زئير كلمة الشيخ النمر أقوى من أزيز الرصاص

زئير كلمة الشيخ النمر أقوى من أزيز الرصاص
الخميس ١٦ أكتوبر ٢٠١٤ - ٠٧:٣٠ بتوقيت غرينتش

قضية آية الله الشيخ النمر باقر النمر، الذي حكم عليه القضاء السعودي بالاعدام، كانت حاجة أمنية استشعرتها السلطات السعودية، عندما كانت المنطقة تموج على وقع ما سُمي حينها بالربيع العربي، الذي اخذ يقترب من اطراف صحراء جزيرة العرب وبعد ان عبر جزيرة البحرين، فرأت هذه السلطات ان تشدد قبضتها الامنية والعسكرية كوسيلة لمواجهة تلك الظاهرة، داخل السعودية وخارجها.

كان متوقعا ان ينتهي هذا الامر الى ممارسة المزيد من القمع وازهاق المزيد من ارواح الابرياء، وهو ما حصل، ففي الداخل تم قمع كل مظاهر التعبير عن الراي وملاحقة الرموز الوطنية المطالبة بالحرية والعدالة، وفي مقدمة هذا الرموز الشيخ النمر، وفي الخارج احتلت القوات السعودية البحرين، وقمعت التظاهرات السلمية المطالبة بالتغيير والاصلاح هناك.

الممارسات القمعية للسلطات السعودية داخل السعودية جاءت متأخرة عن تدخلها العسكري في البحرين ومساعدتها للقوات الامنية والعسكرية لأل خليفة على قمع الشعب البحريني، فالتدخل السعودي في البحرين حصل في اواسط اذار مارس من عام 2011 اي بعد شهر واحد من ثورة الشعب البحريني، الامر الذي اثار حفيظة وغضب قطاعات واسعة من ابناء الشعب السعودي وخاصة اهالي المناطق الشرقية في الاحساء والقطيف الذي تظاهروا دعما للشعب البحريني، وكذلك لمطالبة السلطات باطلاق سراح المعتقلين المنسيين التسعة في سجون النظام السعودي الذي مضى على اعتقالهم اكثر من 16 عاما انذاك، وكذلك طالب المتظاهرون الى انصاف اهالي المنطقة الشرقية والكف عن ممارسة سياسات تمييزية طائفية تهميشية ضدهم.

السلطات السعودية وانطلاقا من رؤيتها الامنية المتصلبة الرافضة لأي مطالب شعبية بالحرية حتى في حدودها الدنيا، تعاملت بمنتهى القسوة مع هذه التظاهرات السلمية وخاصة تلك التي خرجت في العوامية في تشرين الاول / اكتوبر 2011، والتي قام فيها الشيخ النمر بدور قيادي ومسؤول، عندما منع من انزلاق التظاهرات نحو العنف، حيث كان يدعو  الشباب المتحمس الى التمسك "بزئير الكلمة امام ازيز الرصاص"، ولكن للاسف كانت السلطات عاقدة العزم على تشديد قبضتها الامنية فاستخدمت السلاح الحي ضد المتظاهرين وسقط العديد من الشهداء والجرحى كما تم اعتقال المئات من المتظاهرين.

جريرتان لا تغتفران ارتكبهما الشيخ النمر واستحق عليهما الاعدام!!،  الاولى هي جرأته على قول الحق دون خوف، ومطالبته المستمرة للسلطات السعودية للكف عن مصادرة الحريات والاستئثار بالثروات والمناصب وممارسة التمييز بين ابناء الشعب الواحد، اما الثانية فكانت  سلاحه الذي رفعه في وجه النظام، وهو الكلمة والحراك السلمي، فالشيخ النمر يعرف ان اكثر ما يغيظ السلطات السعودية هو سلمية الحراك الشعبي، فهذا النهج يفسد على السلطات كل خططها الامنية لقمع المتظاهرين، لهذه الاسباب، لم تتحمل السلطات السعودية الشيخ النمر فشنت عليه حملة اعلامية ظالمة انتهت باعتقاله بطريقة في غاية القسوة، ففي الثامن من شهر تموز/ يوليو 2012  قامت وحدات من قوات الامن باطلاق النار عليه وهو في سيارته على الطريق العام، فأصيب على إثرها بأربع رصاصات في فخذه الأيمن، وقامت باعتقاله وهو فاقداً لوعيه لتنقله إلى المستشفى العسكري في الظهران وبعد ذلك إلى مستشفى قوى الأمن بالرياض ثم إلى سجن الحائر.

