الى اوروبا.. يخطأ كثيرا من يراهن على امريكا

الى اوروبا.. يخطأ كثيرا من يراهن على امريكا
الجمعة ١٠ أبريل ٢٠٢٠ - ٠٢:٥٠ بتوقيت غرينتش

جائحة كورونا التي أخذت منحىً تصاعدياً خلال الأسابيع الأخيرة في مختلف أنحاء العالم کشفت أبعاداً جديدة عن النزعة الإمبريالية للولايات المتحدة وزيف إدعاءتها بشأن حقوق الانسان أمام العالم؛ فقرصنة المساعدات الإنسانية والمستلزمات الطبية حتى من الدول الصديقة والحليفة لواشنطن واستمرار الحظر الطبي والصحي على إيران بالاضافة إلى تسييس المعاهدات والاتفاقيات الدولية في مجال الصحة وملاسنات الرئيس الأمريكي مع منظمة الصحة العالمية في هذا الإطار عكست كلها الثقافة الامريكية القائمة على الفلسفة المادية والأنانية المقيتة من جهة، وعدم إمكانية الاعتماد على الادارة الأمريكية من جهة أخرى.

العالم-كشكول

من أكثر الازمات إثارة في الآونة الاخيرة استحواذ الولايات المتحدة الأمريكية على عدد من شحنات المستلزمات الطبية وقرصنتها للكمامات والاقنعة الصحية التي كانت في طريقها إلى كل من فرنسا وألمانيا حيث اعتبر وزير الداخلية الألماني هذه العملية بأنها "وجه من أوجه القرصنة الحديثة" مؤكداً أن هذه ليست طريقة حضارية للتعامل مع شركاء الأطلسي، واصفاً التصرف الأمريكي بـ"المتوحش".

تنديدات ألمانيا بالتصرفات الأمريكية تضاف إلى عدد من الشكاوى الفرنسية والكندية والايطالية بشأن القرصنة الأمريكية التي ردّ عليها الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" باستعلاء قائلاً:"لا نريد لدول أخرى أن تحصل على ما نحتاجه من أقنعة طبية ولكم أن تسموا ما سيحصل بالإنتقام إن لم نأخذ ما نريد"!.

القرصنة الأمريكية للمستلزمات الطبية جاءت بالتزامن مع إعلان ترامب تعليق تعاون واشنطن مع منظمة الصحة العالمية ضارباً عرض الحائط كل المواثيق والتوافقات الأممية بشأن الصحة في خرق أمريكي جديد للمعاهدات الدولية بعد خروج ترامب في أوقات سابقة من إتفاقية باريس للمناخ والاتفاق النووي بين إيران والمجموعة السداسية الدولية.

السلوك الأمريكي بات يحتّم أكثر من أي وقت مضى على الأمم المتحدة وعلى الدول الحليفة والصديقة لواشنطن أن تعيد حساباتها في التعامل مع أمريكا على الرغم من أنها فضّلت ان تقف موقف المتفرج إزاء استمرار الولايات المتحدة في فرض الحظر الظالم على الجمهورية الإسلامية في إيران في ظروف انسانية حرجة.

وفي الوقت الذي يطالب فيه المسؤولون الإيرانيون كافّة بلدان العالم والمنظمات الدولية بالسعي لرفع العقوبات الأمريكية من أجل الحدّ من انتشار فايروس كورونا ومواجهته، وبالرغم من أن قانون العقوبات الأمريكي ضد طهران لا يمنع الأخيرة من شراء المستلزمات الطبية والعلاجية والمنتجات الإنسانية، لكن عملياً وعلى أرض الواقع ليس بالإمكان إيصال هذه المستلزمات الطبية إلى إيران، لأنه ليست هناك إمكانية لنقل أموال شراء هذه المستلزمات، حيث تمتنع البنوك والمصارف الأوروبية وبعض البنوك الآسيوية عن التعامل المصرفي مع إيران بسبب مخاوفها من فرض عقوبات أمريكية عليها، ولأن شركات تأمين النقل قد أوقفت عملها كذلك مع إيران بسبب تهديدها أيضاً من قبل واشنطن.

هذه التفاصيل وغيرها تدعو العالم إلى الارتقاء بمستوى التفكير تجاه المعضلات والأزمات العالمية واعتماد الأسس الأخلاقية والقيم الإنسانية في حل هذه الأزمات والابتعاد كلّياً عن أيّ توجه تشم منه رائحة المساومة على المصلحة البشرية العليا وتجنب أيّ محاولة للقفز على الحقائق، لأن فيروس كورونا لا يفرق بين بني البشر، ولهذا ينبغي على جميع الدول توحيد جهودها وإمكاناتها لمواجهة هذا الخطر قبل فوات الأوان ومدّ يد العون لأي دولة تحتاج لمساعدات إنسانية دون النظر للخلافات السياسية أو غيرها، فالدول لا تستجدي إحتياجاتها من أحد وعلى منظمة الصحة العالمية الاضطلاع بمسؤولياتها في مواجهة خطر كورونا وتهيئة الأرضية المناسبة للتنسيق والتعاون بين كافّة الدول في هذا المجال، كما على المنظمات الدولية الأخرى وفي مقدمتها الأمم المتحدة تفعيل دورها في التصدي لأيّ توجه يهدف إلى تحقيق أهداف سياسية على حساب سلامة وصحة الإنسان في كل بقاع الأرض خصوصاً وأن بلداناً كثيرة قد دعت لتبني هذا المنهج وطالبت بالاسراع برفع الحظر عن إيران وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بالشؤون الطبية والصحية اللازمة لمواجهة كورونا في هذا الوقت العصيب الذي تواجهه البشرية في شتى أنحاء العالم، فالأخلاق ومدى الالتزام بها تنكشف حقيقته في ساعة الشدة وليس عبر الادّعاءات الفارغة.

*محمد جواد ارويلي