اعادة تصنيع المجموعات المسلحة في ادلب والاستعصاء التركي

اعادة تصنيع المجموعات المسلحة في ادلب والاستعصاء التركي
الثلاثاء ١٠ نوفمبر ٢٠٢٠ - ٠٥:٤٨ بتوقيت غرينتش

جماعة احرار الشام في شمال سورية، ذاهبة بشكل ثابت نحو التصدع والانهيار، حيث طفت على السطح في الاونة الاخيرة الخلافات داخل الجماعة، حالة من المد والجزر تعصف بالجماعة، تشير المعطيات انها جزء من صراع استخباراتي للسيطرة عليها، واعادة انتاجها وتوجهييها ضمن خط سير المؤامرة التي تستهدف اطالة امد الحرب المفروضة على سوريا. 

العالم - قضية اليوم

الأمور وصلت داخل الجماعة على ما يبدو الى نقطة اللاعودة أخيراً، بعد ان انذرت جبهة النصرة أفراد جماعة أحرار الشام الارهابية، بالانسحاب من محور "دير سنبل" بـ"جبل الزاوية" في ريف إدلب الجنوبي، أو "مبايعة" كل من "حسن صوفان"، والنقيب "أبو المنذر" اللذين يقودان عملية انقلاب ضد قيادة "أحرار الشام"، بتحريض ودعم من جبهة النصرة، هذه الخلافات وقعت ضمن قيادات الصف الأول في أحرار الشام، ما أدى إلى نشوب انشقاقات انقسمت بين جناح موالي للقائد السابق للجماعة حسن صوفان، وجناح بقي على مبايعته للقائد الحالي جابر علي باشا. الانقسامات أدّت إلى صدور بيانات متضاربة بين مؤيد لعلي باشا ومعارضين لصوفان، الأمر الذي استغلته جبهة النصرة واصطفت من خلاله إلى الفئة المنشقة عن الجماعة، وبدأت بدعمها لإنهاء الجناح الذي يقوده جابر علي باشا، القائد الحالي للجماعة وكل من يواليه من القادة. حيث تحاول جبهة النصرة فرض نفسها لاعبا وحيدا في ادلب، عبر انهاء جماعة احرار الشام، وبتواطئ من المخابرات التركية التي تسعى لاسترضاء الاطراف الدولية لايجاد موطئ قدم دائم لها في ادلب، بواسطة هيمنة النصرة وفرع تنظيم القاعدة في سوريا على كل المحافظة الشمالية، وفرض الاجندة التركية – الامريكية، ومن ثم الاستمرار في تسويق ان جبهة النصرة هي جماعة معتدلة، بعد ان تصبح ادلب هي اكبر تجمع لتنظيم القاعدة على مستوى العالم.
منذ اكثر من عامين، تعيش جماعة احرار الشام صراعات بين اجنحتها الداخلية، في انعكاس واضح للتدخلات الاقليمية، هذه الصراعات، جزء منها يتعلق باموال الجماعة، وجزء اخر يتعلق بالمناصب داخلها، اما الصراع الاشرس والاكثر دموية، هو ما يتعلق بالمناطقية داخل هذه الجماعة الارهابية، التي يقسم فيها النفوذ بين قادة ينحدرون من محافظة ادلب، في مواجهة اخرين من محافظة حماة، الامر الذي ادخل الاختلاف الايدولوجي داخل الجماعة حلبة الصراع، فأصبح هناك تيار يتبع قيادة الاخوان المسلمين، واخر يتجه نحو التيار القاعدي في سوريا، وهذا التيار هو الذي سهل على جبهة النصرة اختراق الجماعة، والسيطرة على قرارها، ما يجعل الخلاف الاخير داخلها مرشحاً ليكون المسمار الاخير في نعش هذه المجموعة الارهابية.
هذا المشهد يفتح الباب أمام مزيد من التصعيد الذي قد يقود الصراع إلى مرحلة الاحتراب بين المجموعات المسلحة، بالذات بعد عمل الجولاني توجيه ضربة قاسمة للجماعة، وبهذا تكون استطاعت اخراج منافسها في الدعم التركي والخليجي، لتبقى الوحيدة بعد انهاء الجماعة الاخوانية الكبرى في ادلب، وتغليب التيار السلفي في داخلها، بالاضافة الى ذلك - وهنا مربط الفرس-، حيث تسعى جبهة النصرة للسيطرة على ما يسمى بالمجلس العسكري الذي شكلته تركيا في وقت سابق، والذي يضم كل من النقيب الفار عناد درويش، ما يسمى بالقائد العسكري المعزول لجماعة أحرار الشام، وقائد أركان ما يعرف بالجبهة الوطنية للتحرير في ذات الوقت، والقيادي العسكري فيما يسمى بفيلق الشام (الذراع العسكري للإخوان المسلمين) والذي يشرف على غرفة عمليات "الجبهة الوطنية للتحرير"، وأبو الحسن 600 القائد العسكري البارز في جبهة النصرة، ما يجعل الاخيرة تسعى الى دعم النقيب المنشق درويش في تمرده، وهذا يفتح الباب واسعا امام حلم تركيا باستعادة دورها في ادلب، والذي يعتبر الان ضربا من المستحيل، بالرغم من محاولتها الدائمة والمستمرة تعديل صورة جبهة النصرة، وتعويمها، والتماهي بالرؤية الامريكية حول ادلب، واستمرار الدعم الامريكي للاتراك فيها، وانهاء جميع المجموعات المسلحة والاكتفاء بجبهة النصرة، لتكون المفاوض الوحيد في الحل السياسي، وايضا الجدير ذكره ان كل ذلك جاء كعقاب لجماعة احرار الشام التي فشلت بتنفيذ اوامر المخابرات التركية بتقليم اظافر جبهة النصرة في ريف ادلب وحلب، ما جعل النصرة جزء من مشروع يطرحه الاتراك، عبر تشكيل ادارة مدنية وعسكرية جديدة في ادلب، تدير شؤون المحافظة، وفق الاجندة التركية، وهذا المشروع بدأت النصرة بالتسويق له سابقاً وكان محل خلاف واضح بينها وبين قيادة جماعة احرار الشام، في الوقت الذي ايده من الجماعة، قائد الجناح العسكري النقيب درويش الذي أيّد الفكرة وتبناها.
بالمجمل كل تلك المعادلات ستسقط بعد ان حددت منذ فترة قواعد الاشتباك، وباتت المنطقة بشكل حقيقي امام خطوط حمراء جديدة، لا يمكن للتركي تجاوزها، ووفق المعادلات الناشئة، فإن اعادة انتاج وترتيب اصطفاف المجموعات المسلحة، لن تفيد التركي والامريكي الذي يواجه استعصاء حقيقي في ادلب، ومأزق كبير لا يمكن الهروب منه، فالايام الماضية تثبت ان تجربة تركيا باعادة تلوين وتشكيل المجموعات المسلحة، وواجهها الجيش السوري، وهزمها، وتحت نظر وسمع الامريكي.

حسام زيدان