السلطات السعودية تصورت حينها، انها ومن خلال اسكات صوت الشيخ النمر، تكون قد نجحت في تغييب الصوت الذي ينظم ايقاع الاحتجاجات الشعبية بالشكل الذي لا يخرجها عن سلميتها، حتى لا تكون لقمة سائغة لقوى الامن والشرطة السعودية، ولا تهدأ كي تتنفس السلطات السعودية الصعداء، الا ان الاحتجاجات الشعبية استمرت، لذلك لم تجد هذه السلطات من طريقة للتخلص من الشيخ النمر الا من خلال محاكمته، وهي المحاكمة التي اكدت، ولسوء حظ السلطات السعودية، مظلومية الشيخ النمر وصوابية نهجه.

التهم التي حُكم بسببها على الشيخ النمر بالقتل تعزيراً، هي: الخروج بالسلاح على ولي الامر، والدعوة للتظاهر، ودعم الثورة في البحرين، ودعوته الى اعادة بناء مقبرة البقيع!!، وهي التهم التي استند اليها مدعي عام المحكمة في الجلسة الاولى من المحاكمة في اذار/ مارس عام 2013 للمطالبة بإقامة حد الحرابة (القتل والصلب) على الشيخ النمر.

صحيفة السفير اللبنانية اجرت قبل يوم من صدور الحكم على الشيخ النمر بالاعدام، لقاءاً مع  الناشط السياسي محمد النمر، وهو شقيق الشيخ النمر، اكد فيه رفض المحكمة استدعاء عناصر الفرقة التي ألقت القبض على الشيخ النمر، والتي ادعت زوراً عليه، بأنه واجههم بالسلاح،  بالرغم من ان أقوالهم تشكل عنصراً اساسياً في الدعوى، لان الخروج بالسلاح على ولي الامر يشكل التهمة الاخطر، وبالتالي فإن عدم الاستجابة لمطلب الاستماع إلى الفرقة القابضة يمثل انتهاكاً خطيراً لحق الشيخ نمر بمحاكمة عادلة.

كما كشف النمر التناقض الموجود بين الأوراق الرسمية المقدمة في هذه القضية، كالتناقض بين لائحة الاتهام التي جاء فيها ان الشيخ النمر اطلق النار على الشرطة التي كانت تطارده، وبين وثيقة رسمية اخرى تسلّمها فريق الدفاع في بداية المحاكمة، ذكرت ان الشرطة طاردت الشيخ النمر وعندما اوقفته، نزل قائد الدورية ومرافقيه للقبض عليه، وعندما رفض النزول، اطلق عليه النار ما ادى الى اصابته في القدم، واثناء إركابه في الدورية جاءت مركبتان، وقفتا امام الدورية، وحصل تبادل لإطلاق النار بين الطرفين.

اما جريمة التحريض على حمل السلاح، فهو اتهام استند إلى المقاطع التسجيلية المجتزأة، وهو مردود عليه بالتسجيلات ذاتها، وبباقي مواقفه التي كانت تدعو دوماً إلى التهدئة ونبذ العنف بأشكاله كافة. اما في ما يتعلق بتهمة التحريض على التظاهر، فإن كلام الشيخ كان عن إباحته كعمل مشروع للمطالبة بالحقوق، في مقابل حرمته عند علماء الوهابية.

ان الاوضاع التي تمر بها المنطقة ومن ضمنها السعودية، تتطلب ان يطغى صوت العقل على كل الاصوات الاخرى، في التعامل مع القضايا الحساسة والتي يمكن ان تعقد الاوضاع اكثر وتدفع بالامور الى حافة الهاوية، ففي ظل الظروف التي يهدد التكفيريون فيها جميع المسلمين شيعة وسنة وجميع اتباع الدينات الاخرى، ويهددون امن واستقرار شعوب ودول المنطقة، يجب ان تتضاعف مسؤولية قادة دول المنطقة، وخاصة الكبرى منها ومن بينها السعودية، ازاء دولها ومستقبل شعوبها، عبر وقف انحدار المنطقة صوب المجهول، الذي يسوقها التكفيريون  والطامعون اليه، والحكمة والمصلحة تتطلبان ان تقف السلطات السعودية مليا امام قضية الشيخ النمر، وتتعامل بنظرة اكثر عمقا مع الاوضاع التي تجري في السعودية و في المنطقة، فمثل هذه الاوضاع لا تتحمل اي مجازفة، كما يصر البعض في هرم السلطة في السعودية على ركوبها، فنتائج هكذا مجازفة لن تكون في صالح النظام السعودي  في اي حال من الاحوال، بل انها ستدفع بالاوضاع في السعودية والمنطقة الى مزيد من التصعيد والتعقيد.

ماجد حاتمي - شفقنا