علاج السرطان بالزيوت والأعشاب بدلاً من الكيماوي

علاج السرطان بالزيوت والأعشاب بدلاً من الكيماوي
الثلاثاء ١٩ فبراير ٢٠١٩ - ١٠:٣٢ بتوقيت غرينتش

«قولي لي لماذا عليَّ أن آخذ علاجكِ الكيماوي، في حين أن بإمكاني التداوي بوسيلة طبيعية!».

العالم - منوعات

لقد كان وجهه حازماً، وذراعاه مضمومين بوضعيةٍ دفاعية، فيما حمل صديقه كتيباً يعرض سيدةً يبدو عليها أنَّها تتمتع بصحة جيدة وشعرٍ فاتن وبشرة متوهجة بصورة مثيرة للشك. كان هذا هو الموعد العاجل الذي اضطررتُ لإنهاء مواعيد المرضى الآخرين على عجلٍ لأفسح له بعض الوقت.

أعلم أنَّه عليَّ ألا أهرع لتناول هذا الطعم؛ لكنِّي كالمدمنين كنتُ أود أن أقول: «إذا فلتمضِ قدماً واحصل على الشفاء. وسأراك مرةً أخرى بالتأكيد؛ لكنَّ جسدك سيكون مدمراً، وأكثر وهناً، وستكون نادماً على حقيقة أنَّ الأوان قد فات».

لحسن الحظ تدخلت قواعد السلوك. وبدأتُ أدرك رعبه. وأتذكر وظيفتي. قلتُ له: «أخبرني بالمزيد».

أسمع عن الرجل الذي يستخدم الموجات، والمرأة التي تعزز المناعة، وبائع الأعشاب النقية. إنَّهم جميعاً المعالجون ذوو القدرة الإقناعية التامة، والمعتمدون من مجموعاتٍ من مستخدمي الفيسبوك المتخفين.

سألني: «ما الضمان الذي يقدمه علاجكِ الكيماوي بأي حال؟».

لديّ ردٌ حاسم على هذا السؤال، أتقنته على مدى ليالٍ طويلة لم أذق فيها طعم النوم: «في الحياة، لا توجد ضمانات؛ لكنَّك مصاب بسرطان قابل للعلاج. نعم، ستكون هناك آثار جانبية؛ لكنَّنا قادرون على التعامل معها. لا يمكنني ضمان أي علاج؛ لكنَّني سأوصي دائماً باختيار علاجٍ مثبت بالأدلة بدلاً من المغناطيس ذي القدرة المزعومة على سحب الخلايا السرطانية. وبما أنَّنا نناقش هذا، فاعلم أنَّه ليس علاجي الكيماوي. ما يمول عملي هو ضرائبك، ولن أتربح من إعطائك العلاج الكيماوي».

لكن كم مرة قيل لي إنَّه لو قلل أخصائيو الأورام من غطرستهم قليلاً وأنصتوا أكثر، لكان من الممكن أن نستميل الكثير من الأشخاص؟

لذلك، أُمسك لساني مرةً أخرى، وأتذكر الممرضة القلقة التي رجتني أن أقنعه. وفيما أتحدث معه عن خياراته الكثيرة، بترتيبها من الأخف إلى الأشد، تذكرتُ المريض الذي استبدل العلاج الكيماوي بالزيوت الأساسية، والمريض الذي اختار أن «يحرق» الورم، والمريض الذي اقترح عليَّ أن أصبح مندوبة مبيعات لعصيرٍ ينقذ الحياة.

يقول لي: «إنكِ لا تقنعينني». فأجيبه: «أمامك الحقائق، والقرار يعود إليك».

اعتدتُ الاعتقاد أنَّ هذه الآراء الأخرى تمنح مرضاي بصيرةً وتحثهم على التغيير؛ لكن ما تعلمته خلال السنوات القليل الماضية هو أنَّ مرضى السرطان الباحثين عن علاجٍ بديل يتمسكون بمعتقداتهم أكثر من أي وقتٍ آخر. وبفضل مواقع التواصل الاجتماعي، والقدرة على تنقية وجهات النظر المتصارعة، ووجود جماعات تأييد لكل فكرة مريعة، يصل هؤلاء الناس مقتنعين بنظرياتهم. ويصبح الجدال معهم مهمةً مستحيلة.

