لماذا اعتقلت السلطات السعودية قياديا في حماس ؟

لماذا اعتقلت السلطات السعودية قياديا في حماس ؟
السبت ١٤ سبتمبر ٢٠١٩ - ٠٤:٤٥ بتوقيت غرينتش

كانت الساعة تشير إلى الخامسة فجراً، يوم الرابع من أبريل الماضي، حين قدم عنصران من جهاز أمن الدولة السعودي بلباس مدني إلى منزل القيادي في حركة "حماس" الفلسطينية، في مدينة جدة، محمد الخضري (81 عاماً) وطلبا إليه الذهاب معهما للاستفسار عن بعض الأمور ساعتين فقط.

العالم - تقارير

طلب الخضري، المصاب بمرض عضال والذي أجرى عملية جراحية قبل مدة قصيرة، اصطحاب أدويته الخاصة بمرضه، ولكن عنصرَي الأمن أكدا له عدم أهمية ذلك؛ لأن مدة التحقيق معه لن تطول، ولكنه أصر على أخذ العلاج، وهو ما حدث.

واكدت "مي"، ابنة الخضري، في تصريح لها خروج والدها برفقة عناصر الأمن السعودية، وغياب أخباره أربعة أسابيع، وسط حالة من القلق والخوف الشديدين من أهله لكونه مريضاً ويحتاج إلى رعاية خاصة.

ولم تمضِ ساعات على اعتقال الأب حتى أوقف عنصرا أمن سعوديان ابنه هاني، المحاضر في جامعة أم القرى في مكة المكرمة، تحت بيته، وطلبا منه توصيلهما إلى عنوان ما، ليجد نفسه بعد لحظات مختطفاً بسيارة.

وقالت الخضري: "مررنا بأربعة أسابيع صعبة للغاية، لا نعلم فيها أي أخبار عن أبي المريض، الذي أجرى عملية جراحية ويحتاج إلى أخرى، وشقيقي هاني، ولم نترك أحداً إلا اتصلنا به، ولكن لا فائدة ولم تصلنا أي معلومات".

بعد أربعة أسابيع اتصلت العلاقات العامة لمعتقل ذهبان بزوجته لتطلب إحضار تقاريره الطبية وأدويته الخاصة إلى المعتقل السياسي بذهبان في جدة، والحديث لابنة الخضري.

وتوثق الخضري الأيام الأولى لاعتقال ممثل حركة "حماس" بالسعودية وشقيقها، وتقول: "خضعوا لتحقيق لمدة 3 أشهر متواصلة، وُضعا خلالها في زنازين عزل انفرادي لكل واحد منهما، مع تعرضهما لضغط وتعذيب نفسي".

أما الأسئلة التي وجهها المحققون للخضري وابنه فكانت تدور حول علاقته بحركة "حماس"، وطبيعة عمله كممثل لها، الذي هو بعلم المملكة، وبموافقة رسمية وموثقة من الملك الاسبق فهد، وفق ابنة القيادي في الحركة الفلسطينية.

ووجه المحققون السعوديون اتهامات لابن الخضري هاني بتحويل أموال من السعودية إلى دولة أجنبية، ولكنها كانت مقابل شرائه لشقة سكنية خاصة، وفق تأكيدات شقيقته مي.

وأكدت مصادر لـ"الخليج أونلاين" أن المحققين السعوديين اتهموا هاني، نجل القيادي في حركة "حماس"، بتحويل أموال إلى تركيا، ولكنه تبين أنها بغرض شراء شقة سكنية له.

ورغم اعتقال القيادي في حركة "حماس" فإنه رفض التصعيد الإعلامي في قضيته، لكونه حريصاً على المملكة الموجود فيها منذ أكثر من 30 عاماً، حسب ما قالت ابنته.

وتقول مي: "كان أبي يقول الأمور في طريقها للحل، وسأقضي معكم عيد الأضحى المبارك، ولكن ذلك لم يحدث".

وبعد 3 أشهر من انتهاء التحقيق مع الخضري بدأ بالاتصال بعائلته من السجن مرة واحدة أسبوعياً ولمدة 5 دقائق، برفقة ابنه الذي وُضع معه بغرفة واحدة بالسجن، مع السماح بزيارتهما، ولكن فجأة توقفت الاتصالات والزيارات.

وخاطبت ابنة الخضري منظمة العفو الدولية (أمنستي) حول قضية والدها وشقيقها في السجون السعودية، من خلال إرسال كتاب إلى مكتبها في بيروت، ولكن المنظمة لم تصدر أي بيان رسمي حول قضية القيادي في "حماس".

عبد الماجد الخضري، شقيق القيادي في "حماس" المعتقل في السجون السعودية، يؤكد أن شقيقه موجود في السعودية منذ سنوات طويلة، ومعتمد لدى المملكة إبان حكم الملك فهد وخالد لجمع التبرعات لحساب غزة بموافقة ملكية، ومعه جواز سفر سوداني إلى جانب الفلسطيني.

