الإمام الرضا (ع) شمس لن تغيب

الإمام الرضا (ع) شمس لن تغيب
الثلاثاء ٢٥ أغسطس ٢٠١٥ - ٠٦:١٨ بتوقيت غرينتش

ولد الإمام الرضا عليه السلام، في الحادي من عشر من ذي القعدة سنة ثماني وأربعين بعد المئة من الهجرة في المدينة المنورة، وأستشهد في خراسان في الثلاثين من صفر سنة ثلاث بعد المئتين للهجرة عن عمر يناهز الخمسة والخمسين عاما ودُفن سلام الله عليه في مدينة مشهد شمال شرق إيران.

وهو الإمام علي بن موسی، بن جعفر، بن محمد، بن علي، بن الحسين، بن علي، بن أبي طالب صلوات الله عليهم اجمعين، وبذلك يكون الامام  عليه السلام، هو ثامن الائمة الاثنی عشر الذين نص عليهم النبي الاکرم صلی الله عليه واله وسلم.
اما حكام عصره عليه السلام في سني إمامته فهم هارون الرشيد، محمّد الأمين ثم عبد الله المأمون من اولاد هارون الرشيد.
وکان سلام الله عليه، خير أهل الارض وأعلمهم وأعبدهم وأتقاهم، وروي في كتب السيرة عن سيرته المباركة الشيء الكثير، فمنها أنه ما جفا أحدا بكلام قطّ، ولا قطع على أحد كلامه حتّى يفرغ منه، وما ردّ أحدا عن حاجة قدر عليها، ولا مدّ رجليه بين يدي جليسٍ له قطّ، ولا اتّكأ بين يدي جليس له قطّ، ولم يسمع منه أحد في يوم ما أنّه شتم أحدا من مواليه أو مماليكه.
فهو وارث علم النبوّة والإمامة، وهو الحافل بالعلم اللدنّي، لذا شهد له موافقوه ومخالفوه بذلك، حتّى أنّ محمّد بن عيسى اليقطيني قال: «لمّا اختلف الناس في أمر أبي الحسن الرضا(عليه السلام)، جمعت من مسائله ممّا سُئل عنه وأجاب عنه خمس عشرة ألف مسألة» .وجمع الخليفة المأمون يوما علماء سائر الملل والأديان ليسألوا الإمام عليه السلام، بهدف احراج الإمام وتقلل شأنه، فكان منه ما كان من الردّ عليهم وإفحامهم. كان ضحكه التبسّم، وإذا جلس عند المائدة أجلس مواليه ومماليكه معه، حتّى البوّاب معه والسائس. روي عنه عليه السلام، أنّه لمّا سافر إلى خراسان دعا ـ وهو في الطريق ـ بمائدة له، فجمع عليها مواليه من السودان وغيرهم، فقال له بعض أصحابه: جُعلت فداك، لو عزلت لهؤلاء مائدة؟ فقال عليه السلام: «مه! إنّ الربّ تبارك وتعالى واحد، والأُمّ واحدة، والأب واحد، والجزاء بالأعمال». وكان قليل النوم كثير العبادة، كثير الصوم في الأيّام، وكثيرا ما يتصدّق بالسرّ. عما عن كرمه وسخائه عليه السلام، فقد روي الكثير، منها: أنه مر به رجل فقال له: أعطني قدر مروءتك؟ فقال عليه السلام: «لا يسعني ذلك»، فقال: على قدر مروءتي، قال عليه السلام: «إذاً فنعم». ثمّ قال: «يا غلام، أعطه مائتي دينار». »
لقد ابتلى هذا الإمام العظيم بمصائب جمة تجرعها (عليه السلام) بصبر وثبات. عاش الإمام الرضا عليه السلام المرحلة الصعبة التي مر بها والده الإمام موسى الكاظم عليه السلام ولما استشهد ابوه عليه السلام وانتهت الامامة اليه، فقد جاء ان الرشيد قال ليحيى بن خالد البرمكي، حين حرضه الاخير على الامام الرضا عليه السلام" يكفينا ما صنعناه بأبيه. ومع ذلك فان الإمام الرضا عليه السلام لم يكن ليحيى بعيدا عن الصراع العلوي مع العباسيين دون ان يصيبه الاذى وتحل به الكروب والمحن. وبرز عليه السلام على مسرح الحياة السياسية الاسلامية كألمع سياسي عرفه التأريخ الإسلامي في عصره.
وبرز الإمام الرضا عليه السلام صلبا في مواقفه السياسية وصريحا كل الصراحة ولم تخدعه الأساليب الخبيثة والمزيفة التي سلكها أذكى الخلفاء العباسيين وهو المأمون الذي رشحه للخلافة اولا ثم فرض عليه قبول ولاية العهد ثانيا، في عصر كانت الانتفاضات العلوية تزلزل عرش الأكاسرة العباسيين. ان تردي الاوضاع السياسية قد انعكس على طبقات الأمة كافة، فلم يسلم منه احد سواء العامة والجمهور وقادة الرأي وأقطاب المجتمع والعلماء، ولذا كان الرأي العام قد اتجه بشكل قوي نحو قادة أهل البيت عليهم السلام، وائمتهم وكانوا هم المفزع للامة وملجأ الاستغاثة. ان دوافع المأمون غير النزيهة لم تخف على الإمام الرضا عليه السلام، كما لم تخف عليه متطلبات الظرف الذي كان يعيشه صلوات الله عليه وقد اُكره على قبول ولاية العهد، ولكنه فوت الفرصة الذهبية التي كان يطمع المأمون بتحقيقها من خلال اكراهه على قبول ولاية العهد، فأغتنم الامام الرضا عليه السلام هذا الظرف الذهبي الذي جاءت به ولاية العهد على الوجه الاكمل بهدف نشر معالم الاسلام المحمدي الاصيل الاسلام الحق، وتثبيت دعائم اطروحة مذهب أهل البيت عليهم السلام متحديا كل الخطوط الفكرية والمذهبية المنحرفة آنذاك. وقد أدرك المأمون عمق الخطر الذي كان يحيق به وبحكومته من خلال تواجد الإمام الرضا (ع) في مركز الحكومة، كما لاحظ نمو وشموخ خط الولاء لاهل البيت عليهم السلام، فلم يتوانى من القضاء على شخص الإمام عليه السلام واغتياله بطريقة خبيثة.
وقد مدحه أبو نؤاس - الشاعر المشهور- الذي ترك مدحه إعظاما له ، وقد أجاد فيما قال، حين عوتب علی مدحه الإمام الرضا عيله السلام بعد توليته لولاية العهد مجيبا:
قيل لي أنت أوحد الناس طرا   *** في فنون من المقال النبيه
لك من جوهر الکلام نظام    *** يثمر الدر في يدي مجتنية
فلماذا ترکت مدح ابن موسی *** والخصال التي تجمَعن فيه
قلت : لا أهتدي لمدح إمام  ***   کان جبريل خادما لأبيه
ومن وصاياه عليه السلام:
*1 قال(عليه السلام): «إنّ الله عزّ وجلّ يبغض القيل والقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال».
*2ـ قال(عليه السلام): «التودّد إلى الناس نصف العقل».
*3ـ قال(عليه السلام): «صديق كلّ امرئ عقله، وعدوّه جهله».
*4ـ قال(عليه السلام): «ليس لبخيلٍ راحة، ولا لحسودٍ لذّة، ولا لملولٍ وفاء، ولا لكذوبٍ مروءة».