عاجل:

الآصفي.. اخر العباءات الممزقة

السبت ٠٦ يونيو ٢٠١٥
١٢:٠٧ بتوقيت غرينتش
الآصفي.. اخر العباءات الممزقة تعرفت على الشيخ محمد مهدي الآصفي قبل ان أبلغ السمع، اذ كانت امي تخبيء مذياعها عن اعين السلطة الديكتاتورية واسماع مخبريها، لتلتقط اذاعة طهران العربية في الساعة الواحدة الى الثانية من عصر كل يوم ، لتصغي بخشوع الى المحاضرة الاسلامية.


المحاضرة التي يتناوب عليها علماء من الطائفتين كان ابرزهم الخطيب البارع الدكتور احمد الوائلي - رحمه الله - الذي يمتلك حنجرة لن تتكرر في إيقاعها وثراء معلوماتها، بينما كان الصوت الآخر للعلامة الآصفي الذي يكسر إيقاع الوائلي بإيقاع مختلف تماماً في النبرة والمضمون، اذ كانت محاضراته تخترق الروح والعقل لِتُدخلَ سامعها في متاهات صوفية وعرفانية نابعة من تجرية ثرية في العلم والزهد والوجع.

لم أكُ اعرف من هو الآصفي وانا أرمي بإسماعي من مسافة تمكنني من التقاط صوت المذياع لكي لا أدل الاخرين على ذلك الطقس اليومي المقدس بالنسبة لنا، أمي وانا.

بعد ذلك وفي بداية التسعينات يوم انقلبت معادلة مقاومة النظام الديكتاتوري وأصبحت ملاذات المجاهدين غير آمنة في بيوتنا المترامية على سفوح الهور، انتقلنا مشياً على الألغام الى ايران عن طريق الأهوار المُجفّفة، وبقينا في حدودها لعدة أشهر لم يطرق أبوابنا التي لم تكن من الخشب او الحديد انما كانت ابواباً من ريح، سوى الشيخ محمد مهدي الآصفي الناطق الرسمي لحزب الدعوة الاسلامية انذاك والرجل الاول في هذا الحزب..

زارنا في هذا الشارع الذي يفصل بين الوطن والغربة بمساحات هائلة من المياه التي لم تصل اليها ارادة التجفيف والعطش، وكنت وامي وإخوتي واخرين نلتقي بالاصفي وجها لوجه وليس سمعاً لصوتٍ في المذياع، ما شدّ انتباهي ليس الآصفي القائد والزعيم، انما الآصفي الزاهد والمتواضع الذي لم يرقع عباءته لكي لا يستحي من راقعها، ورغم ان يده خلت من اية حلول لنا ولغيرنا، الا انها كانت بيضاء وسخية لحد انها أشبعت الجميع أمناً وطمأنينة.

تكررت لقاءاتنا به بعد انتقالنا الى مدينة قم الايرانية التي كانت ملاذاً رائعاً لشتى الاتجاهات العراقية التي تعارض النظام الديكتاتوري، كان مختلفاً عن كل القيادات السياسية والدينية في كل شيء، لحد ان زهده وتقواه كانا يخرجانه من كونه شخصية سياسية ذات مستوى رفيع، لانه كان مترفعاً عن تفاصيل القيادة وبروتوكولاتها المتعارفة، ورغم كونه الأوفر حظاً في استلام الحقوق الشرعية والمساعدات الانسانية، إيماناً من أصحابها والقائمين عليها بصدقه ومصداقيته في ايصالها الى مستحقيها، رغم كل هذه الإيرادات، الاَ انه لم يسكن منزلاً فارهاً ولم يركب سيارة خاصة، لحد انه دفع أجرتي في التاكسي العمومي لعدة مرات وسط استغرابي ودهشتي من كونه يصعد في سيارات الأجرة العامة.. كما كان يمتلك عشرات المنازل التي تحت تصرفه والتي خلت من ايٍ من أقاربه وذويه، لانه خصصها لعشرات العوائل من ألأرامل والأيتام.

كان يدرك بإيمانه العميق ان مساعدة الفقراء والمحتاجين اهم بكثير من الانغماس بتفاصيل العمل السياسي، لانه يؤمن ان القائد الحقيقي من يرتقي سُلَّم الاولويات وكانت من أولوياته توفير الخبز والسكن للمشردين وليس تعبئتهم بشعارات فارغة، لان الآصفي قرأ كل سَنَن التاريخ ليوظفها في مسيرته العلمية والعملية ويعيد كتابتها بما ينفع الأمة، فلم يخوض في مسارات التاريخ المتعرجة التي تُولِّد الاختلاف والاقتتال انما كان مثلاً لرجل الدين المتسامح والمترفع عن كل أشكال التعبير الطائفي.

