سوريا .. امريكا تمارس التجويع والحصار بعد فشل السلاح

سوريا .. امريكا تمارس التجويع والحصار بعد فشل السلاح
الخميس ١٨ أبريل ٢٠١٩ - ١٠:٣١ بتوقيت غرينتش

فرضت الولايات المتحدة والدول الغربية عقوبات اقتصادية مشددة على سوريا طالت كل النواحي والقطاعات الحيوية وحتى الشركات أو الدول التي تتعامل مع الدولة السورية، وذلك بهدف إضعاف الدولة السورية التي انتصرت في الميدان العسكري لتنتقل المعركة إلى الميدان الاقتصادي.

العالم - تقارير

الجميع بات يدرك بأن الدولة السورية و جيشها، قد تجاوزوا أبعاد الحرب الدولية المفروضة عليهم، فالمتابع للشأن السوري يدرك بأن ما تم التخطيط له للدولة السورية، في أقبية أجهزة المخابرات الإقليمية منها و الدولية، كان كفيلا بإنهاء أي دولة في العالم، فحيث تجتمع أكثر من 80 دولة على رأسهم الولايات المتحدة، ندرك بأن سوريا أُريد لها أن تصبح دولة تابعة خاضعة للسياسات الأمريكية، و أكثر من ذلك، فقد اردات واشنطن و أدواتها في المنطقة، إخراج سوريا من أي دور إقليمي مؤثر، كل هذا خدمة للرجعية العربية و "اسرائيل"، لكن ما خططت له واشنطن عسكريا قد باء بالفشل، و تمكنت سوريا عبر قائدها و جيشها و شعبها من التصدي لأعتى المؤامرات الكونية، و هنا لا ننكر إطلاقا، مساندة حلفاء سوريا و الوقوف إلى جانبها سياسيا و عسكريا، لكن معادلة الصمود الأولى كانت من تخطيط سوريا قائدا و جيشا و شعبا.

لا شك بأن تداعيات الحرب المفروضة على سوريا لم تنته، فلا زالت واشنطن تُحيك الخطط و المؤامرات ضد سوريا و محورها المقاوم، فبعد الانكسار الأمريكي في سوريا، و قرار الانسحاب الأمريكي من الجغرافية السورية، و ما ينطوي عليه من اعتراف بالهزيمة الامريكية، برزت إلى السطح مؤثرات كثيرة، تأتي كنتيجة منطقية و طبيعة لدولة عانت ثمان سنوات من حرب على الأصعدة كافة، لكن أن تأتي هذه المؤثرات عبر عقوبات أمريكية و بقوانين أممية، تكون النتائج مضاعفة في تداعياتها على سوريا و شعبها، فالحرب العسكرية انتهت، لكن بدأت بانتهائها حرب اقتصادية على الشعب السوري أولا، بُغية اجباره على الانقلاب ضد حكومته، و هذه في اساسها خطة أمريكية الهدف منها إفراغ النصر السوري من محتواه السياسي و العسكري، من أجل الانقلاب مجددا على تداعيات الهزيمة الامريكية في سوريا، و من المفيد أن نذكر بأن "قانون قيصر" الذي أرادات به واشنطن، استمرار العقوبات الاقتصادية على سوريا و أي دولة حليفة لها، و هذا بطبيعة الحال يأتي في سياق ما فُرض على سوريا، حيث أن هذه العقوبات ستكون و بحسب الاعتقاد الأمريكي، سببا مباشرا في تأليب الشعب السوري على حكومته و جيشه، و اللعب مجددا على الوتر الطائفي.

الولايات المتحدة منعت السفن المحملة بالوقود من الاقتراب من السواحل السورية، ومنعت السفن الايرانية من عبور قناة السويس إلى سوريا بالضغط على مصر . ورغم نفي الحكومة المصرية لذلك، إلا أن الحكومتين السورية والإيرانية اكدتا هذا الأمر . ولا يبدو أن الرئيس السيسي يملك القدرة على مخالفة القرار الأمريكي.
وفي الشرق تراقب قاعدة ”التنف” الأمريكية الحدود السورية العراقية خوفا من تقديم بغداد يد المساعدة لدمشق في أزمتها. وقامت السلطات اللبنانية بتفتيش السيارات السورية العابرة إلى سوريا بحثا عن أي عبوة بنزين يمكن أن يحملها المواطن السوري إلى بلده .

فعلى سبيل المثال، الأردن الذي عانى من وضع اقتصادي ليس بالسهل في الأعوام الماضية، شهدت أسواقه متنفسا بعد فتح معبر “جابر نصيب” مع سوريا الذي شهد بدوره حركة تجارية أنصب معظمها في اتجاه التصدير من سوريا الغنية بإنتاجها الزراعي وغير الزراعي إلى الأردن وسوقه المتعطشة للمنتجات السورية الرخيصة التكلفة، وحققت الحركة التجارية مؤشرات جيدة، سواء بالنسبة للتجارة البينية، أم بالنسبة لتجارة العبور (الترانزيت) سواء الداخلة إلى سوريا عبر الأردن أم الصادرة من سوريا عبر الأردن إلى العراق ودول الخليج الفارسي.

