هل آن أوان الغزو الأميركي ؟

هل آن أوان الغزو الأميركي ؟
الجمعة ٠٨ ديسمبر ٢٠١٧ - ٠١:٣٤ بتوقيت غرينتش

«آن الأوان للإعتراف رسمياً بالقدس عاصمة لإسرائيل.. أوعزتُ ببدء الاستعداد لنقل السفارة الأميركية إلى القدس».. هذا ما قاله الرئيس الأميركي أمس كما كان منتظراً، فأثار في الأيام الأخيرة الكثير من النقاش في الغرب، بينما ساد الصمت في بلدان العرب في الأوساط الرسمية. ربما يكون مرد ذلك إلى العجز أو الفزع من التعبير أو إلى الفراغ، فلا توجد سلطة عربية تهمها الشؤون العربية خارج حدود معاونة الولايات المتحدة الأميركية في محاولاتها إعادة هيكلة الشرق الأوسط من جديد!

العالم - فلسطين المحتلة

هذا برهان على أن «القرار الوطني الفلسطيني المستقل» وصل إلى أقصى حدوده. كان أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني في سنة 1988، يعلمون بالتجربة الملموسة أن القضية الفلسطينية ليست «قضية وطنية فلسطينية» وانما هي في الحد الأدنى قضية فلسطينية ومصرية ولبنانية وسورية وعراقية وأردنية وليبية وتونسية وجزائرية، كون هذه البلدان حملت القضية الفلسطينية وناضلت من أجلها، بصرف النظر عن إخفاقاتها، ولكن كان واضحاً انها تشكل المدى الطبيعي والحيوي للقضية الفلسطينية. جميع الأحداث التي ميّزَت تاريخ فلسطين منذ سقوط الدولة العثمانية وحتى يومنا هذا تثبت هذا المعطى بما لا يدع مجالاً للشك والجدل.

تشهد على ذلك تجربة فصائل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان التي انتهت كما هو معروف بأن أخذت هذه الفصائل تحت ضغط قوات الغزو الإسرائيلي في سنة 1982 طريق المنفي إلى تونس، مما أتاح لهذه القوات إحتلال مدينة بيروت، العاصمة اللبنانية، وارتكاب مجزرة صبرا وشاتيلا. وخلاصة هذه التجربة أن «الثورة» الفلسطينية تخلت في لبنان عن «ثوريتها» فطردت الثوار من صفوفها وتحولت إلى «جيش مهني» كمثل أي جيش مهمته حماية السلطة بالإضافة إلى أنها أعاقت تقدم الحركة الوطنية اللبنانية وتسببت في تراجعها وهـُزالها.

أكتفي بهذا الإستطراد لأقول أن الدولة اللبنانية سقطت في سنوات 1970، لا يتسع المجال هنا لتناول العوامل التي إدت إلى انهيارها فعلياً، فلم يبق منها الإ الإسم والشكل، وأن ذلك مهد لدخول قوات المستعمرين الإسرائيليين الذين فشلوا في تحقيق أهدافهم إلا واحداً منها وهو ترحيل مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان.

أضع هذه التوطئة لألفت النظر مرة ثانية إلى أن الصمت مخيم على الدول العربية أو ما تبقى منها. فعلى الأرجح أن خرجة الرئيس الأميركي في موضوع القدس، وفي هذا الوقت بالذات، ليس مردها إلى سياسة الرجل أو إلى جرأته أو جنونه وإنما إلى توافر الشروط التي تجعل الإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ممكناً وليس مكلِفاً على الإطلاق، بل قد يكون مربحاً.

بكلام صريح وواضح، لا أظن أن موقف الرئيس الأميركي في موضوع القدس سيثير رد فعل من جانب الدول العربية من شأنه أن يضر بالمصالح الأميركية. جميع الدول العربية التي كانت، نظرياً على الأقل، مؤتمنة على القضية الفلسطينية والتي كانت تمثل معنوياً الكيان العربي أو العروبي، هي بين مدمرة بالكامل وبين شبه مدمرة أو مشلولة أو منبوذة أو تكاد في المحافل الدولية، لا صوت لها مشكوك في شرعيتها.

فمن البديهي أن الرئيس الأميركي لا يخاف الدول العربية المطلة على الخليج الفارسي، التي يبدو أنها تصالحت سراً مع المستعمرين الإسرائيليين، استناداً إلى أن العلاقة مع إسرائيل تشكل ضمانة لها في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية. أعتقد في هذا السياق، ان الدول العربية التي أتينا على ذكرها كونها الآن منكوبة بعد مسار طويل ابتدأ بالهزيمة الكبرى في حزيران 1967 تخللته منذ ذلك الحين الكثير من الانتكاسات والأخطاء حتى يومنا هذا، كانت تمثل وزناً فارقاً على الساحة العربية يحسب له حساب في مقاربات الدول الغربية ومن ضمنها الولايات المتحدة الأميركية لما يجري على هذه الساحة.

وفي سياق آخر لا أعتقد أن إعلان رئيس الولايات المتحدة الأميركية، القدس عاصمة لاسرائيل، سيغير الأمور على صعيد فلسطين والإحتلال وجدار الفصل والحصارات، وعذابات الفلسطينيين. بتعبير آخر لم تنتظر تل ابيب هذا الإعلان لكي تضم القدس، إدارياً وسياسياً إلى كيان الاحتلال، وهي أعلنت ذلك منذ زمن بعيد. ما أود قوله هنا أن استيلاء إسرائيل على القدس لم يمنع وجود علاقات ديبلوماسية بين إسرائيل من جهة ومصر والأردن من جهة ثانية، كما ان الدول العربية المطلة على الخليج الفارسي لم تأخذه في عين الإعتبار في «التطبيع» و«المصالحات» العلنية والسرية بينها وبين إسرائيل. فالرأي عندي هو أنه ليس باستطاعة أية دولة عربية في الظروف الراهن أن تتخذ إجراء مهما كان شكله ضد الولايات المتحدة الأميركية. ولا شك في أن هذه الأخيرة تعرف ذلك كونها تعرف أيضاً أن إحتمالية المواجهة بينها من جهة وبين دولة عربية من جهة ثانية هي معدومة.

ولكن هذا لا يعني أن الناس سوف لا يتأثرون بالإستفزاز الأميركي وأنهم سوف لا يعبرون عن سخطهم وكرههم للولايات المتحدة الأميركية. ربما يكون هذا ما تسعى إليه الولايات المتحدة الأميركية، بعد أن كان لها الدور الرئيسي في نشر الفوضى في بلدان مثل العراق وسورية ولبنان، فمن غير المستبعد أن تدعي أحقية إعادة تنظيم الأمور فيها، بنفسها! هذا حدث في العراق ثم في لبنان.. وقد يتكرر في لبنان وفي سورية!

ثريا عاصي - جريدة الديار 

6