فيينا والدرس الإيراني في الندية

فيينا والدرس الإيراني في الندية
الجمعة ١٧ يوليو ٢٠١٥ - ٠٩:١١ بتوقيت غرينتش

من المؤكد ان مفاعيل الاتفاق النووي بين ايران وامريكا وبريطانيا وفرنسا والمانيا وروسيا والصين، لن تنحصر في نطاق العلاقة الثنائية بين ايران وبين هذه الدول، بل ستمتد على طول مساحة العلاقات التي تربط ايران ودول الاقليم، وعلى ما تشهده من تطورات.

ان الاتفاق النووي، قبل ان يكون اعترافا وتصريحا، بإيران نووية، من قبل اكبر ست قوى في العالم، هو اقرار لا لبس فيه، بعدم قدرة هذه القوى على حرمان ايران من حقوقها المشروعة بالقوة، وتسليم واضح بدور ايران البارز والمؤثر في المنطقة، كدولة لا يمكن معاداتها او تجاهلها.
ان امريكا، ما كانت تتردد ولو للحظة واحدة في تدمير البرنامج النووي الايراني، لو كان بمقدورها ذلك، وما جلوسها الى طاولة واحدة مع ايران لمناقشة برنامجها النووي، الا تاكيدا على فشل جميع سياستها السابقة، بشقيها العسكري والاقتصادي ضد ايران.
الرئيس الامريكي باراك اوباما اعلن وفي اكثر من مرة، انه يتمنى تفكيك البرنامج النووي الايراني باكمله، ولكن هذه امنية لا يمكن تحقيقها ابدا، لسبب بسيط وهو ان الايرانيين امتلكوا ناصية التقنية النووية، وان قصف منشاتهم النووية رغم كل مخاطره، لن يؤدي الا الى تاخير البرنامج النووي الايراني بعض الوقت، لينطلق بعد ذلك بوتيرة اسرع.
اما سياسة الحظر الامريكية ضد ايران، والتي اعتبرها اوباما العصى السحرية التي دفعت ايران للتفاوض، فكانت عقيمة كالتهديدات العسكرية، والدليل على ذلك، دخول امريكا في مفاوضات مارثونية مع ايران ومن موقع الندية، دون اكتراث باحتجاجات حليفيها "اسرائيل" والسعودية، فلو كان الحظر الاقتصادي سيؤدي الى "شل الاقتصاد الايراني" و "انهيار العملة الوطنية الايرانية" و"اندلاع اضطرابات تؤدي الى اسقاط النظام او استسلامه"، لماذا اذا تجشمت امريكا عناء المفاوضات، والقبول بايران نووية؟
من المؤكد ان الامريكيين، على العكس من "الاسرائيليين" و السعوديين، ايقنوا ان التهديدات العسكرية والحظر الاقتصادي، لن ينالا من ارادة الشعب الايراني، واتضح ذلك جليا من الانجازات العلمية والنووية والعسكرية التي حققتها ايران في ظل الحظر، بل ان ايران اعلنت عن تخصيبها اليورانيوم بنسبة 20 بالمائة، في ظل اقسى حلقات الحظر، وعندما كانت حاملات الطائرات الامريكية تجوب البحار حول ايران.
ابدت ايران في السنتين الاخيرتين مرونة حقيقة، عندما وجدت بعض الجدية لدى الجانب الامريكي، للوصول الى تسوية ما لبرنامجها النووي، بعيدا عن لغة التهديد والوعيد، الامر الذي شجعها على الدخول في مفاوضات مباشرة مع امريكا، لجس نبضها والوقوف على مدى جديتها، لاسيما انه ليس لايران شيء تخفيه، فهي من اكثر الدول حرصا على ايجاد تسوية لملفها النووي المفتعل، ورفع الحظر الظالم المفروض عليها .
قدمت ايران من خلال المفاوضات النووية، والاتفاق النووي الذي تمخض عنه، درسا في غاية الاهمية لمختلف شعوب العالم ؛ في كيفية الدفاع عن سيادتها واستقلالها وحقوقها، عبر استخدام دبلوماسية مسؤولة، نابعة من ارادة الشعب، وتستند الى قدرات عسكرية رادعة، وتعمل بتوجيهات قيادة شجاعة وحكيمة، وهذه الوصفة السحرية هي التي دفعت وزير خارجية اكبر دولة في العالم خلال 22 شهرا، ان يطير هو وفريقه المفاوض، عشرات المرات فوق المحيط الاطلسي بصورة مكوكية بين امريكا واوروبا، ويقضي في احداها 17 يوما متتالياً في العاصمة النمساوية فيينا وتحديدا في فندق كوبورغ، ومثله فعل وزراء خارجية اكبر خمس دول في العالم، كانوا يتقاطرون على الفندق، للقاء وزير خارجية ايران، البلد الذي قدم للعالم اجمع درسا في كيفية التعامل بندية مع الاخرين، مهما كانوا متجبرين ومتكبرين.

* ماجد حاتمي - شفقنا