فيديو.. ما هو الدور الصهيوني في أزمة قره باغ؟

الأحد ١١ أكتوبر ٢٠٢٠ - ٠٢:٢٢ بتوقيت غرينتش

طهران (العالم) 2020.10.11 - حذر السفير الإيراني السابق في باكو محسن باك آيين من دور الكيان الصهيوني في الصراع الآذربيجاني الأرميني من خلال تنشيطه لمبيعات الأسلحة لكلا الطرفين، داعيا المجتمع الدولي الإهتمام بهذا الموضوع ووضع عراقيل أمام عملية بيع الأسلحة لآذربايجان وأرمينيا من قبل الكيان الصهيوني بهدف عدم صبّ المزيد من الزيت على نار الحرب المشتعلة.

العالم - إيران

وكان لقناة العالم الاخبارية لقاءاً خاصا مع باك آيين تناولنا فيه جانبا من الأدوار الأجنبية وخاصة الأميركية والصهيونية والتركية، وكذلك موقف إيران من النزاع الدائر هناك.. إليكم نصه:

السؤال الأوّل: لماذا فشلت الجهود الإقيليمية والدولية لحلحلة أزمة قره باغ المستمرة منذ 3 عقود؟ أين تكمن المشكلة؟

قبل أن أتطرّق إلى موضوع الوساطة أود أن أشرح هذه المشكلة باختصار. تتكوّن المشكلة من قسمين، أحدهما يختصّ بقره باغ، وللعلم فأنّ منطقة قره باغ كانت بمثابة جمهورية ذاتية الحكم تتبع جمهورية آذربايجان شأنها في هذا شأن جمهورية نخجوان التي تتمتّع بالحكم الذاتي وتقع تحت مراقبة وملكية جمهورية آذربايجان. فمنذ عام 1921 وضع الإتّحاد السوفيتي السابق قره باغ تحت تصرّف جمهورية آذربايجان وفقاً لتقسيمات الدولة والجمهورية. بالطبع فأنّ غالبية سكان قره باغ من الأرمن وهذه المنطقة تشكل القسم الأرمني من جمهورية آذربايجان. وعلي أعتاب إنهيار الإتّحاد السوفيتي السابق، وبدعم وتحريض من أرمينيا، طالب الأرمن في منطقة قره باغ بالإنضمام إلى أرمينيا، فما كان من جمهورية آذربايجان إلا أن رفضت هذه الرغبة. وبعد إنهيار الإتحاد السوفيتي، أعلنت منطقة قره باغ الإستقلال وقال ممثلوها للسبب نفسه الذي أعلنت دول كآذربايجان وأوزبكستان وأرمينيا إستقلالها لذا لابد أن تستقل منطقة قره باغ أيضاً، علماً أنّ المنطقة الآنفة الذكر لم تكن تتمتّع بالمواصفات التي كانت تمتلكها الدول الأخرى التي أعلنت إستقلالها من حيث تعداد السكان والمساحة. إشتعلت حرب لاحقاً وساعدت أرمينيا قره باغ كما قام الروس بدعم وإسناد أرمينيا، ومن أجل أن تحبط أرمينيا أيّ هجوم من قبل قوات جمهورية آذربايجان على قره باغ، قامت بإحتلال سبع مدن آذرية كانت تشكل حائلاً بين آذربايجان وقره باغ إحتلالاً عسكرياً. ففي حقيقة الأمر اليوم تُعتبر المشكلة ذات شقّين. الشقّ الأول قره باغ بذاتها، بينما الشقّ الآخر يختصّ بالمدن السبع المحتلة. يمكن إطلاق إسم "نزاع" على قره باغ، والسبب أنّه بالإمكان الحديث عن الموضوع من ناحية قانونية، ولربّما ينتهي النقاش لصالح جمهورية آذربايجان أيضاً، فلموضوع قانوني بحت. ولكن فيما يخصّ المدن السبع المحتلة فانّها تتبع جمهورية آذربايجان وهي جزء من التراب الوطني الآذري، وحتّى الأرمن يقبلون بهذه الحقيقة، كما أنّ أرمينيا تقبل بملكية آذربايجان للمدن السبع المحتلة. والآن متابعة لهذه الحكاية لماذا لم تتوصّل الوساطات إلى أيّ نتيجة؟ عام 1994 عُقد إجتماع في مدينة "مينسك" عاصمة بيلاروسيا وقد قبلت الدولتان، أي آذربايجان وأرمينيا، أن تتولي مجموعة مينسك عملية الوساطة. قامت منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن على وجه لتحديد بدعم ومساندة المجموعة الآنفة لذكر، وللعلم فأنّ ثلاثة أعضاء دائمين في مجلس الأمن، أي أميركا وروسيا وفرنسا، تترأس مجموعة مينسك. وكما كان حيدر علييف، الرئيس الراحل لجمهورية آذربايجان، يوضّح أنّ مسؤولي الدول الثلاث من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، أوعدوه بأنّهم سيعيدون قره باغ للآذريين. ومن هذا المنطلق بدأت المجموعة نشاطها، فقد قدمت بعض الحلول إلا أنّ أرمينيا رفضتها كلها.

