من شعارات التابوت وبيروت إلى هتافات التأييد للجيش

من شعارات التابوت وبيروت إلى هتافات التأييد للجيش
الأربعاء ٢١ مارس ٢٠١٨ - ٠٣:٣٣ بتوقيت غرينتش

جندي يمسك بزجاجة ماء ويضعها على فم طفل ، وآخر يساعد شيخاً كبيراً في السير، انبعثت جموع الخارجين من الغوطة وكأنها في مشهد تحضيري ليوم الحشر، لم يكن صراطها المستقيم سوى السير باتجاه واحد فقط، نحو الجيش العربي السوري.

العالم - مقالات وتحليلات

استُقبل جميع الخارجين أفضل استقبال، وتم تأمين العلاج اللازم لكل من يحتاجه، فضلاً عن الطعام والمأوى، مشهد لم يكن مرددو شعارات التابوت وبيروت ليفعلوه لو وقع بأيديهم أحد مؤيدي الدولة قبل سنة من هذه السطور، لا تزال آثار أقفاص مختطفي عدرا العمالية محفورة في شوارع دوما، ولا زال أصحابها رهائناً هناك.

لم يكن مشهد أهالي الغوطة الخارجين سوى رسالة للسوريين في المناطق التي لم تتحرر بعد، بضرورة الخروج من مناطقهم لينعموا بطعم الحياة، كما أن ذلك المشهد أظهر العديد ممن شاركوا بمظاهرات ورفعوا شعارات ويافطات طائفية ومعارضة وبعضهم ممن حمل السلاح، أظهرهم اليوم يرددون عبارات التأييد للجيش السوري، وأقسى عبارات الذم لإرهابيي مناطقهم.

بغض النظر عن صدق هؤلاء من عدمه، فلا شك بأن الإنسان بفطرته يبحث عن الأمان والغذاء، ويخاف الحرمان والظلم، وقد شعر هؤلاء بالفرق بين معيشتهم سابقاً في كنف الدولة، وبين العيش تحت ظل اللحى والسلاح “الجهادي” من أبناء مناطقهم.

لم يبقى سوى إعادة تأهيلهم إنسانياً، ونسف كل تلك المعتقدات التي تشربوها مع أبنائهم تجاه باقي المكونات السورية، وتعرية الفكر الوهابي الذي تغلغل على مدى أكثر من 8 سنوات بل وقبل الأزمة حتى في كل مناطق الغوطة، وليس الفقر سبباً لذلك، لأن معظمهم كان يعيش في رفاهية أكثر من غيرهم في بقية الريف السوري.

الدولة السورية لكل أبنائها، وبغض النظر عن الآراء المختلفة في الشارع السوري بين مؤيد مرتفع الحساسية بإنسانيته وآخر مقهور بسبب ما خسره بسبب مسلحي الغوطة، فإن الصحيح أن منطق الدولة هو الأفضل كل مخطئ بغض النظر عن خلفيته المناطقية والفكرية والعقائدية والسياسية فهو مرحب به شرط تخليه الكامل عن الإرهاب وأفكاره، وبما أن الواجب هو وضع كثيرين من أهالي الغوطة في مراكز علاج نفسي تغير من أفكارهم ونقصد هنا المتطرفين منهم، فكذلك على الباقي الكف عن الحديث بعبارات الذم والتخوين، حتى ولو كانت مدمغة بعشرات الحجج الصحيحة التي تكشف مدى الجهل والتعصب الذي كان ولا زال مستشرياً في منطقة ما، فلو احتفظ كل طرف بما في نفسه، فإننا لن نصل إلى حل يعيد الجميع للعيش معاً حتى لو تحررت سوريا كلها، ببساطة لا يستطيع لأحد أن يلغي أحداً.

الدولة تبذل جهدها حالياً في ملف الغوطة، استيعاب الخارجين في ملاجئ وتأمين ما يلزم لهم، لكن من الضروري أيضاً أن تقوم الحكومة بإقامة مراكز علاج نفسي لهؤلاء أيضاً، فمن عاش سبع سنوات في محيط تكفيري ومتعصب وإجرامي، ومن شاهد ذبح إنسان وقتله وكأنه مشهد اعتيادي يومي لا بد له من علاج، والأهم من كل ذلك هم أطفال الغوطة وضرورة إعادة تربيتهم بحيث لا يشكل جزء منهم خطراً على المجتمع السوري ونسيجه.

المشهد باختصار كان شبه إعلان رسمي لانتصار سورية، ذات تلك البيئات التي حملت أعلام الانتداب وشعارات التكفير والتطرف، هي ذاتها من تردد هتافات التمجيد والتأييد للقيادة السورية وجيش البلاد.

علي مخلوف / عاجل

109-2