نيويورك تايمز: الامير المتهور لم يتعلم من الدروس

نيويورك تايمز: الامير المتهور لم يتعلم من الدروس
الثلاثاء ١٠ مارس ٢٠٢٠ - ٠١:٤٣ بتوقيت غرينتش

قال ديفيد كيركباتريك، المراسل الدولي لصحيفة “نيويورك تايمز”، إن ولي العهد السعودي ابتعد عن الأضواء لفترة ثم جاء بحرب أسعار النفط واعتقال الأمراء البارزين. وقال إن محمد بن سلمان أمر أولا باعتقال أربعة من الأمراء البارزين في العائلة الحاكمة وفي اليوم التالي ورط السعودية في حرب أسعار مع روسيا، وهو قرار أدى إلى تراجع أسعار الطاقة والأسهم حول العالم.

العالم- السعودية

وبدا الأمير ولفترة أنه يبتعد عن سمعته كشخص عدواني. وربما أدبته جريمة مقتل جمال خاشقجي والتداعيات الدولية التي أعقبتها واتهامه بإصدار أمر القتل للصحافي الناقد له. لكن لا لم يتعلم.

بدا الأمير ولفترة أنه يبتعد عن سمعته كشخص عدواني. وربما أدبته جريمة مقتل جمال خاشقجي والتداعيات الدولية التي أعقبتها. لكن لا لم يتعلم

وأحيت لعبة القوة الجديدة التي يمارسها النقاش داخل العواصم الغربية حول شخصيته وإن كان متهورا بدرجة لا يمكن الثقة به. فقراره المفاجئ تخفيض أسعار النفط ضرب الاقتصاد العالمي الذي يواجه مخاطر الدخول في حالة من الركود. ويهدد قراره بحرق احتياطات السعودية النقدية وتقويض وعوده البراقة بالاستثمار في مشاريع جديدة لتخفيف اعتماد المملكة على النفط.

ويعلق غريغ برو، الخبير في المنطقة بجامعة ساثرن ميثوديتس: “هذا بالتأكيد دمار متبادل لأي اقتصاد يعتمد على تصدير النفط، وبالتأكيد السعودية وروسيا وربما الولايات المتحدة أيضا” و”لكن هذا هو م ب س” مستخدما لقبه “فهو مخاطر وميال للقرارات المتهورة”.

ويقول كيركباتريك إن التسريبات حول اعتقال الأمراء بدأت يوم الجمعة ولم تصدر الحكومة السعودية بيانا وضحت فيه الأمر أو حتى اعترفت به.

ومن المعتقلين الأمير أحمد بن عبد العزيز أصغر أشقاء الملك سلمان، والأمير محمد بن نايف، ولي العهد السابق. وأدت أخبار الاعتقالات لانتشار شائعات حول خطط الأمير محمد بن سلمان لتهيئة الطريق أمام صعوده للعرش وتحييد والده الذي يفقد ذاكرته ولا يعرف من حوله. إلا أن مقربين للديوان الملكي أكدوا أن ولي العهد اعتقل عمه وابن عمه لانتقادهما له ولأنه يريد تلقين بقية العائلة درسا.

ويقول ستيفان هيرتوغ، الباحث في مدرسة لندن للاقتصاد: “كانت الأمور هادئة لوقت واعتقد البعض أن م ب س قد لان” و”الواضح أن شخصيته لم تتغير”.

وقرر الأمير محمد تخفيض أسعار النفط لمعاقبة روسيا التي حملها مسؤولية عدم التعاون لتخفيض مستويات الإنتاج ورفع أسعار النفط. ويواجه السوق النفطي هبوطا في الطلب بسبب انتشار فيروس كورونا. ويقول هيرتوغ: “أظهر الروس تحديا وها هم السعوديون يحاولون تعليمهم ثمن عدم التعاون” وبالنسبة للسعودية “فهي لعبة خطيرة”.

ويرى كيركباتريك أن السعودية لديها ما تخسره أكثر من روسيا، لأن هذه لديها مصادر دخل متنوعة وقامت ببناء احتياطاتها النقدية منذ التراجع الأخير في أسعار النفط. وبالمقابل تعتمد السعودية على النفط. وأكثر من هذا فلم يزد احتياطها النقدي خلال السنوات الأربع الماضية عن 500 مليار دولار، وهو أقل من الاحتياطي في عام 2014 بـ 740 مليار دولار.

ويقول المحللون إن السعودية بحاجة إلى سعر 80 دولارا للبرميل لكي توازن حساباتها السنوية وبدون أن تضطر لتبني سياسات تقشف مؤلمة. ولكن سعر البرميل انخفض يوم الإثنين إلى 35 دولارا أي أقل من نصف السعر المطلوب. ولو استمر الانخفاض على مدى عامين فسيتأثر الاحتياط المالي مما يضع ضغوطا على سعر الصرف وكذا خطط تنويع الاقتصاد.