وبعد أن حدث ماحدث، قام مجلس الأمن الدولي بإصدار أربعة قرارات خلال سنة واحدة فقط، وقد كان المحور المشترك للقرارات الأربعة يتركز على ضرورة خروج القوّات الأرمنية من المدن السبع المحتلة كمقدمة للدخول في مفاوضات بشأن مشكلة قره باغ. بمعنى خروج أرمينيا من المدن السبع بداية ومن ثمّ يجلس الطرفان للتفاوض حول موضوع قره باغ وهل يمكن لهذه المنطقة أن تكون مستقلة أو كلا لايمكنها؟ هذا كان الموضوع المطروح، لكنّ أرمينيا لم تنفّذ القرارات الصادرة من قبل مجلس الأمن. عادة في هذه الحالات، يتوجّب على مجلس الأمن الدولي الاستفادة من آليات تنفيذية بهدف إرغام دولة ما لم تقم بتطبيق القرارات على تنفيذها، على سبيل المثال، تطبيق الحظر الإقتصادي عليها أو إتّخاذ إجراءات أخرى ضدها، أو حتّى في بعض الحالات تشكيل قوّة عسكرية من عدة دول لإجبار الدولة الرافضة لتنفيذ قرارات مجلس الأمن على القيام بالتنفيذ، تماماً كالعمل الذي كان مقدمة للهجوم على العراق من قبل أميركا أو على أفغانستان. لم يقم مجلس الأمن بإتّخاذ الخطوات المشار إليها في أرمينيا، بسبب عدم تبلور هذا الأمر قامت مجموعة مينسك بتقديم حلول أخرى. على سبيل المثال، كان هناك إجتماع في مدريد، العاصمة الإسبانية، عام 2007، فقد طرح الأعضاء إقتراحاً بأن تقوم أرمينيا بداية بإخلاء خمس مدن ومن ثمّ تقوم قوات حفظ السلام التابعة لمنظمة الأمم المتّحدة بدخولها والعمل كحاجز بهدف تبديد قلق أرمينيا من أيّ هجوم محتمل لآذربايجان على قره باغ، وبعد مرور شهرين تخرج أرمينيا من المدينتين الأخريين ومن ثمّ يجلس الطرفان لبحث موضوع قره باغ، وهذا الإقتراح تمّ رفضه من قبل أرمينيا أيضاً. على هذا الأساس، قام السيد لافروف، وزير خارجية روسيا الإتّحادية، بتقديم مقترح شبيه بالمقترح السابق، قبل ثلاث سنوات، ومرّة أخرى رفضت أرمينيا المقترح الروسي. كما كان هناك إقتراح بأن تقوم آذربايجان وأرمينيا بإدارة مشتركة لمنطقة قره باغ، لنفترض أن يكون رئيس الجمهورية آذري لمدة ثلاث سنوات، وبعده يصبح رئيس الجمهورية أرمني لنفس المدة الزمنية، ولكن لم ينجح أيّ مقترح من المقترحات السابقة، وفي نهاية الأمر وصلت الأمور إلى ما نشاهده الآن من قتال. واليوم، وإلي جانب مجموعة مينسك ومنظمة الأمم المتّحدة، فأنّ الدول الإقليمية قلقة من النزاع القائم. على سبيل المثال، لإيران حدود مشتركة مع آذربايجان وأرمينيا، كما أنّ قره باغ تتشارك مع "أرس" في الحدود، فأيّ نزاع كما نشاهده الآن لربّما يمتد إلى إيران أيضاً.

