في ذكرى استشهاد الامام السجاد عليه السلام..

في ذكرى استشهاد الامام السجاد عليه السلام..
السبت ٠٧ نوفمبر ٢٠١٥ - ٠٩:١٥ بتوقيت غرينتش

تبنّى الإمام السجاد، علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب عليه السلام، وكرائم أهل بيت النبوة عليهم السلام، سياسة اماطة اللثام عن حقيقة الامويين وإسقاط الأقنعة التي كانوا، قد غطوا وجوه سياستهم الكالحة الخطيرة بها، وحمّلوا الامة كذلك مسؤوليتها التأريخية أمام الله تعالى والرسالة المحمدية.

في هذا الاطار، نلاحظ ان كلمات الإمام السجاد عليه السلام في الشام، ركّزت على التعريف بالسبايا ذاتهم، وانهم آل الرسول صلى الله عليه وآله، ثم فضح الحكم الاموي وتعريته أمام اهل الشام الذين أضلّهم عن رؤية الواقع. كما نلاحظ  بوضوح أن الخطب  والتصريحات التي صدرت عن الإمام علي بن الحسين عليه السلام وعقائل أهل البيت عليهم السلام في العراق، قد انصبت على مخاطبة ضمائر الناس كمجموع، وإلفات نظرهم الى جسامة الخطر الذي حاق بهم، والى حجم الجريمة التي ارتكبتها بنو اُمية بحق الرسالة الاسلامية. وقبل دخوله المدينة عمل الإمام السجاد عليه السلام، على إثارة الرأي والوعي العام الاسلامي وتوجيهه الى محنة ومصيبة الرسالة التي تمثّلت في فاجعة الطفّ الأليمة، فقد كان خطابه الذي ألقاه بالناس يستبطن هذه المعاني. 

ان محنة كربلاء أكدت على ان الأمة المسلمة في ذلك الوقت، كانت في حالة ركود وتبلّد مما جعل الروح الجهادية لديها في حالة غياب إن لم نقل إنها كانت معدومة نهائيا، لذا فان الإمام علي بن الحسين عليه السلام، وباعتباره إمام الامة الذي انتهت إليه المرجعية، اخذ تلك الظاهرة بعين الاعتبار، ولذلك مارس دوره من خلال العمل على تنمية التيار الرسالي في الامة، وتوسيع دائرته في الساحة الاسلامية، والعمل على رفع مستوى الوعي الاسلامي والانفتاح على قطاعات وشرائح الامة المختلفة، وخلق قيادات متميزة تحمل الفكر السلامي الاصيل النقي، لا الفكر الذي يُشيعه الحكم الاموي المنحرف. وقد ساعد في انجاح عمله عاملان اساسيان هما: الاضطراب السياسي والاجتماعي الذي تفجر في اکثر مراکز العالم الاسلامي اهمية وتاثيرا بعد مأساة الطف مباشرة والثانية، التجاوب مع أهل البيت عليهم السلام، من قبل قطاعات واسعة من الامة وذلك نتيجة لشعور إسلامي عام بمظلومية أهل البيت عليهم السلام، خصوصا بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام. وقد التزم الإمام عليه السلام منهجا محدد المعالم والغايات في دوره القيادي وکان من ابرز حقوله:

- المهمة التعليمية: اتخذ الإمام السجاد عليه السلام، من المسجد النبوي الشريف وداره المبارکة مجالا خصبا لنشر المعرفة الاسلامية فشهدت طوال خمسة وثلاثين عاما - وهي فترة امامته - نشاطا فکريا من الطراز الاول. لقد استقطب عليه السلام خلال تلك الفترة طلاب المعرفة الإسلامية في جميع حقولها، واستطاع ان يخلق نواة مدرسة فکرية لها طابعها ومعالمها المميزة وتخرج فيها قمم فکرية وقادة رأي ورواة محدثون وفقهاء.

- تبنی مشاکل الجماهير: ابدی الإمام السجاد عليه السلام، کسواه من ائمة أهل البيت عليهم السلام، أهتماما متزايدا بالأمة فرسخ علاقته بها وعمق تعامله مع أوسع قطاعاتها، فکان الاب الرحيم والقائد الحکيم الحريص علی علاج ادواتها طوال ايام امامته.

- احياء ذکری الحسين عليه السلام: أقام الإمام السجاد عليه السلام، مأتما دائما في داره لاعطاء الذکری، حرارة دائمة ولتبقی حيَة في ضمير الامة وتاريخها وهي تذکر بالمبادیء والقيم الإسلامية التي ثار الإمام الحسين، من اجلها وضحی باهل بيته واصحابه في سبيلها.

- الدعاء: حفظت لنا سيرة الإمام السجاد عليه السلام نمطا من الأدعية بلغ الذروة في الکمال والنضج والشموخ فقد کانت ذات وجهين غاية في الارتباط والتکامل وجها عباديا وآخر أخلاقيا أجتماعيا يتسق مع مسار الحرکة الاصلاحية التي يقودها عليه السلام.

فعمد الإمام علي بن الحسين عليه السلام بعد حوادث الطفّ مباشرة، بقيادة الحرکة الاصلاحية في الامة، وبمقدور المتبع ان يلمح في قيادة الامام السجاد (ع) ظاهرتين اثنتين، الاولی استکمال الشوط الرسالي الذي بداه الإمام الحسين عليه السلام والثانية،  تبني منعطف جديد للحرکة الاصلاحية في الامة، حيث  ان المتتبع لطبيعة دور الإمام السجاد عليه السلام، في الحياة الاسلامية بعد عودته، يلمح انه قد رسم منهجه العملي بناء علی دراسة الاوضاع العامة للامة بعد ثورة الإمام الحسين عليه السلام وتشخيص نقاط ضعفها ومقومات نهوضها.

لقد تمكن الإمام علي بن الحسين عليه السلام بعمله الهادىء والمنظّم ان يشرف على تكميل هذه المهام بكل قوة وبحكمة وبسلامة وجدّ. وقد أطلق الإمام عليه السلام نهجا جهاديا ينهض بأعباء متطلبات المرحلة الخطيرة آنذاك وشمل على الجهاد الفكري والعلمي، والجهاد الاجتماعي، والجهاد الاصلاحي ومقاومة الفساد.     
فالف سلام وسلام عليه، يوم ولد ويوم جاهد في سبيل رسالة ربه، ويوم استشهد ويوم يبعث حيا.

تصنيف :