هل نتوقع لقاء سياسيا وشيكا بين بن زايد وظريف قريبا؟

هل نتوقع لقاء سياسيا وشيكا بين بن زايد وظريف قريبا؟
الأربعاء ٣١ يوليو ٢٠١٩ - ٠٤:٤١ بتوقيت غرينتش

المفاجآت القادمة من دولة الإمارات العربية المتحدة تتسارع بدرجة غير مسبوقة هذه الأيام، فبعد الكشف عن قرارها بتخفيض عدد قواتها في اليمن، وسحب أعداد كبيرة منها، ها هي اليوم تعلن عن زيارة وفد أمني رفيع إلى طهران، وسط مؤشرات عن سعيها للتقارب مع هذه الدولة التي كانت تصنف حتى الأمس القريب على قمة قائمة الأعداء باعتبارها الأخطر على أمن المنطقة واستقرارها.

العالم - الامارات

الوفد التقني الأمني الإماراتي الرفيع ترأسه العميد محمد علي مصلح الاحبابي، قائد قوات خفر السواحل الإماراتي، وضم سبعة أشخاص، وعقد لقاءات مكثفة مع نظيره العميد قاسم رضائي، وحرص الجانبان على توطيد العلاقات الدبلوماسية، والتعاون المشترك لتعزيز أمن الحدود في البلدين، وتحقيق الأمن المستدام.

اللقاء هو الأول من نوعه منذ عام 2013، وجاء تلبية لرغبة إماراتية، وبعد زيارة قام بها إلى موسكو الشيخ عبد الله بن زايد، وزير الخارجية، حيث راجت تقارير إخبارية بأنه طلب وساطة روسية لترطيب العلاقة مع طهران وفتح قنوات حوار معها، تعكس توجها إماراتيا بالتغيير في ملفات عديدة أبرزها العدوان على اليمن، والخلاف مع إيران.

القيادة الإماراتية بشقيها العسكري والسياسي توصلت إلى قناعة راسخة بأنها لن تخرج كاسبة من حرب اليمن التي دخلت نصف العام الخامس من عمرها، وأن اندلاع أي حرب في المنطقة ستكون أبرز ضحاياها، في ظل المزاج الاستشهادي لإيران الذي انعكس بالتجرؤ على إسقاط طائرة أمريكية مسيرة، واحتجاز سفينة بريطانية كرد انتقامي على احتجاز ناقلة لها في مضيق جبل طارق، ولهذا بدأت تراجع حساباتها جيدا على الصعد كافة.

الإيرانيون يعتبرون الإمارات، وأبو ظبي تحديدا، قاعدة انطلاق أساسية لأي عدوان أمريكي عليهم، ولهذا لم يكن من الصدفة استهداف ست ناقلات في خليج عمان قبالة سواحل إمارة الفجيرة، مضافا إلى ذلك توجيه حركة “أنصار الله” رسائل جدية بضرب المدن الإماراتية وأهدافها الحيوية من مطارات وموانئ، فالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة الملغمة عطلت الحركة أكثر من مرة في مطارات أبها وجيزان ونجران في الجنوب السعودي، والقوات البرية اليمنية توغلت في المنطقة نفسها، وسيطرت على العديد من النقاط الاستراتيجية، مما يعني أنها يمكن أن تكرر الأمر نفسه في الإمارات، الحليف الأقوى، وربما العربي الوحيد للسعودية في حرب اليمن.

المصادر المقربة من الوسطاء الروس تقول إن المسؤولين الإماراتيين الذين زاروا موسكو طلبوا منهم إيصال رسالة واضحة إليها بأنهم يريدون سحب قواتهم بشكل تدريجي من اليمن، ويريدون من إيران أن تتدخل لدى الحوثيين وتوقف أي ضربات تستهدف بلادهم، أي الامارات، ووجدت هذه الرسالة تجاوبا فوريا من طهران.

صحيح أن الوفد الأمني الإماراتي الذي زار طهران كان تقنيا، ولكن هكذا تبدأ الأمور في منطقتنا العربية، فاليوم العميد الاحبابي، وغدا الشيخ طحنون بن زايد، مستشار الأمن القومي، وبعد غد ربما الشيخ عبد الله بن زايد، وهكذا دواليك، والأخير لم يوجه أصابع الاتهام إلى إيران، مثلما فعل جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأمريكي، بالوقوف خلف التفجيرات التي استهدفت ناقلات نفط قبالة سواحل الفجيرة الإماراتي في خليج عمان.