السؤال الثاني: كيف تنظر إيران أيضا إلى هذا الموضوع؟ هل هي تقف على مساحة واحدة من كلا الطرفين؟

لاحظ معي، لإيران مبادئ في سياستها الخارجية وهي تؤمن بها. شخصياً، أعتقد أنّنا ننظر إلى النزاع بين آذربايجان وأرمينيا ومنطقة قره باغ من منظار هذه الأصول. أوّلاً، الحفاظ على الجيرة وسياسة حسن الجوار. فوفقاً لهذا المبدأ المشار إليه نرى لزاماً على أنفسنا إقامة أطيب العلاقات وأوثقها مع الدول المجاورة لنا. لهذا فنحن لدينا علاقات ممتازة مع آذربايجان وأرمينيا على حد سواء، وقد أُسّست علاقاتنا مع الدولتين وفقاً للثقة المتبادلة التي منحتنا إمكانية التوسّط بينهما. أمّا المبدأ الثاني الذي نؤمن به معارضة الإنفصال، ففكرة الإنفصالية من قبل قوم من دولة مستقلة مذمومة في العالم وغير مقبولة، واليوم لاتحظي فكرة الإنفصال بمؤيدين كثيرين في العالم، ولهذا السبب نحن نعارض إنفصال قره باغ عن جمهورية آذربايجان، لماذا؟ حينما تستقل دولة تعداد سكانها 140 ألفاً فأنّها تصبح مرتعاً للقوى الكبرى ويجب عليها أن تكون تابعة لها.

إذا ما استقلت جمهورية تتمتّع بالحكم الذاتي وتحمل إسم قره باغ ومساحتها حوالي أربعة آلاف وبضعة كيلومترات مربّعة وتعداد سكانها مايقارب 150 أو 160 ألف نسمة، وهي تفتقر للمصادر الطبيعية ومصادر الثروة والأهمّ المصادر العسكرية فأنّها ستصبح خاضعة لإحدى القوى الكبرى تلقائياً ونتيجة لهذا التطوّر سوف تصبح مرتعاً للمنافسة بين القوى الكبرى وبالأخصّ بين أميركا وروسيا وتدخّل إسرائيل وتركيا، بمعنى أنّه لو حدث وأن انفصلت هذه الجمهورية أعتقد شخصياً أنّ هذه الحركة لن تكون لا في صالح قره باغ ولا أرمينيا أيضاً، والسبب أنّ المشكلة سوف تتضخّم. فالمشكلة في الوقت الراهن بين بلدين هما آذربايجان وأرمينيا لكنّها لاحقاً سوف تصبح مشكلة عالمية. لهذا أعتقد أنّ وجهة نظر إيران أنّها تعارض مبدأ الإنفصالية. أمّا المبدأ الثالث فيتمثّل في معارضتنا للإحتلال. كانت أجزاء من تراب بلادنا تحت الإحتلال لمدة سبع أو ثمان سنوات، ودائماً كنّا نطالب بإنهاء الإحتلال كشرط مسبق للدخول في مفاوضات مع الجانب الآخر. لهذا لن نقبل بإحتلال سبع مدن من قبل أرمينيا، ولهذا السبب أيضاً نعلن جهاراً وبصراحة في أحاديثنا وتصريحاتنا أنّنا نسعى لإنهاء الإحتلال الأرمني للمدن السبع التابعة لجمهورية آذربايجان ونعترف بالسيادة الآذرية عليها، لكنّنا نقولها بصراحة أيضاً أنّ تحقّق هذا الأمر يجب أن يتمّ عبر الطرق السلمية، هذا أفضل للجميع. نحن لانرى في الحرب وسيلة لإنهاء نزاع قره باغ، بل نعتقد بالإستناد إلى المبادئ التي ذكرتها لكم آنفاً، من الأفضل والجيد للدولتين أن تجلسا وتتحاورا من خلال مفاوضات ثنائية كي يتمّ إنهاء هذه المشكلة.