ويقول شقيق الخضري: "في بداية شهر أبريل الماضي اعتقله جهاز أمن الدولة السعودي من بيته، وتعرض لمضايقات وتعذيب نفسي داخل السجن؛ بسبب العزل الانفرادي أول 3 شهور"، وخلال تلك الفترة "ختم القرآن الكريم 22 مرة".

ويوضح أنه كان ممنوعاً من رؤية ابنه، حيث اتهم بقضايا تمويل مالي، ولم تعرضهما جهات التحقيق على النيابة العامة أو على أي محكمة من أجل البت بقضيتهم بشكل قانوني.

وبين أن عائلة الخضري أرسلت كتاباً إلى الملك السعودي سلمان وطالبته بالإفراج عن محمد وابنه، ولكن لم يكن هناك أي جواب.

حركة "حماس"، وعلى لسان القيادي فيها أسامة حمدان، أكدت وجود سعي سياسي وتدخل وسطاء عبر قادة حركته لإنهاء قضية الخضري المعتقل في السجون السعودية بعيداً عن الإعلام والضوضاء بعد اعتقاله، ولكن الحركة وصلت إلى مرحلة لم تعد تستطيع الصمت.

وقال حمدان، في حديث لموقع مؤسسة "القدس الدولية": "الخضري أول من مثل الحركة في السعودية وشخصية أساسية، واعتقل بعد إجرائه عملية جراحية، ولا تزال مساعينا متواصلة لحل المشكلة".

وبين حمدان أن صمت حركته عن اعتقالات السعودية ضد ممثلها فيها وعناصرها لم يكن ضعفاً في موقفها، ولكن لإعطاء جملة من المحاولات والسعي السياسي لحل مشكلتهم.

وهاجم القيادي في "حماس" السعودية بشكل غير مباشر حين قال: "الحركة مرت بكثير من الآلام والجراحات، وأساء لها مقربون وكثيرون، فهي تقاوم الكيان الصهيوني، وتقدم قادتها شهداء، ولا يعجزها خوض أي معركة، وإذا قرر أحد ما الوقوف إلى جوار الاحتلال ضد شعبنا وأن يبيع القدس فعليه أن يدرك أن هذا لن ينفعه".

وأوضح أن حركته ستصبر وستواصل العمل من أجل الإفراج عن المعتقلين، وتأمل الاستجابة لذلك "ليس على سبيل الجميل أو المن، ولكن لأجل عملهم لصالح فلسطين، فهم من يستحق التكريم لا الوضع في السجون".

أستاذ العلوم السياسية في جامعة الملك سعود، الكاتب والباحث السعودي أحمد بن راشد السعيد، اعتبر أن اعتقال المملكة للفلسطينيين والشيخ الثمانيني محمد الخضري إساءة لنفسها.

وقال السعيد، في حديث لصحيفة "الرسالة" الفلسطينية، إن الاعتقالات تسيء كثيراً للمملكة، لا سيما في ظل ما يتناقله النشطاء عن تعرض هؤلاء المعتقلين لانتهاكات، مشيراً إلى أن اعتقال الدكتور الخضري، وهو شيخ قارب على منتصف الثمانين، "أمر غير مقبول أو مفهوم".

ولم تتوقف الاعتقالات السعودية عند الخضري ونجله، إذ كشف الوزير الفلسطيني السابق والقيادي في حركة "حماس"، وصفي قبها، عن اعتقال السلطات السعودية لأكثر من 56 شخصاً ينتمون للحركة.

وقال: إن "السلطات السعودية تعتقل منذ أكثر من 6 أشهر 56 عنصراً من أبناء حماس كانوا مقيمين داخل المملكة، وحتى هذه اللحظة فشلت كل الاتصالات والوساطات في تجاوز هذا الملف والإفراج عن المعتقلين الفلسطينيين".

وأوضح القيادي في "حماس" أن العلاقات السعودية مع حركته بدأت تأخذ منحنيات توتر غير مسبوقة، منذ عامين تقريباً، وشهدت خلال تلك الفترات العديد من الملاحقات والاعتقالات، وتضييق الخناق على عناصر الحركة الموجودين داخل المملكة.

وسبق اعتقال الخضري قيام السلطات السعودية باعتقال القيادي في حركة "حماس" ماهر صلاح، في 2015، ووُجّهت إليه تهمة "غسل الأموال"، قبل أن يُفرَج عنه نهاية 2016 ويُبعَد إلى تركيا، بعد تدخل وساطات عديدة.

كذلك، أوقفت السلطات السعودية القيادي في حركة "حماس"، نزار عوض الله، ساعات طويلة، وحققت معه بعد انتهاء موسم الحج، وأثناء مغادرته المملكة في مطار جدة في أكتوبر 2016.

