذبح " الصحابي " معاویة والي الشام وخلیفة المسلمين لاحقا الصحابي الجلیل حجر بن عدي، هو وأبنه ورهط من شیعة علي (ع)، لا لشئ سوی أنهم رفضوا سب الصحابي علي بن ابي طالب ولم یتبرأوا منه؟!
بالمناسبة قبر هذا الصحابي لم يسلم بدوره من النبش وهي سنة أموية أمر بها معاوية في خلافته انتقاماً لمن قتلهم المسلمون في بدر وأحد، فنبشته داعش بعد 1400 سنة في عدرا بريف دمشق!

ألم یقتل "التابعي" الماجن وابن "الصحابي" الذي حول الخلافة الى ملك عضوض (معاویة)، وحفید " الصحابیة " هند، أقصد یزید، ریحانة رسول الله (ص) الحسین بن فاطمة بنت محمد بن عبد الله (نبي هذه الأمة) وحمل رأسه ورؤوس أصحابه من العراق الى الشام وسبى ذرية رسول الله؟!

ألم یبح خلیفة المسلمين یزید بن معاویة مدینة رسول الله ثلاثة أیام لجیشه ینهبون ویقتلون ویعتدون علی حرائر المسلمين!!

ألم یرم خلیفة المسلمين یزید الكعبة ألمشرفة بألمنجنیق.. ولا زال متحف مكة یحتفظ بما تبقی من حرائقها!

ألم یرم الخلیفة الولید بن عبد الملك القرآن الكریم بالنبل لانه استفتح به، فخرجت الآیة الشریفة: "... وخاب كل جبار عنید"؟!
ألم یمثل الحجاج بن یوسف الثقفي وغیره من ولاة بني امیة بخصومهم ومن لم یجاریهم في البراءة من علي بن ابي طالب..؟!
والقائمة طويلة في هذا الصدد لا يسمعنا جمعها في هذه العجالة...

حتی وصل الأمر الی اتباع محمد بن عبد الوهاب الذین جمعوا بين سيرة سلفهم في القتل والذبح والمثلة وبداوة ثقافتهم...

أجل "داعش" هي نتاج الألتزام بسیرة سلف طالح وقراءة اقصائیة تكفیریة للدین وثقافة بدویة خشنة متحجرة، یضاف الیها تقنیات العمالة وأسالیب المخابرات الصهیونیة في نشر الرعب والسعي لالحاق الهزیمة النفسیة بالخصم بكل الوسائل والطرق، حتی لو كان عن طریق تعلیق الرؤوس في الساحات العامة ولعب كرة القدم بها والقاءها في النار...
وهذه فتوی ابن عثیمین، تقول بملئ الفم:
یجوز قتل نساء واطفال العدو الكافر.. وقد علل ذلك بالمصلحة وعزّ للمسلمین..!!

اسلام غریب عن رسالة محمد (ص) الذي بعث رحمة للعالمين، اسلام لا حرمة فیه لاحد، ولا كرامة به لانسان، شعاره السیف ونشیده القتل وتراویحه جهاد النكاح!
هذا الاسلام هو ما یبحث عنه المستشرقون والغربیون في صدام الحضارات، قتل وسبي ودمار.. ذوائب عفنة ولحی وسخة وقمصان قصیرة ورایات سود وأیاد ملطخة بدماء المسلمين.. فقط المسلمين.. فكم أمیركي وصلیبي وصهیوني قتلت داعش وأخواتها؟!
اسلام الطلقاء والخلفاء، اسلام ابن تیمیة ومحمد بن عبد الوهاب والشوكاني وابن باز وال الشیخ والفوزان والعثيمين والوادعي والقرضاوي.. الاسلام الذي سب علي بن ابي طالب (ع) 70 سنة علی منابر المسلمين...
هذا اسلامهم فلا تعجبوا من أفعالهم!

بقلم: علاء الرضائي