إثر تطبيقه شعار "امريكا اولا"..

ماذا بعد إنسحابات ترامب من الإتفاقيات الدولية؟

ماذا بعد إنسحابات ترامب من الإتفاقيات الدولية؟
الأربعاء ٠٢ يناير ٢٠١٩ - ١١:٣٥ بتوقيت غرينتش

منذ دخوله حملة الإنتخابات الرئيسية رفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، شعار "أمريكا اولا"، وأعلن أنه سينسحب من عدة اتفاقيات دولية إذا ما نجح في الوصول الى البيت الأبيض.

العالم- تقارير - امريكا

وبهذا الشعار إنخدع الأمريكيون بوعود ترامب المعسولة، ظنا منهم انه سيقود أمريكا للتخلص من الأعباء الغير مرحب بها في البلاد والتي تثقل كاهل اقتصاد البلاد، وهي التي تقف حجر عثرة أمام تذليل مشاكلهم اليومية.

لكن مع وصول ترامب الى البيت الأبيض، ظهرت بوادر تطلعاته الذاتية التي بات يفضل رأيه فيها على كل المصالح الأمريكية، وكلما عارضه الكونغرس بحزبيه الديمقراطي والجمهوري، ظل ترامب ذو عقلية السمسار الذي يواصل ما كان يطمح اليه من قبل، دون ان يعبأ بتداعيات خروجه من الإتفاقيات التي وقعته بلاده من قبل في إطار البروتوكولات الدولية.

وبما أن سلوك أمريكا وخاصة سياستها الخارجية مبتنية على إنتهاج السلوك الإستكباري وممارسة البلطجة السياسية، قرر ترامب الخروج من الإتفاقيات الدولية متذرعا، أن لا طائل من البقاء ضمنها سوى "الدفع المالي"، الذي لم يكن لصالح الولايات المتحدة الأمريكية على حد زعمه، وسنحاول التطرق الى أهم الإتفاقيات التي انسحب منها ترامب منذ وصوله الى السلطة.

اولا- ما ان دخل ترامب البيت الإبيض حتى أعلن إنسحاب بلاده من إتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ التي وقعتها بلاده مع 11 دولة من منطقة أسيا والمحيط الهادئ بإستثناء الصين، عام 2015، معلنا بأنه سيعمل على إعادة الوظائف والصناعات الأمريكية الى داخل الوطن.

وقد نفذ ترامب انسحابه من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ المعروفة بـ ( TPP) في الثالث والعشرين من كانون الثاني عام 2017. ولم يسلم ترامب من الإنتقادات التي وجهت اليه إثر هذا الإنسحاب حتى أن اقرب الحلفاء لأمريكا وجهوا اليه النقد اللاذع، لكنه استمر في مواقفه الرافضة في إبقاء امريكا ضمن الاتفاقيات الدولية التي لا يرى طائل لها.

ثانيا- إنتظر السيد الجديد للبيت الابيض اكثر من ستة أشهر منذ دخوله البيت الأبيض ليعلن إنسحابه من اتفاقية المناخ التي وقعته غالبية دول العالم، في العاصمة الفرنسية باريس، والتي عرفت بعد ذلك بإتفاقية باريس للمناخ. وتذرع ترامب أن القيود المالية والاقتصادية الشديدة التي تفرضها اتفاقية باريس على موقعيها، لن تصب في صالح الولايات المتحدة، بل إنها تخدم مصالح الصين والهند أكثر من أي بلد آخر- على حد زعمه -، وأن واشنطن ستكون في حل منها بعد اليوم.

تصريحات ترامب هذه شهدت العديد من الردود السلبية، من اطراف وشخصيات إقليمية ودولية وفي مقدمتها رئيس المفوضية الاوروبية جان كلود يونكر الذي وصف قرار ترامب في تغريدة له على تويتر بالقول: "انه قرار خاطئ إلى حد خطير".

كما اعربت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل عن اسفها لقرار ترامب، ودعت الدول الموقعة على الاتفاقية مواصلة "السياسة المناخية التي تحفظ الأرض من كل خطر".

هذا الخروج الأمريكي حمل ميركل للقول بأن الاتحاد الاوروبي سيواصل شراكاته وسيوقع تحالفات جديدة مع دول تتمتع باقتصادات عالمية وقوية. كما أصدرت ألمانيا وفرنسا وايطاليا، بيانا أعربت عن اسفها للإنسحاب الامريكي من اتفاق باريس، معلنة أنها لن تقبل إعاد التفاوض في هذا المجال.

