خبير بالتسليح وزيرا للخارجية في السعودية.. لماذا؟

خبير بالتسليح وزيرا للخارجية في السعودية.. لماذا؟
الخميس ٢٤ أكتوبر ٢٠١٩ - ٠٣:٠٨ بتوقيت غرينتش

قبل اكثر من عام، تسببت عملية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده باسطنبول التركية، تسببت في حدوث ازمة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان لم يكن بإمكانه الخروج منها لو لم يكن هناك دعم كامل تمتع به من الرئيس الاميركي دونالد ترامب.

العالم - يقال ان

بعد هذه الفضيحة، نفى النظام السعودي في بداية الامر علمه بذلك لكنه اضطر فيما بعد للقبول بالجريمة. وأخيرا، تحمل ابن سلمان مسؤولیة اغتیال خاشقجي بحجج غوغائية بما أنه حدث في ظل إدارته، مبررا في الوقت ذاته بأنه لا يمكن له أن يسيطر على تصرفات ملايين المواطنين السعوديين وعدة ملايين من الموظفين يعملون تحت امرته!

لكن قضية خاشقجي، التي تحولت إلى كابوس لابن سلمان يطارده ليل نهار لعدة أشهر، كان لها ضحية خاصة بعد ثلاثة أشهر، وهو وزير الخارجية السعودي حينها عادل الجبير.

في ذلك الوقت، كان المحللون يعتقدون عموما بأن الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده بن سلمان بشكل خاص كانا وراء عزل الجبير من منصبه، بحجة فشله في الدفاع عن سمعة العائلة الحاكمة كما كان يتوقع وتبرئة ابن سلمان من تهمة قتل خاشقجي.

هذا وكان بعض الخبراء في الشأن السعودي يعتقدون آنذاك ان عادة الحكام الدكتاتوريين من أمثال ابن سلمان هي انهم لا يتحملون وجوها وشخصيات أقوى منهم، وكان الظن الغالب حينها ان الجبير هو من يدير السعودية وليس العائلة الحاكمة.

ولم يقتصر الأمر على عزل الجبیر فقط، بل تعرض الوزير السعودي أيضًا لإهانة شديدة من قبل الملك في هذه القضية، لأن خليفته كان أحد المتهمين بالفساد والذي سجن بأمر من ابن سلمان لفترة طويلة في فندق الريتز كارلتون. وبعد إطلاق سراحه، عين على منصب وزارة الخارجية فيما كان له خلفية اقتصادية بحتة.

كان واضحا أنذاك أن منصب وزير الخارجية لا يليق ابراهيم العساف ومن هذا المنطلق تم تعيين الأمير السعودي فيصل بن فرحان وزيراً للخارجية يوم الأربعاء 23 أكتوبر 2019.

وکان ابن سلمان ومن خلال تعیينه العساف وزيرا للخارجية يسعى لتحقيق عدة أهداف فی آن واحد: اولا معاقبة الجبير بسبب إخفاقه في إنجاز مهامه وثانيا الحؤول دون تواطؤ 200 من الأمراء السعوديين المعتقلين في فندق الريتز كارلتون بتهمة الفساد، وأخيراً تمهيد الارضية لإعادة منصب وزارة الخارجية إلى داخل الأسرة الحاكمة.

ومن الواضح، ان بقاء العساف خارج الاضواء على مدى الأشهر التسعة الماضية، وكونه فزاعة في وزارة الخارجية السعودية أعطى بن سلمان الفرصة للبحث عن وجه جديد من داخل العائلة الحاكمة وكانت الوزارة من نصيب بن فرحان في نهاية المطاف.

وتظهر دراسة سجل وزير الخارجية الجديد أنه رغم عدم افتقاره لخبرات سياسية كبيرة، كونه سفيرا للسعودية في ألمانيا لبضعة اشهر والقائم باعمال السفارة السعودية بأميركا لفترة وجيزة الا انه يحظى بمواصفات ربما يتمكن من خلالها من انقاذ سفينة الخارجية السعودية من العاصفة الهوجاء التي تهددها في هذه الفترة الحساسة ومن بين هذه الميزات أنه لا يختلف عن ابن سلمان في معاداته لايران، وهذه السمة المشتركة بينهما يمكنها أن توفر تنسيقًا أكبر بين ولي العهد ووزير الخارجية.

مع ان بن فرحان يظهر دائما معاداته لايران لكن من أوضح مواقفه المناهضة لإيران يمكننا الاشارة الى الموقف الذي اتخذه بعد هجمات سبتمبر الأخيرة على منشأت ارامكو من قبل الجيش واللجان الشعبية اليمنية حيث قال ان جميع الخيارات ضد ايران مطروحة على الطاولة السعودية.. كما انه قال في تصريح اخر إن الحوثيين ربما قادرون على تصنيع الصواريخ ولكن ليس لديهم القدرة على إطلاقها وإن إيران تقف بالتأكيد وراء ذلك.

من البديهي ان هذه التصريحات غير الناضجة صدرت من خبير التسليح قبل ان تصدر من شخصية سياسية متمرسة.

ورغم ان صحيفة "عكاظ" السعودية يصف بن فرحان بأنه "سياسي للظروف الصعبة"، واضح أن هذه التصريحات صادرة عن سياسي غير محترف وهاو.

والموضوع الاخر الذي جعل بن فرحان جديرا بمنصب الخارجية من وجهة نظر ابن سلمان هو تعاطفه وتعاونه الكامل مع ولي العهد في قضية مقتل الصحفي خاشقجي حيث تؤكد بعض المصادر الإعلامية على دور بن فرحان المهم في خداع خاشقجي واستدراجه إلى السفارة السعودية في تركيا كما انه واجه معارضة كبيرة في المانيا لتعيينه سفيرا للسعودية.

وربما يفكر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في خلوته بانه مع تعيين بن فرحان وزيرا للخارجية السعودية جاء برجل مؤنس باراقة الدماء اكثر من الدبلوماسية مثله تماما من جهة ومن جهة اخرى تفهم واشنطن واوروبا، لسان حاله اكثر بسبب تواجده في أمريكا والمانيا واخيرا انه متورط في قضية مقتل خاشقجي كما هو الحال بالنسبة لابن سلمان.

وقد علق بن سلمان امالا على هذا الوزير الجديد البالغ من العمر 45 عامًا حتى ينقذه أولاً من الأزمة اليمنية وثانيا من ألازمة الخليجية واخيرا في تحدي إيران. هذا فيما يمكننا التنبؤ بفشل هذا الشاب العسكري في مهامه منذ الان.

والحقيقة هي أن السياسة الخارجية السعودية ما زالت تابعة لسياسة واشنطن الخارجية، وأن ابن سلمان منشغل بمسح المشكلة بشكل مكرر بدلاً من حلها بشكل جذري.

ابو رضا صالح / العالم