مصیر العلاقات بين إثيوبيا وإريتريا بعد عقدين من القطيعة

مصیر العلاقات بين إثيوبيا وإريتريا بعد عقدين من القطيعة
الإثنين ٠٩ يوليو ٢٠١٨ - ٠٦:٠٤ بتوقيت غرينتش

في لقاء تاريخي هو الأول من نوعه منذ نحو 20 عاماً، حل رئيس الحكومة الإثيوبية آبى أحمد، ضيفاً رسمياً على العاصمة الإريترية أسمرة، منهياً مرحلة قديمة من العداء التقليدي بين الجارين اللدودين في منطقة القرن الأفريقي.

العالم - افریقیا

وفي قمة غير مسبوقة وقع رئيس وزراء إثيوبيا، آبي أحمد علي، مع رئيس إريتريا، أسياسي أفورقي، "إعلان أسمرة" ليدشن صفحة جديدة في العلاقات بين إثيوبيا وإريتريا.

وتضمن الإعلان ضرورة تطبيع العلاقات بين البلدين مع فتح الحدود بينهما في وقت لاحق، وانسحاب إثيوبيا من المناطق التي تسيطر عليها.

الأزمة الحدودية بين إريتريا وإثيوبيا واسبابها

اندلعت الحرب بين البلدين في مايو 1998 وكان سببها المباشر النزاع حول منطقة بادمي الحدودية. خاض البلدان ثلاث جولات من القتال. أولى الجولات بدأت في يونيو 1998ثم تلتها جولتان، واحدة في فبراير 1999 والأخرى في مايو ويونيو 2000.

ولم تقتصر المعارك على منطقة بادمي بل شملت مناطقا أخرى هي زالامبسا على الجبهة الوسطى وبوري في الشرق بالقرب من سواحل البحر الأحمر.

في 18 يونيو 2000 وقع وزيرا خارجية البلدين، الإريتري هيلي درع (مختف قسرياً في إريتريا منذ سبتمبر 2001) والإثيوبي سيوم مسفن الذي غادر منصبه في 2010، بعد جهود إقليمية ودولية مضنية، وقعاً في الجزائر على اتفاق لوقف إطلاق النار بين بلديهما. وفي 12 ديسمبر 2000 وقعا زعيما البلدين، رئيس دولة إريتريا أسياس أفورقي ورئيس وزراء إثيوبيا الراحل، ملس زيناوي على اتفاقية سلام بين بلديهما في الجزائر أيضاً، بحضور شهود دوليين.

خسائر بشرية واقتصادية ضخمة

بجانب خسارتهما البشرية المهولة حيث قتل في الحرب ما لا يقل عن 80,000 جندياً، لحقت بالبلدين خسائر اقتصادية ضخمة بسبب الصرف على الحرب وتبعاتها وبسبب القطيعة المستمرة منذ اندلاعها قبل 20 عاماً.

خسرت إريتريا مليارات الدولارات بسبب توقف تجارتها الحدودية مع إثيوبيا والتي بلغت في 1997 ما نسبته %67 من تجارتها الخارجية، وبسبب توقف إثيوبيا عن استخدام مينائي عصب ومصوع.

والأسوأ أن إرتيريا وشعبها صارا رهينة لهذ النزاع من خلال تطبيق الحكومة لنظام خدمة عسكرية غير محدد الأجل مما دفع بعشرات الآلاف من الشباب الإريتري للهروب من البلاد حيث توفي المئات منهم إما غرقاً في البحار والمحيطات، أو عطشاً في الصحاري أو بسبب تعرضهم للعنف.

وأثرت الحرب سلباً على عملية الإنتاج في إريتريا بتجميدها نسبة كبيرة من القوى العاملة في معسكرات الجيش هذا بالإضافة للنفقات العسكرية التي وصلت إلى 20% من مجمل الناتج المحلي. واستخدمت الحكومة الإريترية حالة اللا حرب واللا سلم مع إثيوبيا كذريعة لرفض أي انفتاح سياسي ولتجميد الدستور والتضييق على الحريات العامة.

وخسرت إثيوبيا كثيراً بسبب الحرب والقطيعة. بجانب خسائرها البشرية أنفقت إثيوبيا على الحرب ما يقارب الثلاثة مليارات دولارات وخسرت مليارات أخرى بسبب توقفها عن استخدام مينائي إريتريا لأنها صار تدفع رسوماً أكثر وبسبب زيادة كلفة الشحن إلى أنحاء البلاد الأقرب إلى الميناءين.

ترسيم الحدود بين البلدين

وفي أبريل من عام 2002، تم تشكيل لجنة من خمسة أعضاء في لاهاي لترسيم الحدود بين البلدين، صادق على أعضائها كل من الحكومتين الإثيوبية والإريترية، حيث أصدرت اللجنة قرارها بترسيم الحدود بشكل سلمي ودائم. إلا أن السؤال الشائك هو من أين تبدأ هذه الحدود بين البلدين. فقد التهمت إثيوبيا عام 1962 إريتريا، هذه المستعمرة الإيطالية السابقة، التي خاضت حرب تحرير لمدة 30 عاماً ضد أديس أبابا، ونالت استقلالها في عام 1991، لتعود إلى أرض المعركة بعد سبع سنوات فقط عندما اندلع القتال على حدودها مع إثيوبيا.

