دمشق.. ضجيج الحرب العسكرية ينخفض وضجيج الاقتصادية يرتفع!

دمشق.. ضجيج الحرب العسكرية ينخفض وضجيج الاقتصادية يرتفع!
الإثنين ٠٥ أبريل ٢٠٢١ - ١١:٠٨ بتوقيت غرينتش

لم تكن الحرب والقذائف السبب الوحيد في تبدل احوال دمشق، العاصمة السورية التي تشهد في هذه الايام اقسى انواع الحصار الاقتصادي في العصر الحديث، والتي تركت لابنائها مساحة اخرى من التغيير، يتحسسها الزائر للمدينة في كل مرة يعود إليها.

العالم - كشكول
انخفض ضجيج الحرب العسكرية، لكن حرب العقوبات مازال صوتها يرتفع، فحوامل الطاقة ام الأزمات بالنسبة للسوريين، اختبرها سكان العاصمة في مراحل زمنية سابقة، لكنها الان تبدو اقسى، فما تعيشه البلاد مرحلة صعبة بل أصعب مراحل الحرب المفروضة والتي تستهدف الانسان السوري بشكل مباشر، ومن هذه الحوامل ازمة الوقود التي جعلت سيارات العاصمة تصطف امام محطات الوقود، في مشهد لم يعتد عليه السوريون حتى في اسوء ايام حصار دمشق، في شوارع العاصمة يمتد صمود الاهالي الذين تأقلموا مع هذا النوع من الحرب سريعاً، وباتوا يواجهونها بالكثير من العادات والمهن الجديدة، انه فن الانتظار والرهان على الصبر في قلب المعركة.
يلملم سائقوا السيارات الصباح ويتقاسمون ساعات انتظار اخرى، بهدف الوصول الى مضخة البنزين، حتى الشارع الممتد والمواز لاتوستراد المزة، يصحوا من غفوته على صيحات السائقين، وهو الممر لثلاث محطات وقود، هناك يجر ابو اياد (60 عاما) عربته المحملة بالفستق ومياه الشرب والقهوة، ليبيعها للمنتظرين، في مشهد يؤكد ان حتى عادات الباعة المتجولين تبدلت في هذه الظروف، ويشرح ابو اياد ذلك " ان السائقين لا يمكن ان يتركوا دورهم على محطة الوقود، خوفا من خسارته بعد مضي ساعات من الانتظار، لذلك يضطر البائع لتبديل استراتيجيته، بالذهاب هو للزبائن من اصحاب السيارات، ولا ينتظرهم"، ابو اياد مع عشرات الباعة يجوبون اطراف طابور السيارات، وتتنوع بضائعهم من علبة سجائر الى المشروبات الساخنة والشطائر السريعة، وصولا الى باعة اوراق اليانصيب، شاركهم في هذا السوق الطويل، شركة الاتصالات الخليوية، التي ارسلت مندوبيها لبيع خطوط الخليوي المجانية والعروض.
ساعات الانتظار الطويل، فتحت الباب امام العلاقات السريعة التي تنشأ بين المنتظرين، على اطراف الرتل الطويل، يتجمع عدد من السائقين، يناقشون بصوت مرتفع امور كثيرة، عن المحطة الاكثر سرعة في تعبئة السيارات، كم كلف الانتظار الاخير من الوقت لكل سائق قبل ان يملأ خزان سيارته، كيف يمكن اين يتصرف الجميع ان انتهى مخزون المحطة من الوقود، هل ستترك السيارات في مكانها في انتظار وصول الصهاريج الى المحطة من جديد؟؟، قصص كثيرة واحاديث عن ايام الانتظار السابقة، وحكايا تقرض الوقت الطويل، لا احد منهم يهتم باسم الاخر، او حتى من اي منطقة، يتركز اهتمامهم فقط بمرور الوقت خفيفا عليهم، وصولا الى مضخة الوقود، يتخلل تلك الاحاديث وساعات الانتظار التي يمكن ان تصل الى اكثر من 12 ساعة بالحدود الوسطية، مساعدة احد السائقين فرغ مخزونه من البنزين، ويبدأ الجميع يتسابق لدفع سيارته كي لا تعطل مسير الدور. ضمن ذلك الرتل يرفع ربيع الشاب العشريني، رأسه عن شاشة الهاتف الذكي، ليشرح كيف انه امتنع من الوقوف بالدور، قبل عودة الانترنت الى هاتفه، حيث اشار الى ان " الانترنت التسلية الاهم على دور البنزين، وان قطع الانترنت اجبر احد اصدقائي للحضور معي، لنتسلى ونمضي الوقت" وبين ربيع ان الانتظار في طابور البنزين، دفع الى نقل " وسائل التسلية من البيت الى الشارع، الاركيلة، طاولة الزهر، الاصدقاء" ولفت ربيع ان بعض المواعيد اصبحت تضرب امام محطة الوقود، معللا ذلك بأنه " جزء من استغلال الوقت المهدور، يمكن ان ننجز بعض اللقاءات ان كانت اجتماعية او للعمل" فيما يصّر احمد (35 عاما - محامي) على ان هذه المعركة – بحسب تعبيره – هي ضريبة الانتصار العسكري مشددا على ان " الصبر والتأقلم مع الظروف ومساندة الدولة في تنظيم وصول المحروقات للجميع، هي احد الاوجه الحضارية التي يجب ان تسود في هذه الظروف" وتابع " انتصرنا عسكريا وسياسيا وسنتابع المعركة الاقتصادية، فلا نصر بدون ضريبة".
مهن جديدة ظهرت في هذه الظروف، وابرزها مهنة الانتظار، حيث يسعى الكثير من السائقين الى حجز دور امام محطات الوقود، ويبيعها بعد ساعات، ويرتفع ثمن هذا الدور كلما اقترب من باب المحطة، يؤكد فارس ( 23 عاما) ان اغلب المفاوضات على الدور تتم بعد الساعة 12 ليلاً، مبيناً ان " هناك الكثير من الناس لا تستطيع ان تعطل اعمالها وتنتظر، هناك من يقدم لها هذه الخدمة، في سبيل تأمين دخل مادي"
لا يتفق وسام ( 40 عاما سائق تكسي ) مع بقية زملائه من سائقي سيارات الاجرة على الانسحاب من الرتل والعودة في اليوم التالي، في حال فرغت خزانات المحطة من الوقود، يغلب اللون الاصفر على الرتل الطويل، انها سيارات الاجرة، التي انهمك سائقوها بنقاش حول انخفاض عائداتهم المادية جراء الانتظار وشح الوقود، يصرخ احدهم بغضب انه سيبيع سيارته، فيما ينصحه اخرون بالصبر، في مشهد سريالي، تشعر انه اختصر كل شرائح المجتمع في لوحة واحدة، لينتهي اليوم بصوت احد عمال المحطة بأن مخصصات المحطة من الوقود قد انتهت، لتبدأ رحلة انتظار جديدة.

* حسام زيدان