هل تخلى الحلفاء عن أبوظبي؟

هل تخلى الحلفاء عن أبوظبي؟
الجمعة ٠٣ أغسطس ٢٠١٨ - ٠٦:٠٩ بتوقيت غرينتش

أثار تصريح وزير الشؤون الخارجية في دولة الإمارات العربية المتحدة، أنور قرقاش، العديد من التساؤلات حول أكبر حلفاء أبوظبي، ودعمها المستمر لها من عدمه، لا سيما أن الإمارات تحاول أن تقول إنها قادرة على الاعتماد على نفسها بدون الحلفاء.

العالم - الامارات

فقد أوضح قرقاش، في موقف غير مسبوق، خلال كلمته أمام مؤتمر في مركز  "Policy Exchange" للأبحاث في لندن، ونشرته الصحف الإماراتية الرسمية الجمعة، أن بلاده لم تعد تثق بأهم حلفائها من القوى العظمى المشاركة في القتال باليمن.

بل أبدى قرقاش استعداد الإمارات "لتحمل المزيد من العبء الأمني في الشرق الأوسط؛ لأنها لا تستطيع الاعتماد بعد الآن على العمليات العسكرية لحليفتيها؛ الولايات المتحدة وبريطانيا"، على حد تعبيره. 

ما ذهب إليه المسؤول الإماراتي جاء بعد تشكيك واسع بالدور الذي يمارسه التحالف العسكري باليمن، لا سيما الإمارات، التي تؤكد تقارير عالمية استغلال وجود قواتها باليمن للتوسع وفرض الوجود على حساب سكان البلاد، وهو ما أظهر خلافاً ظهر للعلن بطريقة "لطيفة" من قبل السعودية التي دعت الإمارات على سبيل المثال للخروج من سقطرى اليمنية وسحب قواتها من هناك، رغم إصرار أبوظبي على البقاء. 

وتؤكد هذه التصريحات أن وجود قوات إماراتية باليمن يتعلق بمصالح معينة تبتعد عن العنوان العريض للتحالف العسكري، الذي تقوده السعودية، وتعتبر الإمارات أبرز المشاركين فيه، بأن الغاية دعم الشرعية وإحلال السلام. 

أطماع إماراتية

وجود أطماع إماراتية في اليمن كشفه الوزير الإماراتي أيضاً في وقت سابق، حين أكد أن قوات بلاده باقية في اليمن وإن توصلت الأطراف إلى حلّ سياسي.

ففي يونيو الماضي، قال أنور قرقاش، إنه بعد التوصّل إلى حل سياسي في اليمن ستكون هناك حاجة لوجود محدَّد من قوات التحالف العربي التي تقودها السعودية؛ للقضاء على تنظيم "القاعدة" والإرهاب، وتحصين الدولة اليمنية.

وأوضح في مقابلة مع صحيفة "ديفينس ون" الأمريكية، نقلتها صحيفة إماراتية، أن "الدولة اليمنية التي ستنشأ بعد تنفيذ الحل السياسي ستكون في بداياتها ضعيفة، وستتعرّض لمضايقات شديدة إذا لم نتطرّق لمسألة الإرهاب".

وجاء تصريح قرقاش للصحيفة الأمريكية بعد الأزمة التي أشعلتها بلاده على إثر محاولة احتلالها لجزيرة سقطرى اليمنية، قبل أن تبدأ الانسحاب بعد استياء حكومة الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي، وتنديد دولي.

وفي يونيو الماضي، سحبت الإمارات قواتها من جزيرة سقطرى، التي تبعد 350 كيلومتراً عن سواحل اليمن الجنوبية.

وجاء الانسحاب بعد شكوى تقدّمت بها حكومة الرئيس المستقيل هادي إلى الأمم المتحدة، وبعد التوصّل لاتفاق رعته السعودية، وينصّ على عودة الوضع في سقطرى إلى ما كان عليه قبل وصول تلك القوات دون إذن من حكومة الهارب هادي.

وفي مقابل انسحاب العسكريين الإماراتيين حلّت بالجزيرة قوات سعودية، قالت الرياض إنها ستتولّى تدريب القوات اليمنية.

وكانت حكومة المستقيل هادي وصفت الإنزال الإماراتي في سقطرى بأنه "وجود عسكري غير مبرّر"، مؤكّدة أن جوهر الخلاف مع الإمارات يكمن في السيادة ومن له الحق في ممارستها.