وعلى الرغم من كونهم يحظون بأطول النقاشات، التي تأتي على حساب وقت غيرهم من المرضى المحتاجين، هؤلاء الأشخاص عادةً يكونون الأكثر سخطاً لأنَّ متخصصي الأورام مثلي يقولون الحقيقة بإقناعٍ أقل من الدجالين الذين يعدونهم بكل شيء؛ لكنَّهم في النهاية لا يمنحونهم أي شيء عدا الموت منفردين في غرفة طوارئ غير مألوفة، أمام أعين عائلاتهم المليئة بالحيرة والارتباك.

وفي عصرٍ مليء بالأخبار الزائفة، كان من الطبيعي أن يتعرض علاج السرطان لنفس الهجوم.

أجرت الجمعية الأمريكية لعلم الأورام السريري استبيانٍاً تحدثت فيه مع 4000 أمريكي بالغ، ربعهم من مرضى السرطان أو كانوا كذلك. وقد وافق 40% منهم «إلى حدٍّ ما» أو «بقوة» على إمكانية علاج السرطان باستخدام الأوكسجين أو النظام الغذائي أو الأعشاب وحدها. وذلك على الرغم من أنَّ المرضى الذي يختارون من تلقاء أنفسهم أن يتداووا بالعلاجات البديلة معرضون أكثر لخطر الموت، ومن يكن منهم مصاباً بالسرطان في مراحله الأولى، مثل سرطان الثدي أو الأمعاء، يواجهون معدل وفيات أكبر بنسبة أربعة إلى ستة أضعاف، مقارنةً بمن يختارون العلاج التقليدي.

ومن المنطقي الاعتقاد بأنَّ المرضى في العصر الحديث، مع قدرتهم على الوصول إلى عدة قنوات لفحص المعلومات، والكثير من مصادر التحذيرات الصحية، سيستخدمون هذه القنوات لمصلحتهم. إلى جانب أنَّ شباب اليوم يوصفون بأنهم يتمتعون بذكاءٍ وإدراكٍ أكبر. لكن مع الأسف، وجد الاستبيان أنَّ ما يقرب من نصف الأشخاص البالغين الأقل من 53 عاماً يعتقدون أنَّ السرطان يمكن علاجه بالعلاجات البديلة فقط. وحتى في أوساط المتأثرين بالسرطان بشكلٍ مباشر، يؤمن الربع بالعلاج البديل أكثر من العلاج التقليدي. وإن كان ثمة من أحد يأمل بأن تساعدهم عائلاتهم على رؤية الصواب، فأكثر من ثلث مقدمي الرعاية لمرضى السرطان يتشاركون هذا الإيمان المُضلل بالعلاجات البديلة.

لا تشفي الإنزيمات ولا الموجات ولا المغناطيس السرطان، بل وتكلف المريض مالاً مع كل خطوة. وكل زجاجة صغيرة من مواد غير معروفة وغامضة في كثيرٍ من الأحيان أو من مواد سامة تكلف مئات الدولارات. ناهيك عن الاستشارات التي تتظاهر بقراءة العينين واستشعار الطاقة لعلاج السرطان، حتى مع تدهور حالة المريض. كيف أعرف كل ذلك؟ لأنَّ المرضى المحتضرين يروون هذه القصص في محاولة أخيرة لحماية المرضى الآخرين من الغش.

من المعروف أنَّ أطباء الأورام يستطيعون رصد الدجالين من خلال التواصل الجيد؛ لكن أخشى أنَّ هذا الأمر غير صحيح.

تورط أطباء الأورام على الأرجح مع شبكةٍ من الأخبار الزائفة. وقد قُوضت سلطتهم، وسُخر من خبراتهم على يد كتيبة دعمٍ عالمية من الدجالين وأتباعهم يصعب تتبعها. وبينما قد يساعد رفع الوعي، ووضع لوائح أقوى، ونشر المعرفة الصحية؛ فإنَّ جاذبية العلاجات البديلة تظل قوية.

لا تغتر. نظراً لهذا القدر الكبير من المعلومات المضللة التي تدعم استخدام العلاجات البديلة الغريبة، ستستمر في النهاية سرقة المرضى وخيبة آمالهم، وسيستمر تهميش أطبائهم. ولن يستمر مرضى السرطان في تلقي العلاج الكيماوي حتى الموت كما كان يسخر البعض، بل سيستمر الدجالون في جنى المال بكل سهولة.