عندما تحل الحكومات العربية أزماتها على حساب القضيّة الفلسطينية

عندما تحل الحكومات العربية أزماتها على حساب القضيّة الفلسطينية
الجمعة ١١ ديسمبر ٢٠٢٠ - ٠٥:٥٥ بتوقيت غرينتش

لم تُفاجِئنا تغريدة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المهزوم التي كشف فيها النّقاب عن اتّفاق بين المغرب و"إسرائيل" لتطبيع العُلاقات، لأنّ كُل المُقدّمات كانت تُشير في هذا الاتّجاه، أبرزها إعلان كُل من الأردن ودولة الإمارات العربيّة المتحدة عن فتح قنصليّات لها في مدينة العيون الصحراويّة، علاوةً على زيارة جاريد كوشنر صِهر ترامب ومُستشاره الأوّل إلى الرباط واستِقباله بحفاوةٍ من قبل الملك المغربي محمد السادس، وتدفّق السيّاح "الإسرائيليين" إلى المغرب بشَكلٍ غير مسبوق.

العالم - المغرب

وأكد عبدالباري عطوان رئيس تحرير صحيفة "راي اليوم" أن هذا الاتّفاق المغربي الإسرائيلي جاء على أساس نظريّة الأرض مُقابل السّلام، ولكنّ الصّحراء الغربيّة وليس الأرض الفِلسطينيّة، حيث اعترف الرئيس الأمريكي في تغريدةٍ له بالسّيادة المغربيّة الكاملة على الصّحراء، وتعهّد بتقديم الدعم المالي لمشاريع التنمية في المغرب والصحراء معًا، وأعلنت شركة الطيران الإسرائيليّة الرسميّة عن تنظيم 20 رحلة أُسبوعيًّا إلى المطارات المغربيّة، والقادم أعظم.

واضاف عطوان أن الرئيس الامريكي ترامب لم يَكذِب هذه المرّة عندما قال إنّ تسع دول عربيّة تَقِف في طابور التّطبيع، وحدّدها بالإمارات والبحرين والسودان والسعوديّة وقطر وسلطنة عُمان والمغرب وتونس وموريتانيا، وها هي اتّفاقات التّطبيع تتناسخ وتتناسل الواحدة تِلو الأُخرى، ولا نَستبعِد أن تكون أرضيّة المُصالحة السعوديّة القطريّة التي رعاها كوشنر هي التّطبيع مع الاحتِلال الإسرائيلي حيث أعلن الصّهر بعد دقائق من إعلان الاتّفاق التّطبيعي المغربي الإسرائيلي أنّ تطبيع العُلاقات بين السعوديّة وإسرائيل حتميّ، رغم “غضبة” تركي الفيصل في مُؤتمر المنامة، وهُجومه الشّرس على الاحتِلال الإسرائيلي، وقد يقولون لنا غدًا إنّ الأمير تركي الفيصل ليس مسؤولًا في الدّولة وغضبته لا تُمَثِّل السّلطات السعوديّة.

وأكد عطوان أن ترامب يَكذِب في كُل القضايا والمواضيع الداخليّة والخارجيّة، وحصت له صحيفة “الواشنطن بوست” ثلاثة آلاف كذبة، ألفًا مِنها حول فيروس كورونا، ولكنّ التّجارب العمليّة، وتواتر عمليّات التّطبيع، أكّدت لنا أنّ كُل ما يقوله حول “الشّرق الأوسط” وحُكوماته دقيقٌ جدًّا، وهذا يعود إلى حالة الضّعف والاستِسلام التي تسود مُعظم الحُكومات العربيّة حاليًّا، وإذعانها للإملاءات الإسرائيليّة الأمريكيّة، واحتِرافها الكذب والتّضليل لشُعوبها.

واضاف بات واضحًا أن الكثير من الحُكومات العربيّة، ملكيّة كانت أم جُمهوريّة، تحل أزَماتها الاقتصاديّة، أو مخاوفها الأمنيّة النّاتجة عن فسادها وفشل سِياساتها الداخليّة على حِساب القضيّة والشّعب الفِلسطيني، والثّوابت العربيّة، ومُعظم المُكافآت الماليّة التي تَحصُل عليها هي عربيّة في الأساس، ومن الصّناديق السياديّة التي يجري “تدوير” أموالها عبر الإدارة الأمريكيّة على شكل صفقات أسلحة، أو تذهب بشكلٍ مُباشر كأثمانٍ للتّطبيع، وبأوامر أمريكيّة إسرائيليّة.

لم نَعُد نُفاجأ بإعلانات التّطبيع، أو رحَلات الطّيران الإسرائيلي إلى عواصم عربيّة، أو غزو البضائع والفواكة، والسيّاح الإسرائيليين لهذه الدّولة أو تلك، فقد تغوّلت مُعظم الحُكومات العربيّة في الخِيانة والمُجاهرة والفُجور، ولكنّنا على ثقةٍ بأنّ من انخرطوا في هذه الاتّفاقات هم الذين سيُفاجأون في المُستقبل القريب من الثّمن الباهِظ الذي سيدفعونه من أمنهم واستِقرار بُلدانهم ونتائج خِياناتهم للقضيّة الفِلسطينيّة ومُقدّساتها.

وقال عطوان إنّ هذا الاتّفاق المغربي الإسرائيلي قد يُحَقِّق السّلام لتل أبيب ومُستوطنيها، ولكنّه قد يكون في المُقابل مشروع فِتنَة، وربّما حُروب وعدم استِقرار في دول الاتّحاد المغاربي التي ظلّت مُحصّنةً في وجه الاضّطرابات والحُروب التي سادت المشرق العربي طِوال السّنوات العشر الماضية تحت عناوين الديمقراطيّة، وبتخطيط ومُشاركة من أمريكا والدّول الاستعماريّة الأوروبيّة الأُخرى. أمّتنا العربيّة والإسلاميّة مرّت بمراحل من الهوان والإذلال أخطر وأسوأ بكثير من المرحلة التي تَمُر بها حاليًّا، وخرجت منها قويّةً مُعافاة، ولا يُخامِرنا أدنى شك بأنّها ستتجاوز هذه المرحلة وستَخرُج من بين رُكامها قويّةً مُعافاة مُنتَصِرة.. والأيّام بيننا.