وكانت نتائج لجنة ترسيم الحدود واضحة، ففي حين تم إلحاق بعض المناطق المتنازع عليها بإثيوبيا، فإن منطقة بادمي، التي كانت تعتبر بمثابة نقطة ساخنة في الحرب، تم ضمها إلى إريتريا. وخلصت اللجنة إلى أن إريتريا هي التي بدأت بالأعمال العدائية ـ وهو الادعاء الذي تنفيه أسمرا بقوة - ولكن في ما يتعلق بمطالبتها ببادمي فإن إريتريا على حق.

لكن المشكلة أن القوات الإثيوبية احتلت بالفعل بادمي والسهول المحيطة بها، وتعلم أديس أبابا أن شعبها من شأنه أن يحكم بقسوة على أي اتفاق يدعو إلى الانسحاب من هذه الأراضي التي احتلتها على حساب الآلاف من الأرواح الإثيوبية. لذلك قبلت الحكومة الإثيوبية بقرار لجنة الحدود، لكنها دعت إلى حوار على تنفيذ القرار، وبقيت قواتها على ما اعترفت اللجنة بأنها أراضٍ إريترية.

بعد قطيعة دامت عقدين.. إعلان للرغبة في تحقيق السلام

بقدر ما كان إعلان رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد آبي أحمد علي، رغبته في فتح صفحة جديدة مع دولة إريتريا أمرا مفاجئا، بقدر ما بدا مرآة لاستراتيجية سياسية يسعى لتنفيذها.

فالخطوة بدت بالفعل تعبيرا عن إرادة سياسية وقرار استراتيجي تحتمه الظروف لبناء سلام حقيقي مع الجارة الشمالية، حيث تجمعهما علاقات وشيجة على مستوى شعبي البلدين.

وكشف "آبي أحمد" عن رغبته في إنهاء الخلاف مع إريتريا، في أول خطاب له أمام البرلمان في الثاني من أبريل / نيسان الماضي، عقب توليه المنصب.

وقال آنذاك إنه مستعد للجلوس مع الحكومة الإريترية لإنهاء الخلاف عبر الحوار، فيما دعاها في الوقت ذاته إلى مبادلته نفس الرغبة.

وأضاف أن الشعبين الإريتري والإثيوبي تربطهما علاقات قديمة ويجب إنهاء هذه الخلافات.

وظلت العلاقات بين الجانبين تشهد تفاوتا إثر الحرب الحدودية التي اندلعت في مايو / أيار 1998 وتوقفت عام 2000، بعد وساطة إفريقية قادتها الجزائر، قبل أن يوقع البلدان اتفاقية سلام في العام ذاته.

لم يمض وقت على إعلان "آبي أحمد" رغبته في فتح صفحة جديدة مع إريتريا، حتى تمخضت اجتماعات اللجنة التنفيذية للائتلاف الحاكم بإثيوبيا بإعلان رسمي في هذا الاتجاه.

وأعلن الائتلاف الحاكم (الجبهة الثورية الديمقراطية لشعوب إثيوبيا) في 6 يونيو / حزيران الجاري، موافقته على التنفيذ الكامل لـ "اتفاقية الجزائر"، فضلا عن قرارات لجنة ترسيم الحدود مع إريتريا.

وبعد أسبوع من الإعلان، دافع رئيس الوزراء الإثيوبي عن قرارات اللجنة التنفيذية لتطبيع العلاقات مع إريتريا، معتبرا أن هذا القرار "ليس بالجديد".

لقاء زعيمي إثيوبيا واريتريا

ووصل رئيس وزراء إثيوبيا، آبي أحمد إلى العاصمة الاريترية، أسمره، حيث عانقه الرئيس الاريتري، أسياس أفورقي. وكانت تلك الزيارة التاريخية الأولى منذ إنهاء حرب حدودية أودت بحياة عشرات الآلاف في الفترة من عام 1998 حتى عام 2000 .

واستمرت العلاقة المتوترة بعد أن رفضت اثيوبيا قبول اتفاق السلام، الذي كان من المفترض أن يسلم السيطرة على مواقع حدودية رئيسية لإريتريا.

وكان ذوبان الجليد غير المسبوق في النزاع الدبلوماسي قد بدأ أوائل يونيو، عندما أعلنت إثيوبيا، تحت قيادة زعيمها الاصلاحي الجديد، أنها ستقبل بشكل كامل شروط اتفاق السلام لعام 2000 .

إعلان اتفاق سلام بين اثيوبيا وإريتريا وإنهاء حالة الحرب

عشرون عاما مرت قبل ان يدرك قادة اريتريا واثيوبيا انها ساهمت في تدمير البدلين وتشريد مئات الالاف على مدى عقدين. الرئيس الاريتري اسياس افورقي استقبل في حدث وصف بالتاريخي رئيس الوزراء الاثيوبي ابيي احمد. ليعلن البلدان اتفاقا لانهاء حالة الحرب بينهما بعد اللقاءات التي عقدها افورقي واحمد في اسمرة.والتي اكدا خلالها ان الفرص التي اتيحت للبلدين لانهاء الحرب ومعها معاناة الشعبين اهدرت في السابق فيما يجري الاستفادة من الفرص المتاحة حاليا لبدء صفحة جديدة.

وسيتيح الاتفاق لاثيوبيا المفتقدة للمنافذ البحرية الاستفادة من موانئ اريتريا، يعتبر فرصة لتحقيق السلام في منطقة القرن الافريقي التي تاثرت كثيرا بالحرب بين البلدين.

ومع اتفاق الطرفين على اعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما، تكون اولى خطوات نهاية حرب طويلة قد اتخذت.