السؤال الثالث: برأيكم كيف ستكون نهاية هذا الصراع الجديد؟

في هذه المرحلة أصبحت الحرب أطول من المرّات السابقة، عادة ما كانت المعارك تستمر لمدة يوم أو يومين، فقد كانت هناك مناوشات تنتهي بإعلان وقف إطلاق النار نتيجة لتدخّل الدول الإقليمية أو الدول البعيدة عن منطقة النزاع. أمّا هذه المرّة فالشعور يوحي بأنّ الموضوع لن يكون كما كان يحدث في الماضي، شخصياً أعتقد أنّ جمهورية آذربايجان قد توصّلت إلى نتيجة مفادها أنّ الحلول السلمية سوف تكون عديمة الجدوى لهذا يجب عليها ممارسة القليل من الضغط على الطرف الآخر. حصل تقدم من جانب قوات آذربايجان نتج عنه تحرير حوالي 23 قرية. أعتقد شخصياً أنّ جمهورية آذربايجان سوف تحقّق تقدماً وتستقر قواتها في المناطق الجديدة المحرّرة وتثبّت الوضع الجديد ولاحقاً سوف تبدأ المفاوضات للبحث في الخلافات المطروحة.

السؤال الرابع: دور الكيان الصهيوني في هذه الأزمة دور واضح وجلي.. فللكيان الصهيوني علاقات وممصالح في كلال البلدين.. ولكن هذه المرة يبدو ان هناك ميول إلى جانب آذربيجان.. لماذا؟

أحد سياسات الكيان الصهيوني الأصولية يتمثّل في إقامة علاقات مع الدول الإسلامية، كي يبين للعالم بأنّ نزاعه يتمحور مع الدول العربية فقط، أو مع الجمهورية الإسلامية في إيران فحسب. ولهذا السبب بعد إنهيار الإتّحاد السوفيتي سعى هذا الكيان الصهيوني إلى ايجاد موطئ قدم له في دول آسيا الوسطي والقوقاز حيث يشكل المسلمون غالبية السكان، وهذا ما قام به الكيان الصهيوني في آذربايجان، حينما كنتُ سفيراً معتمداً لدى آذربايجان ذكر لي أحد المسؤولين الآذريين أنّنا كنّا في صدد شراء أسلحة من أميركا أثناء حربنا مع أرمينيا، لكنّ المسؤولين الأميركيين قالوا لنا اذهبوا إلى إسرائيل! ولهذا السبب توجّه الآذريون صوب الكيان المحتل لبيت المقدس. ومنذ ذاك الحين تطوّرت العلاقة بين جمهورية آذربايجان والكيان الصهيوني وفي حقيقة الأمر يعتبر الكيان الصهيوني من أهمّ بائعي الأسلحة لآذربايجان وذلك بهدف الحصول على مدخول إضافي له، بالطبع علي أن أقول أنّ هذا الكيان لايمنح آذربايجان أسلحة متطوّرة. على سبيل المثال، حينما سافر نتنياهو إلى باكو أعلن للمسؤولين في هذا البلد أنّ كيانه سوف يمنح آذربايجان نظام القبّة الحديدية لمواجهة الصواريخ، لكن هذا الأمر لم يتبلور إلى يومنا هذا. أمّا من حيث الكسب فالكيان الصهيوني أحد بائعي الأسلحة لباكو. وفي نفس الوقت، فقد حرص الكيان الصهيوني على إقامة روابط حسنة مع أرمينيا طوال العام المنصرم، فقد أُفتتحت سفارة أرمينيا في تل أبيب ويوجد بين الطرفين تعاون إستخباراتي. إضافة إلى ما سبق فهناك أدلة على تعاون عسكري بين الكيان الصهيوني وأرمينيا. بمعنى آخر، الحقيقة هي أنّ المحرّض ومن يصبّ الزيت على النار في هذه المعركة ليس سوى الكيان الصهيوني الذي يبيع الأسلحة لطرفي النزاع ويتعاون مع الطرفين في مجال الإستخبارات ولكن علاقاته مع جمهورية آذربايجان أكثر حرارة. على هذا الأساس، فأنّ أحد عوامل إستمرار هذا النزاع وعدم الوصول إلى حل سلمي له يتمثّل في بيع الأسلحة لكلا البلدين المتنازعين وعلي الأخصّ جمهورية آذربايجان، من وجهة نظري الشخصية يجب على المجتمع الدولي الإهتمام بهذا الموضوع ووضع عراقيل وحواجز أمام عملية بيع الأسلحة لآذربايجان وأرمينيا من قبل الكيان الصهيوني بهدف عدم صبّ المزيد من الزيت على نار الحرب المشتعلة.

