ستّة أسباب وراء انتصار الحراك السوداني وإطاحة البشير.. ما هي؟

ستّة أسباب وراء انتصار الحراك السوداني وإطاحة البشير.. ما هي؟
الخميس ١١ أبريل ٢٠١٩ - ٠٥:٠٦ بتوقيت غرينتش

جاء الرئيس السوداني عمر البشير إلى الحكم بانقلاب عسكري، وها هو يغادر مرغمًا بالطريقة نفسها التي جاء بها، مع فارِقٍ أساسي وهو أن "ثورة الإنقاذ" التي تزعّمها بالتعاون مع حركة "الإخوان المسلمين" أطاحت بنظام ديمقراطي وقادت السودان إلى الفقر وخسارة ثلث أراضيه وأكثر من 75 بالمئة من ثرواته النفطية، وحوّلت جيشه إلى جيش "مرتزق" يحارب من أجل المال في اليمن.

العالم - أفريقيا

وزير الدفاع السوداني، الجنرال عوض بن عوف، الذي قاد الانقلاب الجديد، أعلن اقتلاع نظام البشير في بيانه الأول وتشكيل مجلس انتقالي يتولّى الحكم في البلاد لفترة انتقالية مدّتها نحو عامين على الأقل وتعطيل العمل بالدستور وحلّ مؤسسة الرئاسة ومجلس الوزراء وإعلان حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر.

اختلفت الآراء حول هذه الخطوة الانقلابية للمؤسسة العسكرية التي تُعتبر الوحيدة المتماسكة في البلاد، وتشكّل ضمانة للأمن والاستقرار، مثلَما هو الحال في معظم دول العالم الثالث، وخاصةً في الجزائر وباكستان ومصر وتركيا والقائمة طويلة.

هناك رأي عبّرت عنه منظومة "تجمّع المهنيين السودانيين" التي قادت الاحتجاجات الشعبية التي طالبت الرئيس البشير بالرحيل، يقول إنّ الاحتجاجات يجب أن تستمر لأن انقلاب بن عوف هو استنساخ عسكري جديد لنظام جبهة الإنقاذ، وفي المقابل يرى رأي آخر أن الاحتجاجات الشعبية حقّقت معظم أغراضها وأهمّها رحيل الرئيس البشير بعد أربعة أشهر من بدءها، ولا بدّ من التوقف التقاطًا للأنفاس وإعطاء فرصة للتغيير الجديد، فالجيش انحاز للاحتجاجات وهو من أبناء السودان.

لا نعرف أيّ من الرأيين المذكورين ستكون له الغلبة في نهاية المطاف فالحالة الحراكية السودانية لها خصوصيّتها وتختلف في العديد من الأوجه مع نظيرتها في الجزائر أو أيّ مكان آخر، ولكن ما نعرفه أنها انتصرت وحقّقت هدفها الأكبر وهو إسقاط الرئيس البشير وحكمه، وذلك للأسباب التالية:

أولًا: إن هذه الثورة الشعبية السودانية كانت موضع شبه اجماع شعبي، مثلما كانت سودانية بحتة انطلقت من أرضية الفساد والجوع والحرمان في مواجهة نظام ديكتاتوري انفصل عن الشعب وطموحاته المشروعة في الحرية والديمقراطية الحقيقية والعيش الكريم.

ثانيًا: سلمية الثورة وعدم حدوث أيّ تدخل خارجي فيها، إقليميًّا كان أو دوليًا، وطول نفس الشعب السوداني (استمرّ الحراك 4 أشهر)، كلها عوامل ميّزتها عن جميع نظيراتها الحالية أو السابقة.

ثالثًا: نجاح الحراك الجزائري الحضاري في الإطاحة بحكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أعطى زخمًا قويًا لنظيره السوداني وتجديده، بعد أن خفّت حدّته لبعض الوقت.

رابعًا: انحياز الجيش السوداني للمتظاهرين والتفافه حولهم ومنع قوات الأمن من استخدام القوة ضدهم، وترددت أنباء أنّه رفض الانصياع لقرار الرئيس البشير في النزول إلى الشوارع وقمع المتظاهرين.

خامسًا: لم يتدخّل حلف الناتو عسكريًا لنصرة الحراك السوداني مثلما جرى في ليبيا، ولم يُنفق الرئيس الأميركي دونالد ترامب 90 مليار دولار لتسليح المعارضة السودانية مثلما حدث في سورية، ولم يلعب "الفيلسوف الفرنسي"، برنارد هنري ليفي، دورًا في إعطاء نصائحه الصهيونية للثوار والمحتجين.

سادسًا: كان لافتًا أن قنوات فضائية عربية مثل الجزيرة والعربية (بدرجة أقل) لم تلعب الدور التحريضي نفسه الذي لعبته أثناء تطورات الربيع العربي الأولى، وخاصةً التطورات السورية والليبية والمصرية واليمنية، ويبدو أن زيارات الرئيس البشير لعواصم هذه القنوات لعبت دورًا كبيرًا في تخفيف حدّة "التحريض".

الفارق الكبير في الحراكين الجزائري والسوداني أن الأّول ظلّ مدنيًا وأن الجيش لعب دورًا إشرافيًا ولم يستول على الحكم، وظلّ قائده الفريق أول، أحمد قايد صالح، ملتزمًا بالدستور وعدم اتخاذ أي خطوات تشكّل انتهاكًا له، بينما كان تصرف الجيش السوداني نقيضًا لهذا النهج، وتدخّل الجيش مباشرةً واستولى قائده ووزير دفاع البلاد على الحكم دون مواربة.

من الصعب التكهّن بتطورات الأيام المقبلة في السودان، ولكن إعلان قادة الانقلاب العسكري حالة الطوارئ لمدّة ثلاثة أشهر وحظر التجول وتطبيق الأحكام العرفية بالتالي، يوحي بأنهم سيلجأون إلى القبضة الحديدية وإنهاء أعمال التظاهر والاحتجاج مهما كلّف الأمر.

لا نأسف مطلقًا في هذه الصحيفة "رأي اليوم" لرحيل الرئيس عمر البشير والمجموعة الفاسدة التي كانت تحيط به معظم السنوات الأخيرة من حكمه والتي امتدّت لأكثر من ثلاثين عامًا، واجه خلالها الشعب السوداني كل أنواع القمع والحرمان وغياب الحريات وحقوق الإنسان.

هنيئًا للشعب السوداني الشقيق بهذا النصر الذي استحقّه وقدّم الشهداء من أجل الوصول إليه وإطاحة نظام حكم فاسد ورئيس طاغية، وكلّنا ثقة بأنّ الشعب وانضباطه وقوّة عزيمته وصلابة حراكه هو الضمانة للحفاظ على مكتسبات ثورته ومنع أيّ انحراف عنها ونقل السودان إلى المكانة الإقليمية والعالمية المتقدمة التي يستحقّها.

رأي اليوم

كلمات دليلية :