وفي الفترة الأخيرة اشتدت العقوبات والتشديدات الأمريكية على سوريا، ونقلت وسائل إعلام سورية عن رئيس الوزراء السوري قوله إن مصر تمنع مرور ناقلات النفط إلى سوريا منذ 6 أشهر، فيما ذكرت صحيفة “الوطن” السورية أن الحديث عن عقود النفط مع الأردن بعد افتتاح المعابر كأنه لم يكن بسبب التدخل الأمريكي المباشر الذي أعاق أكثر من عقد.

من جهة ثانية أفادت مواقع نقلا عن اتحاد الغرف الزراعية السورية، منع الحكومة الأردنية الشاحنات السورية المحملة بالمزروعات ونباتات الزينة من عبور حدودها والاتجاه إلى العراق، للمشاركة في “مهرجان بغداد الدولي للزهور” الذي انطلق يوم الإثنين الماضي.

وقال رئيس لجنة المشاتل في اتحاد الغرف الزراعية السورية، محمد الشبعاني في تصريح لوسائل إعلام سورية إن “المنع أدى إلى الاعتذار عن المشاركة في هذا المهرجان، بعد تجهيز الجناح استعداداً لاستقبال المزروعات والورود القادمة من سوريا”.

وأضاف الشعباني أن “الأردن رفض مرور الشاحنات عبر أراضيه عن طريق الترانزيت رغم الجهود الكبيرة التي بذلت لإدخالها، وخاصة أن هناك موافقات مسبقة تسمح بدخولها إلى العراق للمشاركة في المهرجان، وليس هناك طريق آخر سريع لوصول الشحنات إلى هناك”.

ويرى عدد من الخبراء الأردنيين والسوريين أن أي إضرار بالعلاقات التجارية السورية الأردنية بسبب العقوبات، سوف يؤثر سلبا على الاقتصاد الأردني مثلما يؤثر على الاقتصاد السوري، بل إن السوق الأردنية بحاجة أكثر إلى المنتجات السورية.

قال المحامي خالد بني هاني عضو حزب البعث التقدمي في الأردن إن “الأردنيين استبشروا خيرا بقرار الحكومتين الأردنية والسورية فتح الحدود بين الدولتين في 15/10/201 وعلى الفور وبعد ساعات من سريان القرار بعد سنوات من الإغلاق سارع الشعب الأردني وعلى اختلاف أطيافه إلى السفر إلى سوريا ولو من أجل التواصل والاستجمام في البداية لم تشهد الحدود حركة عكسية أي دخول السوريين للأردن والسبب في ذلك يعود إلى القيود السياسية التي تضعها الأردن على حركة الأخوة السوريين واعتبار الجنسية السورية جنسية مقيدة أثناء طلب الدخول واشتراط الحصول على موافقة أمنية عند طلب الدخول غالبا ما لا تمنح للسوري”.

وأضاف بني هاني “على الرغم من أهمية الحدود السورية للشعب الأردني الاقتصادية في الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها الأردن وعلى الرغم من أن الجانب الأردني هو المستفيد الأكبر في حالة تنشيط حركة البضائع والأفراد حيث أن المنتجات السورية تعتبر رافدا اقتصاديا كبيرا للاقتصاد الأردني لكونها رخيصة الثمن نسبيا ومطلوبة بشكل كبير في السوق الأردني، إلا أن القيود السياسية أعاقت تطور النشاط الاقتصادي بين البلدين الشقيقين والجارين”.

وتابع المحامي الأردني “لم يقف الأمر عند هذا الحد بل زاد الأمر سوء بظهور بعض التوترات بالعلاقات بين البلدين خلال الشهرين المنصرمين وقد بدأت تلك التوترات بطلب الملحق التجاري الأمريكي بعمان وتهديده التجار الأردنيين في حال الاستيراد من سوريا وهو الطلب الذي تعامل معه الشعب الأردني بالرفض في حين سكتت عنه السلطات الأردنية وفي حين اعتبر مجلس النواب الأردني هذا الطلب وقاحة من الأمريكي لم تعلق عليه الدولة الأردنية”.

وأكد بني هاني “أن الأردن وعلى المستوى الرسمي تتعرض لضغوط كبيرة لمنع تطور العلاقات الإيجابية بينها وبين الشقيقة سوريا وواضح تماما تأثير هذه الضغوط”.

وختم “إن استمرار الإغلاق أمام الحركة التجارية بين البلدين يلحق بالأردن خسائر جسيمة جدا ذلك أن الجميع يعلم أن سوريا لطالما كانت شريان حيوي للاقتصاد الأردني وقد بلغت خسائر الأردن مليارات الدنانير نتيجة لذلك إلا أن الإجراءات الحكومية تخذل أمام الشعب الأردني المتعطش لاستئناف العلاقات التجارية مع الشعب السوري”.