السؤال الخامس: ترى هل أن لتدخل الكيان في هذا الصراع أهداف أخرى؟ على سبيل المثال يصب في سياق العداء الإسرائيلي لإيران؟

نعم، من المؤكد، حتّى أنّ مسؤولي الكيان الصهيوني إعترفوا في تصريحاتهم المختلفة من أنّ هدفهم من التواجد في آسيا الوسطي والقوقاز والدول الجارة لإيران، العمل على تقويض علاقات إيران مع هذه الدول إلى جانب التغلغل الإستخباراتي وتنفيذ عمليات ضد الجمهورية الإسلامية لإيران، وكلّ هذا جزء من برنامج الكيان الصهيوني. بالطبع ولله الحمد فأنّ جميع تحرّكات الصهاينة مراقبة من قبل المسؤولين الأمنيين والعسكريين في إيران ولايمكنهم القيام بأيّ خطوة تّجاه بلادنا، ولكن من المؤكد أنّ هذا أحد أهداف الكيان المحتل لبيت المقدس.

السؤال السادس: إنحياز الكيان الصهيوني نحو آذربيجان في هذه القصة هل يرتبط بالتطبيع الأخير مع الإمارات والبحرين؟

من حيث المبدأ وكما أسلفتُ لكم، تتمثّل سياسة الكيان الصهيوني في إقامة علاقات مع الدول المحيطة بالجمهورية الإسلامية في إيران والدول الإسلامية قاطبة، ولكن لايمكننا ربط هذا الموضوع بقضية آذربايجان. شخصياً أعتقد أنّ الموضوعين منفصلان، أي أنّ الكيان الصهيوني يسعى لإقامة علاقات مع الدول العربية في منطقة الخليج الفارسي وحتّى الدول البعيدة عن المنطقة كالمغرب والسودان، وفي نفس الوقت لهذا الكيان علاقات تقليدية مع جمهورية آذربايجان.