الإمارات.. انتهاكات واسعة في اليمن

اتهامات عديدة، كثير منها تَوَثق في تقارير دولية، تشير إلى انتهاكات تمارسها القوات الإماراتية بحق يمنيين.

ففي 10 من يوليو الجاري، طالب وزير داخلية هادي، أحمد الميسري، الإمارات بإغلاق سجونها في بلاده وإخضاعها للقضاء، في وقت تظاهرت فيه أمهات المختطَفين والمعتقَلين والمخفيّين قسراً أمام منزل الوزير في عدن؛ للمطالبة بالكشف عن مصير أبنائهن وسرعة الإفراج عنهم.

وفي وقفة احتجاجية أمام منزل الميسري بعدن، دعت أمهات المختطَفين والمعتقَلين والمخفيّين قسراً الحكومة إلى الكشف عن مصير أبنائهن، وسرعة الإفراج عنهم وتمكينهم من حقوقهم الإنسانية.

وأبدت الأمهات صدمتهن من تصريحات علي ناصر نائب وزير الداخلية في حكومة المستقيل هادي، التي نفى فيها وجود سجون سرية في عدن وحضرموت، رغم أن عشرات من أبنائهن مخفيُّون قسراً منذ شهور.

وكانت منظمات حقوقية دولية كشفت عن وجود ما لا يقل عن ثمانية سجون سرية في مدن عدن والمكلا وسقطرى وحضرموت جنوبي اليمن، تدار من قِبل تشكيلات عسكرية خارجة عن سيطرة السلطة اليمنية، وقالت: إن "هذه التشكيلات تشرف عليها قوات إماراتية".

وذكرت تقارير لمنظمة سام للحقوق والحريات، ومقرها جنيف، الشهر الماضي، أن لديها وثائق ودلائل تثبت ما جاء في التقرير، مؤكدة أن اتهام هذه القوات قائم على أدلة وحقائق وثَّقتها فرق رصد ميدانية تابعة للمنظمة الحقوقية.

وأشارت إلى أن بعض المعتقلين محتجَزون منذ سنة ونصف السنة؛ بحجة عدم وجود سلطة قضائية، وتمارَس ضدهم انتهاكات كبيرة.

وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش ووكالة أسوشييتد برس الأمريكية قد أصدرتا تقارير سابقة، اتهمت الإمارات بإدارة سجون سرية في اليمن وتعريض المسجونين للتعذيب، في حين طالبت منظمة العفو الدولية بالتحقيق العاجل في الأمر.

تعاظم الاتهامات بحق الإمارات، التي تعتبر حليفاً للولايات المتحدة وبريطانيا، أثر على تعاطي هاتين الدولتين مع أبوظبي، وهو ما أكدته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية.

حيث ذكرت المجلة الأمريكية، في وقت سابق من يوليو الجاري، أنه "في الوقت الذي تستمر  إدارة ترامب في تقديم الدعم للتحالف السعودي-الإماراتي، فإن صبر الكونغرس بدأ ينفد على ما يبدو".

وبينت أن العضو البارز في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي التي تشرف على مبيعات الأسلحة، بوب مينديز، هدد بعرقلة صفقات أسلحة تبلغ قيمتها نحو ملياري دولار أمريكي للسعودية والإمارات، بينها نحو 120 ألف ذخيرة يمكن أن تستخدم في الحرب باليمن.

وقال مينديز في رسالة وجَّهها لوزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، أعرب عن القلق من أن "سياساتنا تمكّن من استمرار الصراع، الذي أسفر عن أسوأ أزمة إنسانية في العالم".

وينشغل مينديز حالياً مع أعضاء آخرين من أجل مناقشة بند إصدار مشروع قانون الدفاع لعام 2019، الذي سيسعى لإنهاء التدخل الأمريكي.

 أنظار الإمارات على الحديدة

وينتظر اليمن، بحسب تقارير أممية، كارثة إنسانية في الحديدة إن نشبت معركتها؛ وهو ما تسعى إليه الإمارات، التي تحاول السيطرة على ميناء هذه المدينة الذي يمثل الرئة لليمن؛ إذ ترد عبره أغلب المساعدات والبضائع. 

وفي السياق تقول صحيفة "ناشينال إنترست" الأمريكية، إن "معركة الحديدة هي محاولة لتحسين المواقف الميدانية السعودية والإماراتية قبل المفاوضات المستقبلية، خاصة أن مبعوث الأمم المتحدة الجديد مارتن غريفيث، يعمل حالياً على تسويق خطة سلام لإنهاء أزمة الحرب في اليمن".