مصادر إعلامية ذكرت آنذاك أن عوض الله احتجز ساعات طويلة وحقق معه ضباط في المخابرات السعودية داخل المطار على خلفية ارتباطه بأشخاص من رجال أعمال فلسطينيين وعرب مقيمين في البلاد، كانوا معتقلين في المملكة بتهمة نقل أموال لحركة حماس وإدارة مشاريع اقتصادية في دول خليجية لصالح الحركة.

وكانت حركة "حماس" لديها مكتب غير معلن في السعودية افتتِح عام 1988، إبان حكم الملك السعودي فهد بن عبد العزيز، حين التقى مدير المخابرات السعودية آنذاك، بالقيادي موسى أبو مرزوق، ومثل الخضري الحركة بعد الموافقة بشكل رسمي عليه.

وبدأت العلاقات السعودية الحمساوية تتدهور بعد 2007، عندما اتهمت الرياض الحركة بالانقلاب على اتفاقمكة التي رعته المملكة وإفشاله. ووصلت العلاقات إلى طريق مسدود، بعد إعلان وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي، عادل الجبير، حماس منظمة متطرفة، خلال كلمة أمام البرلمان الأوروبي منتصف فبراير 2018.

على الصعيد ذاته أطلق نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي حملة تضامن مع محمد الخضري الذي يقيم في مدينة جدة منذ 30 عاما، مطالبة بالإفراج عنه وعن الفلسطينيين المعتقلين لديها.

وأطلق النشطاء وسم #الحرية_للخضري وطالبوا خلاله السلطات السعودية بالإفراج عن القيادي الخضري، وإخوانه المعتقلين دون أي مبرر.

وقال الكاتب تركي الشلهوب، عبر تويتر: إن الحكومة السعودية، اعتقلت عضو حركة حماس، د. محمد صالح الخضري، الذي يقيم في السعودية منذ 30 عاماً، رغم أن عمره تجاوز 81 عاماً، ورغم أنه يعاني من "مرض عضال"، ورغم أنه كان مسؤولاً عن إدارة علاقة حماس مع الحكومة السعودية على مدى عقدين من الزمن!!

وعرض رئيس الدائرة الإعلامية لحماس في الخارج رأفت مرة جزءًا من بيان حماس حول اعتقال السلطات السعودية للقيادي الخضري، مطالبا بحريته.

الناشط أدهم أبو سلمية أشار إلى أن الأمر لم يقتصر على اعتقال د. محمد الخضري، وإنّما اعتقل نجله الأكبر د. هاني، دون أي مبرّر، ضمن حملة طالت العديد من أبناء الشعب الفلسطيني المقيمين في السعودية.

وأشار الكاتب محمد المدهون إلى أن إصدار بيان حماس جاء بعد فشل المحاولات الدبلوماسية والوساطات للإفراج عن الشيخ الخضري الذي كان يشغل منصب "مسؤول إدارة العلاقات مع المملكة" لأكثر من عقدين!

والجمعة الماضية، دعا المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، السلطات السعودية للكشف الفوري عن مصير عشرات الفلسطينيين ممن تعرضوا للإخفاء القسري، وإطلاق سراحهم فورًا ما لم يوجَّه اتهام لهم بارتكاب مخالفة.

وقال المرصد الأورومتوسطي، ومقره جنيف، في بيان له: إنه لم يستطع تحديد رقم دقيق لعدد المعتقلين من الفلسطينيين غير أنه حصل على أسماء نحو 60 شخصًا، في حين تشير تقديرات داخل الجالية الفلسطينية في المملكة العربية السعودية إلى أن العدد يفوق ذلك بكثير.

وأوضح أنه وثّق شهادات 11 عائلة فلسطينية تعرض أبناؤها للاعتقال أو الإخفاء قسرًا خلال الأشهر الأخيرة أثناء إقامتهم أو زيارتهم للسعودية، منهم طلبة ومقيمون وأكاديميون ورجال أعمال.

وأشار إلى أن السلطات السعودية عزلتهم عن العالم الخارجي دون لوائح اتهام محددة أو عرض على جهة الاختصاص (النيابة العامة)، في وقت لا يُسمح لهم بالاتصال بأقاربهم أو التواصل مع محاميهم.

وقالت مسؤولة الاتصال والإعلام لدى المرصد الأورومتوسطي "سيلين يشار": إن "حملة الاعتقالات التي تستهدف الفلسطينيين ليست إلا أحد الأحداث التي تأتي ضمن سلسلة طويلة من الانتهاكات التي تضاف إلى سجل المملكة المرعب في مجال حقوق الإنسان".

ويقيم نحو نصف مليون فلسطيني في السعودية الذين أسهموا بشكل كبير في النهضة التعليمية والصحية والاقتصادية في المملكة، وفي تطوير بنيتها التحتية وفي إعمارها. لذلك هؤلاء يستحقون الاحترام والتكريم، وليس السجن والملاحقة والضغوط الجسدية والنفسية.