وتركزت خطط الاقتصاد التي قدمها ولي العهد على طرح أسهم من شركة النفط السعودية، أرامكو، في السوق المالي، كوسيلة لجمع المال والاستثمار في القطاعات الأخرى. ولكن الخطة الكبيرة للطرح الدولي أجلت واستبدلت بطرح كسول في السوق المالي. وأدى انخفاض أسعار النفط خلال اليومين الأخيرين إلى خسارة الشركة 320 مليار دولار من قيمتها. وجاءت حرب الأسعار مباشرة بعد حملة الاعتقالات الأخيرة مما أدى لتكهنات حول محاولة ولي العهد احتواء المنافسين المحتملين له قبل بداية المشاكل. وربما كانت الاعتقالات محاولة وقائية ضد أعدائه قبل تعرض الاقتصاد للمشاكل بطريقة تكشف عن ضعف الأمير.

حملة الاعتقالات وحرب النفط هي تعبير عن أن محمد بن سلمان لم يتغير و”لم يتعلم من الدورس أو ينضج.. بل تعلم العكس وهو أنه فوق القانون

وتقول كريستين سميث ديوان من معهد دول الخليج العربية في واشنطن: “التهديد لـ م ب س لا يأتي من الأمراء المنافسين له، بل من انهيار عائدات النفط وأثر ذلك على خططه الطموحة للاقتصاد”. إلا أن الدبلوماسيين والمحللين العارفين بالشأن السعودي يرون أن محمد بن سلمان وطد دعائم سلطته وهو لا يخشى والحالة هذه أية منافسة. فقد استطاع الأمير وبشراسة غير مسبوقة في تاريخ السعودية الحديث مراكمة سلطات لم يحظ بها أي ملك سعودي في الماضي. وركز وحشيته على أفراد العائلة الذين هددهم للخضوع له.

وحتى لو تعرضت السعودية لمشاكل بسبب حرب النفط فإن الأمراء الذين اعتقلهم لا أمل لهم بتحدي سلطاته. فقد وضع نفس الأمراء تحت رقابة شديدة وحد من قدراتهم على التآمر حسب أشخاص مقربين من الديوان الملكي. فالأمير أحمد الذي عبر عن مواقف ناقدة للملك والأمير عندما كان في لندن بدا خانعا للأمير، على الأقل في المظهر العام. أما الأمير محمد بن نايف فقد وضع منذ عام 2017 تحت الإقامة الجبرية وجرد من كل مناصبه، كولي للعهد ووزير للداخلية.

وفي العادة كان الحكام السعوديون السابقون يخبرون واشنطن أو لندن مقدما بأي عملية اعتقالات كهذه. وفي الأسبوع الماضي التقى ولي العهد بوزير الخارجية البريطاني دومينك راب، وقبل شهر مع وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو. وبحسب دبلوماسيين لم يعط ولي العهد أية إشارة عن حملة اعتقالات قادمة.

ويقول إميل هوكاييم من المعد الدولي للدراسات الإستراتيجية إن المسؤولين الغربيين يخشون من “مخاطر السمعة” للارتباط بزعيم لا يمكن التكهن بتصرفاته، مع أن محمد بن سلمان لم يواجه حتى هذا الوقت أية تداعيات خطيرة. فقد قاد حربا في اليمن خلقت أكبر كارثة إنسانية وقام بحملة اعتقالات واسعة للأمراء ورجال الأعمال في فندق ريتز كارلتون وأجبرهم على التخلي عن أرصدة وأموال بل وحاول اختطاف رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري.

وتوصلت المخابرات الأمريكية في عام 2018 إلى أن محمد بن سلمان هو من أمر بقتل جمال خاشقجي، الصحافي الذي كان يكتب بصحيفة “واشنطن بوست”. ولكن المحللين لاحظوا نضجا في العام الماضي عندما قرر تخفيف المواجهة مع إيران. وفي قمة العشرين باليابان عام 2019 استقبل كرجل دولة ومنحت بلاده شرف استضافة القمة هذا العام. ووصفه الرئيس دونالد ترامب “بصديقي” و”قمت بعمل باهر”.

وعندما هز محمد بن سلمان الأسواق أكد ترامب على الجانب الإيجابي “هذا جيد للمستهلكين، وهبطت أسعار البنزين”. ويرى أندرو ميللر من مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط أن حملة الاعتقالات وحرب النفط هي تعبير عن أن محمد بن سلمان لم يتغير و”لم يتعلم من الدورس أو ينضج.. بل تعلم العكس وهو أنه فوق القانون، ولأن السعودية مهمة للحلفاء الغربيين فدائما يتم التسامح معها”.