السؤال السابع: كيف تقيمون الدور التركي لهذا الصراع؟ وما الذي تسعى إليه تركيا؟

فيما يخصّ موضوع الخلاف بين تركيا وأرمينيا فالموضوع قديم جداً ويعود إلى نيسان/ أبريل سنة 1915، حينما تمّ توجيه إتّهام إلى تركيا بإرتكاب مجزرة ضد الأرمن. فمنذ ذاك الحين وحتّى بعد تفكك الإتّحاد السوفيتي كانت العلاقات بين الطرفين سيئة جداً. في حقيقة الأمر فأنّ العلاقات بين تركيا وأرمينيا تسبق موضوع قره باغ، ولكن حينما طفت إلى السطح قضية قره باغ من الطبيعي أنّ تركيا إنحازت لجمهورية آذربايجان، لسببين الأوّل أنّ تركيا تعارض أرمينيا والسكان الأرمن في قره باغ، بينما الثاني هو أنّ تركيا وآذربايجان تجمعهما لغة واحدة، وكوْن تركيا الشقيقة الأكبر لآذربايجان والدول الناطقة باللغة التركية، فقد سعت تركيا لضمّ هذه الدول الناطقة بالتركية تحت مظلتها، وعلى هذا الأساس فمن الناحية التقليدية تُعتبر تركيا صديقة لآذربايجان، وعادة مايردد سكان تركيا وآذربايجان شعاراً مفاده "بلدان بشعب واحد"، ينظر الشعبان على أنّهما قريبان جدا من بعضهما البعض. وخلال الأحداث الأخيرة أظهرت تركيا نفسها في موقف جديد وأكثر صلابة تّجاه مطالب آذربايجان ويقال إنّها أرسلت مجموعات تكفيرية لمساعدة آذربايجان ويبدو أنّ هذه الأخبار صحيحة، حيث أنّ مقاطع الفيديو والأفلام المرسلة من آذربايجان توضّح بما لا يدع مجالاً للشكّ وجود مجموعات تكفيرية تحارب إلى جانب الجنود والمقاتلين الآذريين وبعض الأفراد الذين يشبهون أعضاء داعش في أشكالهم.

السؤال الثامن: ما الهدف من نقل العناصر الإرهابية إلى هذه النقطة؟

هدف عام يتمثّل في أنّ الإرهابيين الذين منوا بهزيمة في سورية والعراق يبحثون عن موطئ قدم آخر في مواقع أخرى. في البداية اختاروا أفغانستان وبمساعدة من أميركا إستقرّوا في هذا البلد، بكلمات أخرى إستقر أعضاء داعش في مناطق مهمّة من أفغانستان وأوجدوا حالة من عدم الإستقرار فيها. ولاشك في مساعدة أميركا لهؤلاء الإرهابيين. كما أنّ هؤلاء الإرهابيين وضعوا نصب أعينهم دولاً بعيدة كجنوب الفيليبين وجنوب تايلاند وأندونيسيا. يبدو أنّه بعد الأحداث الأخيرة، أقصد المعارك في قره باغ، إستفادت تركيا إلى حد ما من الفرصة المتاحة، ووضعت في الإعتبار هذا المكان كملاذ جديد لإرهابيي داعش، ولكن من المؤكد بسبب صغر مساحة قره باغ ومحدودية مساحة النزاع لايمكن لأعداد كبيرة من أعضاء داعش الحضور إلى هذا المكان كما كان حضورهم في أرمينيا.

السؤال التاسع: هل ستنجح هذه السياسة؟

أعتقد أنّ هذه السياسة خاطئة، نحن والدول الأخرى في تواصل مع تركيا لإفهامها بعدم إتّباع مثل هذه السياسة، والسبب أنّ هذه السياسة سوف تعمل على تقوية حالة عدم الإستقرار في المنطقة. بالطبع فأنّ تركيا وآذربايجان نفتا هذه الأخبار ولكن الأدلة تبين هذه الحقيقة، حتّى أنّ الأرمن صوّروا مقاطع للإرهابيين ووزّعوها، أو أنّ إرهابيي داعش دخلوا إحدى القرى في الناحية الأخرى من "أرس" ومن ثمّ دخلوا أحد المنازل وقاموا بتصوير المكان ومن ثمّ وزّعوا هذا المقطع في الفضاء السيبراني. هذه الخطوة غير صحيحة على الإطلاق، وتتعارض مع أمن المنطقة، والسبب هو حيثما وطأت أقدام الإرهابيين منطقة ما، لم يعد الأمن موجوداً. لهذا فأنّ الدول المحيطة بتركيا توصيها بعدم الدخول في هذا الموضوع.