وفي السياق ذاته، يقول عضو مجلس الشعب السوري آلان بكر : ” كل عام و بواسل قواتنا المسلحة و الشعب السوري الصامد بوجه التحديات وسيد الوطن السيد الرئيس بشار الأسد بألف خير، قبل أن نتحدث عن موقف بلد بالتحديد ومدى مشاركته أو عدم مشاركته بإجراءات الإدارة الأميركية والإتحاد الأوربي ضد الشعب السوري فإنه من الهام أن نشير إلى مسألة هامة: العقوبات الاقتصادية و الحصار الذي يمارسه أعداء الشعب السوري هو إحدى أشكال الحرب والوسيلة التي يلجأ إليها العدو للضغط على السوريين في احتياجاتهم الأساسية ومن هنا فإن كل من يشارك في هذه الإجراءات حتى بمجرد الموقف السلبي يعتبر مساهماً في معاناة الشعب السوري”.

ويقول الخبراء في الشأن السوري، إن هدف واشنطن من الحصار ومنع سوريا من الحصول على الطاقة واضح، وهو الضغط على الشعب السوري كي يثور على السلطة، وهي سياسية قديمة مكررة، لم تنجح سابقا . فالولايات المتحدة حاصرت العراق في العام 1991 وجوعت الشعب العراقي جراء حصارها الخانق، ولكن ما حدث ان واشنطن اضطرت بعدها إلى غزو العراق عسكريا ودفع المليارات على الحرب بالاضافة الى ملايين القتلى والجرحى من أبناء الشعب العراقي.

وبحسب كمال خلف، وهو كاتب وصحفي فلسطيني، فإن الولايات المتحدة التي تتباكى على الشعب السوري، وتمنع عودة الاجئين السوريين الى بلدهم بدعوى حقوق الإنسان، هي الآن تحاصر وتجوع هذا الشعب القومي العروبي الأصيل باكمله وليس "النظام" . وأخوة سوريا العرب ينفذون أمر واشنطن دون مناقشة . كما هو معروف التزم رجال الأعمال الأردنيون بعد تهديد السفير الأمريكي لهم، بل التزم الأردن كله بالقرار الأمريكي، وفرمل الانفتاح على جاره السوري، رغم أن هذا ضد مصالح الأردن وشعبه، تماما كما فعلت دول عربية أخرى.
وفي الوقت الذي يقف فيه المواطن السوري طوال النهار للحصول على 20 ليتر من البنزين، ويعود إلى بيته ليجد أطفاله جالسين في الظلام بسبب انقطاع التيار الكهربائي طوال الليل، تجثم القوات الأمريكية على حقول النفط والغاز السوري في شرق سوريا، وتسرق موارد البلاد والشعب بالتعاون مع المليشيات الكردية الحالمة بقضم جزء من الجغرافية السورية لصنع دولة موالية لأمريكا و"إسرائيل" .
لا يفصل الجيش السوري سوى خطوة عن موارد الشعب شرق الفرات، وهي بلا ريب تحل أزمة الوقود بالكامل، ولكنه غير قادر على مواجهة القوات الأمريكية هناك . ولابد أن يكون هناك حل لهذه المسألة في القادم من الأيام، ولا أعتقد أن من استطاع إخراج القوات الأمريكية من لبنان و بعدها من العراق سوف يعجز عن أخراجها من سوريا في الغد القريب .
أكثر الظواهر غرابة في هذا المشهد كله، هو شماتة بعض المعارضة السورية من شعبها، وإعلان ذلك عبر صفحاتهم دون خجل . يقول بعضهم حسب المنشورات ” إن هؤلاء كانوا يصفقوا لدخول الجيش السوري إلى المدن والصواريخ على الأحياء التي تسيطر عليها الفصائل العسكرية ويستحقون العقاب” ، ويقول آخرون ” لم تروا شيئا بعد ..ستواجهون الأسوء وستدفعون ثمن وقوفكم مع النظام” .
كيف يمكن لمعارضة تدعي أنها تمثل الشعب أن تتشفى بآلامه؟ أكثر من عشرين مليون سوري تحت الحصار وثقل الأزمة، فمن تمثل المعارضة عندما تعتبر أن كل هؤلاء يستحقون العقاب . لم أعرف في كل حياتي معارضة تتقن فن ارتكاب الأخطاء مثل المعارضة السورية ورموزها.
فاليوم، سوريا التي قاتلت وصمدت واتنتصرت، فلابد أن تدفع الثمن اقتصاديا من خلال الحصار المفروض وتجوبع شعبها الصامد. الشعب السوري سوف يواصل الصمود بالتأكيد، وأي تغيير في سوريا نحو الأفضل سيكون بقرار السوريين أنفسهم ومن صنعهم، ولن يقبل الشعب دمى تحركها واشنطن عن بعد .