أنْ تُعدّد مناقب الآصفي فلن تحصيها بسهولة، لدرجة ان كل من يعرفه يحفظ عنه الكثير من تلك التفاصيل واليوميات التي تراكمت بمرور التجربة لتصبح أيقونة في شخصيته ودالة عليه.

اية الله المفكر الشيخ محمد مهدي الآصفي يرحل بعد ان صلى الفجر بعباءته الممزقة او بدونها لا ادري، تاركاً وراءه تاريخاً من الفكر والزهد والمقاومة، مترفعاً عن سلطة اقبلت عليه بكل مغرياتها، فالقائد العام للحزب الذي حكم العراق منذ سقوط الديكتاتور ولحد الان لم يستلم موقعاً او امتيازاً او اي شي اخر كان سيحصل عليه بإشارة واحدة من أحد اصابع يديه البيضاء..

 برحيل العلامة الآصفي، تخسر الحركة الاسلامية رمزاً من رموزها الحقيقيين.. وعمامة ناصعة البياض لم تتسخ بملذات الدنيا ولم يعلوها غبار السلطة، وتخلع الحوزة العلمية واحدة من آخر عباءاتها الممزقة.


مجاهد أبوالهيل/ صحيفة الصباح

0% ...

آخرالاخبار

السجاد الایرانی.. رمز لفن الشرق وسفيرًا ایرانیا صامتًا لایحتاج الی کلام


خسائر قياسية.. تداعيات"طوفان الأقصى" على الاقتصاد الإسرائيلي في 2025


قوات الاحتلال تداهم محال تجارية خلال اقتحامها مدينة قلقيلية شمالي الضفة الغربية


'أحرونوت:' كاتس يتفق مع مسؤولي مستوطنات على تمديد زيارات قبر النبي يوسف (ع) في نابلس لتشمل النهار أيضا


أسعار الذهب والفضة تهبط بعد تراجع التوترات الجيوسياسية


'أحرونوت': ستبحث التحقيقات أسباب عدم هزيمة #حماس وفشل الاستخبارات بتحديد موقع شبكة الأنفاق


الخارجية الايرانية: أي عدوان صهيوني جديد سيقابل بردّ أقوى


الكرملين: نتفق مع ترامب على أن السلام بات أقرب بكثير وأن المفاوضات بشأن أوكرانيا في المرحلة النهائية


الخارجية الإيرانية: نراقب عن كثب تحركات الكيان الصهيوني، ونُكثّف استعداداتنا


الخارجية الإيرانية: دول المنطقة أدركت جيدًا أن هذا الكيان هو أكبر تهديد للسلم والأمن الإقليميين والدوليين


الأكثر مشاهدة

حزب الله يدين استهداف المصلين في مدينة حمص السورية


السفير الإيراني في بغداد: قوى المقاومة حرّة بقرار حصر السلاح لكنها متخوفة من التبعات


مظاهرة حاشدة في ستوكهولم تندد بانتهاكات الإحتلال لوقف إطلاق النار في غزة


لافروف: أوروبا أصبحت العقبة الرئيسية أمام السلام في أوكرانيا


زيلينسكي يصل إلى الولايات المتحدة استعدادا لمحادثات مع ترامب


السوداني: لم يعد هناك أي مبرر لوجود قوات أجنبية في بلادنا


مصادر فلسطينية: جيش الاحتلال يقتحم مدينة نابلس بالضفة الغربية


وسائل اعلام عبرية – اذاعة الاحتلال: نتنياهو سيبلغ ترمب رفضه الانتقال لمرحلة ثانية من اتفاق غزة قبل نزع سلاح حماس


وسائل إعلام عبرية: عشرات لوائح اتهام في 35 قضية تجسس لصالح ايران تم الكشف عنها تباعا منذ سبتمبر 2024


صحيفة "ميدل إيست آي": مجازر غزة عطلت مسارات تطبيع عربية كانت قيد البحث مثل السعودية وليبيا


مصادر فلسطينية: مستوطنون يهاجمون منزلا في حوارة جنوبي نابلس ويحرقون مركبة ويخطّون شعارات تهديد على الجدران