السؤال العاشر: كيف يمكن قراءة التدخل التركي في هذا الصراع؟ هل هو مرتبط بتنافسها مع روسيا في سوريا أو ليبيا؟

في نهاية المطاف فأنّ تركيا تسعى إلى توسيع دائرة نفوذها وسيطرتها. لهذا السبب تقوم تركيا بمثل هذه الأعمال في سورية وفي البحر الأبيض المتوسّط حيث النفط والغاز إضافة إلى ليبيا. وبطور تقليدي تنظر تركيا إلى آسيا الوسطي والقوقاز بسبب اللغة التي تجمع هذه الدول بتركيا.لقد أسلفتُ لكم، نفت تركيا هذه الأخبار ونحن بدورنا لانريد أن نصدق هذه التهمة، ولكن فيما لو تأكد صدق هذه الأخبار، يمكن النظر إليها على أنّها تصبّ في إطار السياسة التوسّعية لتركيا بهدف زيادة مساحة ومراكز نفوذها.

السؤال الحادي عشر: من جانب آخر كيف يمكن قراءة الدور الأميركي في هذا الصراع؟ يقال إن أميركا تسعى إلى إيجاد غرفة عمليات مشتركة بين الولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني وتركيا وآذربيجان.. والغرض هو السيطرة على إيران وروسيا والصين؟

هدف أميركا من التواجد في المنطقة، على سبيل المثال في أفغانستان أو دول أخرى، هو نفس الهدف الذي أشرتم إليه، أي محاصرة روسيا وتهديد الصين وفي النهاية ايجاد محدودية موجّهة إلى الجمهورية الإسلامية في إيران. هذا هدف عام لأميركا في المنطقة ولديها مساعدين فيها، من ضمنهم الكيان الصهيوني الذي لربّما يقدم المساعدة لأميركا. ولكن في موضوع قره باغ نحن لانرى أدلة في هذا الموضوع، بمعنى أنّ أميركا تسعى لعدم التدخّل في موضوع قره باغ بصورة مباشرة، والسبب هو تبلور المنافسة الأميركية الروسية كما أسلفتُ لكم، ومن ثمّ تكون هذه المنافسة في غير صالح أميركا. القوة بالوكالة لأميركا في المنطقة، أقصد في قره باغ وأرمينيا وآذربايجان، تتمثل في الكيان الصهيوني، الذي يزوّد جمهورية آذربايجان بالأسلحة ولديه علاقات مع أرمينيا. إذا كان حضور الإرهابيين من أعضاء داعش في المنطقة المتنازع عليها صحيحاً، من الطبيعي أنّ يحارب هؤلاء نيابة عن أميركا، لهذا أستبعد شخصياً تدخّل أميركا بصورة مستقلة في هذا النزاع، علماً أنّها لم يسبق لها أن قامت بهذا العمل في الأحداث الإقليمية. عادة ما يتدخّل إرهابيو داعش في النزاعات لصالح أميركا وهكذا الحال مع الكيان الصهيوني، ولكن الهدف الذي أشرتم إليه وهو محاصرة الجمهورية الإسلامية في إيران وتهديد الصين وايجاد المشكلات لروسيا، هو أحد الأهداف الرئيسة لأميركا.

السؤال الثاني عشر: إلى مدى دخول الناتو إلى هذه النقطة الجيوبوليتيكية هو هدف تسعى إليه الولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني وتركيا؟

بعد الفشل الذي مُني به حلف الناتو في أفغانستان، لايبدو أنّه متحمّس للتواجد في مناطق أخرى من العالم، وخاصّة بالنيابة عن أميركا أو بناء على توصية وطلب منها. لهذا لايبدو أنّ حلف الناتو يود التدخل في هذا النزاع الذي أشرنا إليه.