تطورات الميدان السوري ترسم مسارا آخر للسياسة

تطورات الميدان السوري ترسم مسارا آخر للسياسة
الخميس ٢٦ أبريل ٢٠١٨ - ٠٩:٥٠ بتوقيت غرينتش

باتت الظروف السياسية في سوريا بعد تحرير الغوطة الشرقية والعدوان الثلاثي الغربي الفاشل على سوريا مختلفةً عما كانت عليه قبلهما. المشهد السياسي مُعقّدٌ ويشهد الكثير من الخلافات بين الدول الكبرى وعلى رأسهم روسيا وأمريكا المتناحرتان والمؤثّرتان جداً في مجريات الأحداث السورية العسكرية والسياسية.

العالم - مقالات وتحليلات

لكن بكل تأكيد، ما لم يستطع الغرب أخذه في الميدان لن يأخذه بالمسارات السياسية و أولها جنيف الذي يجب إحياؤه وفق المعادلات الميدانية الجديدة المذكورة وأثرها على توازنات القوى السياسية المتصارعة فيه، الأمر الذي يجب أن تتوقف عن تجاهله الدول الغربية التي اجتمعت في بروكسل مؤخراً لمنح وجمع بعض مليارات الدولارات لمساعدة سوريا و إحياء عملية جنيف السياسية بحسب ما ادعت تلك الدول المانحة.

في هذا السياق، قال مصدرٌ سياسي سوري لموقع "العهد" الإخباري إنّ "الظروف السياسية الحالية بين الدول المعنية بالملف السوري قد تغيرت ويجب أن يأخذ الغرب بعين الاعتبار التطورات الميدانية الحاصلة في سوريا وأولها تحرير الجيش السوري للغوطة الشرقية و تداعيات الضربة الثلاثية العدوانية الفاشلة على سوريا، وبذات الوقت يجب أن يُستأنفَ العمل السياسي بعد هذه التطورات العسكرية من أجل حل الأزمة".

المصدر أشار إلى أنّ "المعطيات السياسية التي تحصل لا تشير بالفعل إلى نوعٍ من التوصل إلى بعض الخيوط الجامعة للدول الكبرى و على رأسهم روسيا وأمريكا التي تكمن عقدة المشكلة السياسية في توصلهما لتفاهم حول سوريا التي ستكون المفصل في بناء نظام دولي جديد، وحولها تدور المشاكل إذ إن أمريكا لا تريد أن تأخذ روسيا والصين مكاناً كبيراً في هذا النظام العالمي الجديد ولا تزال تحاول الشد والجذب لمنع حصول هذا الأمر رغم عدم جدوى ذلك، وكل ما يحصل الآن هو محاولة تبريد الأجواء المحقونة على المستوى الدبلوماسي".

ولفت المصدر السياسي السوري لموقع "العهد" إلى أنّ "كل هذه الأمور لا توحي بأن هناك طرفاً سياسياً يمكنه بالفعل أن يفضي إلى حل فالحراك السياسي الحاصل الآن قد لا يؤدي إليه ولا حتى إلى إجراءات جديدة في المسار السياسي مثل إحياء عملية جنيف، والدليل على ذلك تأكيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اتصاله الهاتفي مع نظيره الفرنسي ماكرون أن العدوان الثلاثي الغربي على سوريا قد عقّد العملية السياسية أكثر ولكن هذا لا يعني أيضاً أن يتم الدخول في المسار السياسي والبدء فيه من جديد لكن المعادلة في جنيف الآن أصبحت مختلفة وهذا ما يقصده القيصر الروسي بمعنى أو بآخر كما أنه لا ينفي العملية السياسية بقدر ما يتحدث عن أنّ التوازن حالياً سيغيّر من طبيعة جنيف وتكوين التمثيل على الأقل".

وأكد أنّ "ما يُفهم من كلام الرئيس الروسي ليس إيقاف العملية السياسية لكنها باتت في الوقت الحالي بلا جدوى طالما أنّ هناك انقساماً دولياً كبيراً بسبب انتهاكات الولايات المتحدة وأتباعها بعدوانها على سوريا وكسرها لكل القوانين الدولية باعتدائها على سوريا الذي لا يعطي أيّ أملٍ فعلي لبداية الحل السياسي الحقيقي".

اجتماع الدول المانحة الأخير هو تحدٍّ لروسيا بصريح العبارة، ومحاولة للضغط عليها أكثر فهم يتحدثون عن مرحلة ما بعد الحرب و الحالة الإنسانية التي ما تزال مغلقة نوعاً ما لأنهم يقولون أنهم سيقدمون دعماً مادياً لمناطق صراع ونزاع عسكري ويعتقدون أنّ إعادة الإعمار مهمة أوروبية أمريكية بالدرجة الأولى. والأمر ربما ليس كذلك أبداً على الأخص فيما لو حدث شيئ جديد داخل النظام الدولي الجديد وذلك حسب حديث المصدر السوري المطلع ذاته الذي أضاف قائلاً لـ"العهد" أنّه "منذ عام 1994 كانت كل عمليات إعادة إعمار ما تدمره الحروب والنزاعات مُناطة بالبنك الدولي وبمجموعة الدول الصناعية الكبرى تحديداً لكن الأمر في سوريا يبدو مختلفاً مع الدور الصيني  والدور الروسي الذين سيكون لهما بكل تأكيد شأن مختلف في قضية إعادة الإعمار رغم أن الأمر لا يزال حتى الآن مؤجلاً حتى الانتهاء من المعارك ضد التنظيمات الإرهابية بشكل كامل وهذا التأجيل هو الذي يجعل التحدي محتدماً لأن القضية ترتبط باستثمار اقتصادي بمعنى أنّ الأموال التي ستُجمع وتُنفق من أجل إعادة الإعمار هي حلقة من حلقات الاستثمار".

ترامب كرر نغمته في سحب القوات الأمريكية في سوريا ولكنه اشترط انتهاءها من مهمتها، ولطالما تحدث الأمريكان عن وجوب مواجهة الدور الإيراني في سوريا، وهنا يقول المصدر السوري المطلع ذاته أنّ "تصريحات ترامب هي تصريحات إرباك بالدرجة الأولى وليس أكثر أي أنه يحاول إرباك الدبلوماسية الدولية عند الحديث عن مسألة سحب القوات الأمريكية من سوريا أولاً وشد عصب الدول الأخرى كي يكون لها موقع داعم للدور الأمريكي في المنطقة وقد نجح في اعتدائه الأخير على سوريا في لم شمل بعض الدول وتحديداً بريطانيا وفرنسا شريكتاه في العدوان على سوريا ولكن هذا الأمر لا يمكن أن يستمر بشكل دائم".

المصدر : العهد

109-2