من الرابح من وقف إطلاق النار بين الاطراف المتنازعة في ليبيا؟

من الرابح من وقف إطلاق النار بين الاطراف المتنازعة في ليبيا؟
الأربعاء ٠٨ مايو ٢٠١٩ - ١١:٥٣ بتوقيت غرينتش

إخفاق قوات حفتر، في اختراق الطوق العسكري حول قلب العاصمة الليبية طرابلس، قد يدفع الأخير للقبول بوقف إطلاق النار، خاصة وأن قواته تحاصر العاصمة من الغرب والجنوب والجنوب الشرقي، بل لديها تمركزات قوية في الضاحية الجنوبية لطرابلس، مما يسمح له بالتفاوض من منطق قوة لدخول العاصمة بغير قتال.

العالم - ليبيا

وهذا ما يفسر دعوات كل من فرنسا وروسيا، حليفتي حفتر، لوقف إطلاق النار، وانضمت إليهما عدة دول، لكن حكومة الوفاق، المعترف بها دوليا، رفضت أي وقف لإطلاق للنار قبل عودة القوات المهاجمة من حيث أتت.

وفي هذا الصدد، قال مهند يونس، الناطق باسم رئيس حكومة الوفاق فائز السراج، إن الحكومة "ترفض أي وقف لإطلاق النار، ما لم تنسحب القوات الغازية وتعود إلى الرجمة (معقل قوات حفتر بضواحي مدينة بنغازي/ شرق)".

وأضاف يونس، أن "الحكومة تراقب عن قرب بعض الدعوات المشبوهة لوقف إطلاق النار، والتي تطلقها جهات هدفها ضرب قواتنا في الجبهات من الخلف".

لكن وزير الداخلية في حكومة الوفاق، فتحي باشاغا، كان أكثر تشددا، عندما أوضح أن "وقف إطلاق النار والعمليات العسكرية، لن تتم إلا بعد رجوع قوات حفتر من حيث أتت".

وشدد باشاغا، أن "الحوار لن يتم مع حفتر بأي شكل من الأشكال، عقب خيانته للمواثيق والعهود، ولكل جهود السلام".

رغم مرور 34 يوما على هجوم قوات حفتر على طرابلس، إلا أنها لم تتمكن من اختراق الطوق العسكري حول وسط العاصمة، ومازالت منذ أسابيع تراوح مكانها في عمليات كر وفر، في الضواحي الجنوبية لطرابلس؛ حول مطار طرابلس الدولي (القديم)، ومناطق عين زارة، وخلة الفرجان ووادي الربيع، وقصر بن غشير.

لكن قوات حفتر تتعرض لعدة انتكاسات خاصة في منطقة ورشفانة (جنوب غرب طرابلس)، بل تعرضت خطوطها الخلفية في بلدتي السبيعة والهيرة الاستراتيجيتين (على الطريق بين غريان وترهونة نحو محاور القتال في طرابلس)، لهجمات قوات الوفاق بل وسيطرت عليهما لفترات، ناهيك عن الضربات الجوية التي يوجهها طيران الوفاق لخطوط الإمداد البعيدة على غرار مدينة غريان (100 كلم جنوب طرابلس) بل وحتى في قاعدة الجفرة الجوية (600 كلم جنوب شرق طرابلس).

وأصبحت قوات حفتر، وأمام عجزها عن التقدم نحو وسط العاصمة، تتعرض للاستنزاف العسكري، وتواجه ضغوط دولية، بل تهديدات بالملاحقة الجنائية الدولية بسبب تهم بارتكاب جرائم حرب.

كما أن الداعمين الدوليين لحفتر وخاصة فرنسا ومصر وبدرجة أقل روسيا والإمارات يتعرضون لضغوط دولية وحتى داخلية لوقف دعمهم العسكري أو الدبلوماسي لحفتر، لذلك فالوقت ينفذ أكثر من الأخير دون أن تتمكن قواته من تحقيق نصر حاسم وسريع، بل احتمال هزيمته العسكرية لم يعد مستبعدا في ظل التطورات الحالية على أرض المعركة.