ثالثا- ومع الذكرى السنوية لتوقيع الثالثة لتوقيع الاتفاق النووي الذي صادفت في العام الأول لوصول ترامب الى البيت الأبيض، عمد الأخير الى الإنسحاب من الإتفاق الذي وقعته بلاده في مايو أيار 2015 ضمن المجموعة الدولية السداسية مع ايران، ليعلن أنه اسوأ اتفاق عرفته الولايات المتحدة الامريكية، وان لا طائل من البقاء فيه.

وكان ترامب يزعم أن إيران لم تلتزم بتعهداتها الواردة في الاتفاق بشأن برنامجها النووي، دون أن يقدم اي دليل على ذلك. في حين ان الوكالة الدولية للطاقة الذرية كانت قد اكدت في اكثر من عشرة تقارير إلتزام طهران بالإتفاق النووي والتعاون مع مفتشي الوكالة، تاركا الكرة في ملعب الكونغرس ليقرر مصير الأتفاق.

أما الكونغرس بدوره رفض قرار ترامب وبقي الحديث بشانه عالقا حتى كتابة هذه السطور.

رابعا- منذ مطلع العام 2018 هدد ترامب بقطع المساعدات التي كان يقدمها لمكتب الأمم المتحدة لتشغيل الفلسطينيين (الأنروا)، بذريعة ان الفلسطينيين لم يستيجبوا لمساعي السلام، وقد قام بتنفيذ تهديداته في الـ 31 من آب/إغسسطس 2018. الأمر الذي أثار غضب الشعب الفلسطيني وحرم الكثير من الفلسطينيين المشردين من ادنى الحقوق التي كانت قد اعترفت بها المنظمة الأممية، وترك الباب مفتوحا امام استمرار إعتداءات كيان الإحتلال الإسرائيلي وتضييق الخناق على الفلسطينيين.

كما هدد ترامب في العشرين من نوفمبر تشرين اول عام 2018 بالإنسحاب من معاهدة التخلص من الصواريخ المتوسطة وقصيرة المدى التي وقعتها بلاده مع روسيا الإتحادية، الأمر الذي اثار غضب موسكو ودفع المتحدث الصحفي بإسم الرئاسة الروسية للقول ان بلاده ستتخذ الإجراءات اللازمة لتحقيق التوازن الإستراتيجي إذا ما نفذت واشنطن تهديدها بالإنسحاب من المعاهدة.

وبالرغم من ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اعلن استعداده للحوار مع واشنطن لكنها بقيت متحفظة على ذلك بعد أن لمست جدية القرار الروسي في المضي قدما لإتخاذ ما يلزم بعد خروجها من الاتفاق.

خامسا- وأخيرا أطل الرئيس الامريكي دونالد ترامب على العالم في مطلع العام الجديد ليعلن قراره وكيان الإحتلال الاسرائيلي الخروج من منظمة التربية والعلوم والثقافة التابعة(اليونيسكو) للأمم المتحدة بسبب انتقاداتها المتكررة لضم الاحتلال الكیان الصهیوني القدس الشرقیة، وإعتبار مدينة القدس موحدة، وعاصمة ابدية لكيان الإحتلال دون ان يعترف الكيان بتصنیف مواقع أثریة إرثاً فلسطینیاً، وأن فلسطين حصلة على تأمین العضویة الكاملة فی الأمم المتحدة. الأمر الذي دفع الولايات المتحدة لإجراء ما وصفته 'إصلاحات جذریة' في هذه المنظمة التي تشتهر ببرنامجها 'إرث العالم' الذي تمّ وضعه بهدف حمایة المواقع الثقافیة والتقالید.

والجدير بالذكر ان وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف ليسخر من قرار الرئيس الامريكي بشأن الخروج والكيان الصهيوني من منظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو). وما يلفت الانتباه في تغريدة الدكتور ظريف انه قال ان امريكا وبعد خروجها المتتالي من الإتفاقيات الدولية "لربما تخرج مع الكيان الصهيوني من كوكب الأرض ايضا". وتساءل ظريف هل بقي شيئ لتخرج منه ادارة ترامب وربيبها الكيان الصهيوني، ولربما يخرجان دفعة واحدة معا من كوكب الأرض.

ويرى المراقبون ان الخروج الأخير لأمريكا وكيان الإحتلال الإسرائيلي، اكثر قربا لسلوك النظامين، اللذين لايعترفان بأي ثقافة ولا أي تراث، ويصران على إنتهاج البلطجة السياسية دون الإكتراث بالأطراف المحلية والإقليمية والعالمية، وإن خروجهما من الإتفاقيات سيكون عاملا في كشف المزيد من حقيقتهما للرأي العام العالمي. والأيام بيننا.

*عبدالهادي الضيغمي