المملكة العربية السعودية التي بدأت تشعر بأنها باتت وحدها في حرب اليمن والتي وصلت آثارها إلى العمق السعودي على شكل صواريخ وطائرات مسيرة ملغمة، بدأت تغير أسلوبها الذي يتسم بالتصعيد تجاه إيران، وتنخرط في حال من الغزل غير المسبوق تمثل في إقدام وفد تابع لوزارة الحج والأوقاف السعودية باستقبال الحجاج الإيرانيين بالزهور والحلوى، وهي خطوة لا يمكن أن تحدث إلا في الأحلام بالنظر إلى المعاملة السعودية الخشنة والعدائية للحجاج الإيرانيين طوال السنوات الخمس الماضية، وشكوى هؤلاء من مضايقات مهينة في المطارات من بينها التفتيش الذاتي والتحرش الجنسي.

لا نعرف ما إذا كانت هذه الخطوات الانفتاحية الإماراتية على إيران، والانسحاب التدريجي من اليمن، وفتح قنوات اتصال سرية مع حركة “أنصار الله”، تتم بعلم مسبق مع الشريك الاستراتيجي السعودي، أم بمعزل عنه، ولكن معظم الدلائل تشير بأن هناك غيوم رمادية، ولا نقول سوداء، تخيم على العلاقات بين البلدين، وكان لافتا غياب اللقاءات بين الصديقين المحمدين، أي وليا العهد في السعودية وأبو ظبي، محمد بن سلمان ومحمد بن زايد، فمنذ اللقاء الأخير بينهما على هامش قمتي مكة العربية والخليجية في أواخر رمضان الماضي، لم ترشح أي أخبار عن لقاءات أو اتصالات هاتفية بينهما، مضافا إلى ذلك لم يصدر أي رد فعل رسمي أو إعلامي سعودي عن مسألة الانسحاب الإماراتي من اليمن.

في ظل التصعيد المتواتر في الأزمة الأمريكية الإيرانية وتضخم حالة العداء بين الجانبين، والمزاج الاستشهادي الذي تعيشه القيادة الإيرانية الرافضة والمقاومة للركوع لسياسات التجويع والحصار الأمريكية، تجد جميع الحكومات الخليجية باستثناء الكويت، نفسها الضحية الأكبر لأي حرب، على أساس المثل الذي يقول، عندما تتصارع الفيلة فإن العشب هو الخاسر الأكبر.

هذا التوجه الإماراتي للحوار، وإجراء مراجعة لسياسات ثبت عقمها وبدأت تعطي نتائج عكسية، يستحق التنويه، مع التذكير في الوقت نفسه أنها ألحقت أضرارا كبيرة في سمعتها ومكانتها في المنطقة، علاوة على ضرب أهم إنجاز حققته، وهو الاتحاد واللحمة القوية بين الإمارات السبع، وهي وحدة بدأت تتضعضع بسبب حالة “التململ” في بعض الإمارات الكبرى مثل دبي والشارقة ورأس الخيمة، من جراء إطالة عمر حرب الاستنزاف في اليمن، وانعكاسها المدمر على الاقتصاد الإماراتي، خاصة في دبي.

ختاما نأمل أن تمتد حالة المراجعات الإماراتية هذه إلى سياسة التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي التي بالغ بعض المسؤولين في التودد والحفاوة بالإسرائيليين واستضافة مسؤوليهم في أبو ظبي، واعتبار إسرائيل صديقا وحاميا، وهذا خطأ كبير أثر على صورة الإمارات التي كانت من أكثر الدول قربا إلى قلوب العرب والمسلمين.

نهمس في أذن المسؤولين الإماراتيين ونقول إن الجمع بين الإيرانيين والإسرائيليين مثل محاولة خلط الزيت بالماء، ولا نبالغ إذا قلنا أن الماء الإسرائيلي مسموم وقاتل، خاصة أن الخوف من إيران كان ذريعة التطبيع مع إسرائيل والسعي لمظلتها الحمائية، ونقلها من خانة الأعداء إلى خانة الأصدقاء.

* افتتاحية رأي اليوم