الغابات المطيرة تدفع فاتورة عاصمة إندونيسيا الجديدة

الغابات المطيرة تدفع فاتورة عاصمة إندونيسيا الجديدة
الأربعاء ٠٤ سبتمبر ٢٠١٩ - ٠٩:٤٤ بتوقيت غرينتش

يحذر خبراء بيئيون من أخطار محتملة لمشروع نقل العاصمة الإندونيسية من جاكرتا إلى بورنيو، مؤكدين أنه لن يكون حلا للكوارث التي تواجه هذه المدينة الضخمة وقد يؤدي حتى إلى أزمة بيئية جديدة في منطقة تضم غابات مطيرة وحيوانات مهددة بالانقراض.

العالم-اسيا والباسفيك

فقد أعلن الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو، الاثنين الماضي، أن موقعا في شرق جزيرة بورنيو اختير لنقل العاصمة السياسية للبلاد إليه، وذلك بديلا من جاكرتا، المدينة الضخمة المكتظة والمهددة بارتفاع مستوى المياه.

وأوضح أن الموقع اختير أولا “لأنه ليس معرضا كثيرا للكوارث الطبيعية” مثل الفيضانات والهزات الأرضية وموجات تسونامي وثوران البراكين، علما بأن جزءا كبيرا من الأرخبيل الإندونيسي يقع على حزام نار المحيط الهادئ.

وأشار الرئيس إلى أن الموقع الجديد في ولاية كاليمانتان الشرقية (الجزء الإندونيسي من جزيرة بورنيو) اختير “لأن موقعه استراتيجي، في وسط إندونيسيا”.

ويقع المكان المقترح بين مدينتي باليكبابان وساماريندا في منطقة غابة استوائية تتمتع بتنوّع بيولوجي كبير. ولم يتمّ بعد اعتماد الموقع رسميا كعاصمة للبلاد. تتعرض جاكرتا، المدينة الكبيرة التي توسّعت في موقع باتافيا، العاصمة القديمة التي أنشأها المستعمرون الهولنديون قبل قرابة 500 عام، لغرق جزء من أراضيها تحت المياه.

وفي ظلّ الوتيرة الحالية التي تسرعها ظاهرة التغير المناخي، قد يغرق ثلث المدينة بحلول العام 2050.

ويُضعف العاصمة تخطيط مدني سيء وواقع أن عددا كبيرا من السكان ليست لديهم شبكة إمدادات مياه ويستخدمون المياه الجوفية ما ؤدي إلى انهيار أحياء بكاملها.

وتضاف إلى هذه المشكلات زحمة السير الخانقة والتلوث وقد أعلنت الحكومة، في مايو، أنها ستختار هذا العام موقعا لعاصمة سياسية جديدة للبلاد.

كوارث بيئية في الأفق

ويسمح نقل العاصمة إلى بورنيو بإعادة التوازن إلى النمو في الأرخبيل الذي تتحمل فيه جزيرة جاوة العبء الأكبر، فهي تضم نصف سكان البلاد البالغ عددهم 260 مليون نسمة وتجري فيها 60 بالمئة من الحركة الاقتصادية.

ومن المقرر أن يبدأ بناء العاصمة الجديدة على الحدود الشرقية لبورنيو العام المقبل، ومن المتوقع أن يبدأ حوالي 1.5 مليون موظف مدني الانتقال إليها بحلول العام 2024، وستكون كلفة هذه العملية 466 تريليون روبية (33 مليار دولار).

وتعتبر ولاية كاليمانتان الشرقية الواقعة في جزيرة بورنيو التي تتقاسمها إندونيسيا مع ماليزيا وبروناي موطنا لنشاطات تعدين ضخمة وللغابات المطيرة على حدّ سواء، كما أنها من الأماكن القليلة التي تضم موائل طبيعية لأنواع حيوانية نادرة مثل قردة الأورانغ أوتان.

ويخشى مدافعون عن البيئة من الخطر الذي قد يشكله مشروع نقل العاصمة على هذه الأنواع المهددة بالانقراض.

وأكدت جاسمين بوري من منظمة “غرينبيس إندونيسيا” غير الحكومية أن “على الحكومة أن تضمن عدم بناء العاصمة الجديدة في مناطق محمية”.

وتهدد شركات التعدين ومصانع زيت النخيل بيئة بورنيو وموائل الأنواع المهددة بالانقراض، وهي مشكلة قد تتفاقم إذا أنشئت مدينة كبرى قرب محمية رئيسية وفق ما تقول مجموعات بيئية.

وقال ناطق باسم الشبكة البيئية الإندونيسية “والهي” زينزي سوهادي، “يرزح شرق كاليمانتان أصلا تحت ضغط بيئي ثقيل”.

ورأى المخطط العمراني نيروونو جوغا أن تلك الأسباب “تجعل من كاليمانتان بديلا غير مناسب للعاصمة”، موضحا أيضا أن ذلك “لن يحل بالضرورة مشاكل جاكرتا مثل الفيضانات والازدحام والعمران العشوائي”.

وأضاف، “هناك المئات من منشآت التعدين والمصانع. عندما يزداد الضغط على المنطقة، هل سينقلون العاصمة إلى مكان جديد مرة أخرى؟”.

وأعرب زعماء السكان الأصليين في بورنيو عن تفاؤل حذر بأن العاصمة الجديدة ستساعد المجموعات المهمشة وتدعم هذه المنطقة التي يسكنها حوالي 20 مليون نسمة اقتصاديا.

إلا أن يوليوس يوهانيس وهو أكاديمي وزعيم في مجموعة “داياك” العرقية “لكننا نشعر بالقلق أيضا… على غاباتنا التي كانت دائما لدينا علاقة عميقة معها”. وتعهدت الحكومة الإندونيسية استثمار المليارات من الدولارات لحل مشكلات جاكرتا وقالت إن الغابات البكر المحمية لن تتأثر بإنشاء العاصمة الجديدة.

وأعلن ويدودو أخيرا عن توقف الحكومة بشكل دائم عن إعطاء تصاريح جديدة تسمح بإزالة الغابات البكر بهدف الزراعة وقطع الأشجار للحصول على الأخشاب. وأوضح سوهادي، “رغم ذلك يبقى هناك خطر بأن تتأثر تلك الغابات”.

وفي الوقت الذي تدمر فيه الحرائق غابات الأمازون المطيرة، نشرت إندونيسيا الآلاف لمكافحة حرائق الغابات السنوية التي غالبا تكون ناجمة عن حرق الأراضي لتنظيفها، وهي تجتاح مساحات شاسعة من الغابات وتتسبب في انبعاث أبخرة سامة فوق جزيرتي بورنيو وسومطرة.

فقد تسببت حرائق ضخمة في الجزيرة في تفشي الضباب الدخاني في أنحاء جنوب شرق آسيا في العام 2015 الأمر الذي تسبب في أزمات دبلوماسية مع ماليزيا وسنغافورة المجاورتين، وربما تسبب أيضا في أكثر من 100 ألف حالة وفاة مبكرة، وفقا لدراسة أميركية.

وأشار جوغا إلى أنه على الحكومة “أن تتخلى عن خططها لنقل العاصمة لأن ذلك لن يحل مشكلات جاكرتا”.

وأظهر استطلاع حديث أن حوالي 95 بالمئة ممن شاركوا فيه عارضوا هذه الخطوة، كما أن البعض سخروا منها عبر الإنترنت واقترحوا أن يطلق على العاصمة الجديدة اسم “جوكوغراد” أو “سانت جوكوبرغ” في إشارة إلى طموحات الرئيس الضخمة.