 هل تستغني الإمارات عن الخبرات الأمريكية؟

الإمارات تعتمد بشكل كبير في تقوية قواتها على الخبرات الأمريكية، وهو ما كشفته صحيفة "إنتلجنس" الاستخباراتية الفرنسية، في يونيو الماضي، مبينة أن الإمارات وظفت ضباطاً أمريكيين لتحسين أداء قواتها البرية التي تخوض الحرب في اليمن.

وأضافت أن مؤسسة إماراتية تدعى شركة "المعرفة الدولية" وظفت أعضاء سابقين في البنتاغون لهذا الغرض، مشيرة إلى أن "الجنرال المتقاعد جيمس تشامبرز انضم إلى الشركة؛ لرفع مستوى أداء القوات اللوجستية الإماراتية".

وأوضحت أن الشركة الإماراتية استأجرت محاربين أمريكيين قدامى خاضوا معارك في العراق وأفغانستان، من بينهم العقيد لو ماريش، وقالت إن الجنرال المتقاعد وليام ويبستر، الذي عمل نائباً للقائد العام للقوات البرية في العراق، يعمل أيضاً مع القوات الإماراتية.

 وتحاول الشركة الاستفادة من خبرات العقيد المتقاعد مارك بينيديكت لتحسين أمن العمليات، إضافة إلى المنسق السابق للاستخبارات خلال حرب العراق كيث غيغر، بحسب إنتلجنس.

ومع اعتماد الإمارات على هذه الخبرات الأمريكية، كشفت صحيفة "الغارديان" البريطانية عن أن واشنطن قد تقطع المساعدات العسكرية الأمريكية عن التحالف في حال شنّ عمليات عسكرية في ميناء الحديدة.

وذكرت الصحيفة أن مجلس الشيوخ (أحد مجلسي الكونغرس الأمريكي) يسعى لإبلاغ الإمارات والسعودية بأن الهجوم المحتمل على الحديدة قد يؤدي إلى قطع المساعدات الأمريكية عن تحالف العدوان على اليمن.

وأبلغت وزارة التنمية الدولية في بريطانيا كل وكالات الإغاثة العاملة في اليمن بضرورة وضع خطط طوارئ؛ تحسباً من هجوم وشيك على ميناء الحديدة الاستراتيجي، ما قد يؤدي إلى توقف كل الإمدادات الإنسانية، والتسبب بـ"مجاعة حقيقية".

 وقالت الوزارة: "إن (قوات) الإمارات (الموجودة في اليمن) أمهلت الأمم المتحدة وشركاءها 3 أيام لمغادرة الحديدة"، داعية إلى ضرورة اتخاذ جميع الاحتياطات اللازمة بشأن الأمر.

وفي تغريدة عبر "تويتر"، قال وزير شؤون الشرق الأوسط البريطاني، أليستر بيرت: "يساورنا قلق بالغ لأن منظمات الإغاثة لا تحصل على ضمانات أمنية في اليمن، ويجب على جميع أطراف النزاع السماح بوصول إنساني آمن وسريع، دون عوائق".

وذكرت الصحيفة البريطانية أن الضغط على الإمارات للموافقة على وقف إطلاق النار ليس له تأثير كبير، وأيضاً فإن الحكومة الأمريكية لا ترغب بطلب ذلك من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان؛ "خشية تعرُّض العلاقة معه لنوع من التوتر".

وحذرت الأمم المتحدة في وقت سابق، من خطر يهدد حياة ربع مليون يمني معرضين للموت؛ نتيجة الهجوم المتوقع على ميناء الحديدة، الذي تصل عبره 80% من المساعدات.

وقال رئيس لجنة الشؤون الخارجية البريطاني، توم توغندهات، إنه كان يسمع تقارير مثيرة للقلق عن أن القوات الإماراتية قد تكون على وشك توجيه ضربة عسكرية للحديدة، معتبراً أن هذا "خطأ ويترتب عليه عواقب إنسانية وبيئية هائلة".

ورجح المخططون العسكريون أن الهجوم قد يتسبب بكارثة إنسانية، وأنه سيكون خطأً استراتيجياً من الناحية العسكرية؛ لكونه سيعطل وصول المساعدات الإنسانية؛ ما قد يدفع إلى وضع أطراف النزاع تحت عقوبات الأمم المتحدة وفقاً للقرار 2216.