وفي هذا السياق، من مصلحة حفتر، الاكتفاء بما حققه، وتقوية دفاعاته حول العاصمة، وقطع الطريق الساحلي الاستراتيجي نحو تونس، وبدء مفاوضات لفرض شروطه على حكومة الوفاق، وعلى رأسها توليه قيادة الجيش دون الخضوع لأي سلطة مدنية، مثلما اشترط دائما، بمعنى أنه سيحكم ليبيا كما يحكم شرق البلاد، في ظل حكومة وبرلمان صوريين.

منذ هجوم قوات حفتر على العاصمة، خسرت حكومة الوفاق مساحات من الأراضي ومن الموارد البشرية والمادية، وعلى رأسها مدينتي صبراتة (70 كلم غرب طرابلس) وصرمان (60 كلم غرب طرابلس) على الطريق الساحلي الرابط بين العاصمة الليبية والحدود التونسية، التي تمثل الطريق الرئيسية لتنقل الأشخاص والبضائع نحو العالم الخارجي بالمنطقة الغربية.

وفي ظل سيطرته على صرمان وصبراتة، أصبح الطريق الدولي نحو تونس مقطوعا أو على الأقل تحت رحمة حفتر، وبالتالي فقدت الوفاق شريانا حقيقيا لاقتصادها المنهك، بل وحيويا بالنسبة لتنقل الأفراد سواء للعلاج أو السياحة، خاصة وأن مطار معيتيقة (الوحيد الذي يعمل في طرابلس) صغير الحجم، ومحدود الخطوط، ويتعرض من حين لآخر لقصف جوي لطيران حفتر.

كما أن منطقة زوارة (موالية لحكومة الوفاق/ 100 كلم غرب طرابلس) والمسيطرة على معبر راس جدير البري مع تونس، أصبحت معزولة عن طرابلس، بل ومهددة مستقبلا بهجوم من قوات حفتر التي تحاصرها من الجهة الشرقية والجنوبية، فضلا عن أن قاعدة الوطية الجوية (تابعة لحفتر)، لا تبعد عن زوارة سوى أقل من 100 كلم.

أما الطريق الجنوبي الرابط بين طرابلس ومعبر "وازن- الذهيبة" مع تونس (ثاني أهم معبر حدود مع تونس) فأصبح هو الآخر مقطوعا، بعد سيطرة قوات حفتر على غريان (مركز مدن جبل نفوسة) والبلدات المحيطة بها، مما يعني أن بلدت الجبل الموالية للوفاق (مثل نالوت ويفرن وكاباو) أصبحت هي الأخرى شبه معزولة عن المركز.

ومع ذلك لم يُحكِم حفتر، حصاره على العاصمة، إذ أن الطريق الشرقي الذي يربط طربلس بمصراتة (200 كلم شرق طرابلس) مازال مفتوحا وآمنا، وكذلك المنفذ البحري عبر ميناء طرابلس، الذي يعتبر ذو أهمية استراتيجية للتموين بالسلع.

وفي إطار هذا الوضع ليس من مصلحة حكومة الوفاق، وقف إطلاق النار، في ظل تطويقها من جهتين على الأقل، وقطع أهم شريان بري لديها نحو العالم الخارجي، وتقطيع أوصالها مع بلدات مواليها لها على الساحل الغربي أو في الجبل، لأن ذلك يعني التضييق على سكان العاصمة والمدن القريبة منها.

وأي مفاوضات في ظل هذا الوضع لن يكون بأي شكل من الأشكال في مصلحة حكومة الوفاق، لذلك هناك إصرار على رفض إجراء أي مفاوضات أو وقف لإطلاق النار قبل عودة قوات حفتر إلى قواعدها في الشرق.

بل هناك رفض للتحاور مع حفتر نفسه، بعد أن نقض اتفاقه مع السراج في العاصمة الإماراتية أبو ظبي، في فبراير/ شباط الماضي، على "إنهاء المرحلة الانتقالية" في ليبيا، "من خلال انتخابات عامة"، قبل أن يفاجئ حفتر الجميع بهجوم على طرابلس قبيل 10 أيام من انطلاق مؤتمر للحوار برعاية أممية ودعم دولي واسع.

لذلك هذا التوازن في القوى، قد يفتح المجال للوسطاء الدوليين بإجارء مفاوضات قد تسبق الاتفاق عن وقف إطلاق النار وانسحاب قوات حفتر إلى معاقلها في الشرق.

مصطفى دالع - الاناضول