تصاعد التلاسن بين رجال دين مصر وإثيوبيا بسبب سد النهضة

تصاعد التلاسن بين رجال دين مصر وإثيوبيا بسبب سد النهضة
الإثنين ٢١ يونيو ٢٠٢١ - ٠٣:٥٨ بتوقيت غرينتش

مع تصاعد أزمة سد النهضة الإثيوبي والفشل المتكرر للمفاوضات بين القاهرة وأديس أبابا، وصل السجال بين الطرفين إلى المؤسسات الدينية في البلدين، حيث بدأت كل منهما في مساندة موقف السلطة في بلادها.

العالم - مصر

أحدث محطات هذا السجال، هو انتقاد "عباس شومان"، وكيل الأزهر الأسبق وعضو لجنة الفتوى الرئيسية بالأزهر، تصريحات رئيس المجلس الأعلى الفدرالي الإسلامي في إثيوبيا "الحاج عمر إدريس".

فبعد أن اختار "الحاج إدريس" أن يتحدث عن إثيوبيا بوصفها أرض النجاشي، ذلك الملك العادل الذي هاجر إليه المسلمون فرارا بدينهم في السنوات الأولى لبعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، قال "شومان" إن أديس أبابا تسير على خطى أبرهة ذلك القائد العسكري الذي حاول هدم الكعبة المشرفة.

وفي منشور على موقع فيسبوك، قال وكيل الأزهر السابق، إن "اللهجة التي تحدث بها الحاج عمر إدريس، الذي يعد مفتي إثيوبيا أيضا، عن مصر والسودان وفضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر وإمام المسلمين، لا تليق بعالم يفتي الناس".

وأضاف "شومان"، ردا على بيان مفتي إثيوبيا، الذي هاجم فيه شيخ الأزهر، أن "شيخ الأزهر يعرف النجاشي وعدله، وحدَّث الوفد الإثيوبي الذي زار مشيخة الأزهر قبل سنوات، حين طفت أزمة سد النهضة على مسرح الأحداث، مذكرا بالعلاقات التاريخية بين المسلمين منذ صدر الإسلام وحتى وقتنا الحاضر".

وأوضح عضو لجنة الفتوى أن شيخ الأزهر قال للوفد حينها كلمات تكتب بماء الذهب ومنها "لسنا ضد انتفاع إثيوبيا بماء النيل؛ لكن ليس على حساب عطش المصريين".

وأكمل شومان نعم كان النجاشي الذي تعيشون على أرضه عادلا؛ لكن حكومتكم ليست حكومة النجاشي، وهي ليست على سيرته؛ بل هي على سيرة جدكم أبرهة، الذي حاول هدم الكعبة، فأثبتوا أنكم أبناء النجاشي لا أبرهة، وأعلنوا حق مصر والسودان فعلا لا قولا، وأعلن أنت أنك حفيد النجاشي وأثبت أنك عادل مثله.

يأتي ذلك بعد بيان أصدره شيخ الأزهر أحمد الطيب، الثلاثاء الماضي، دعا فيه المجتمع الدولي والأفريقي والعربي والإسلامي لتحمل مسؤولياتهم والتكاتف ومساندة مصر والسودان في الحفاظ على حقوقهما المائية في نهر النيل، والتصدي لادعاء البعض ملكية النهر، والاستبداد بالتصرف فيه بما يضر بحياة شعوب البلدين.

وأعرب الطيب عن تقديره للجهود الدبلوماسية المصرية والسودانية، والتحلي بلغة المفاوضات الجادة، والسعي الحثيث لإيجاد حلول تحفظ للجميع حقوقهم في استثمار الموارد الطبيعية بدون الجور على حقوق الآخر بأي شكل من الأشكال.

كما أكد على أن التمادي في الاستهانة بحقوق الآخر -لا سيما الحقوق الأساسية مثل الماء- هو أمر منهي عنه شرعا، فضلا عن كونه مخالفا للأخلاق والأعراف والقوانين الدولية والمحلية، ولو فُتح هذا الباب فسوف تكون له عواقب وخيمة على السلام العالمي، فبعض الأنهار يمر بأكثر من 5 دول، فهل يتصور أن تنفرد به أحدها؟

في المقابل، ندد الحاج عمر إدريس، رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الفدرالي الإثيوبي ومفتي البلاد، ببيان شيخ الأزهر، معتبرا أنه يفتقر للواقعية، وأن هذا النوع من الدعوات يتعارض مع القيم الإسلامية، ومرفوض تماما من حيث المبادئ الدينية.

وأضاف مفتي إثيوبيا، في تصريحات أدلى بها، الخميس الماضي، لوسائل الإعلام، أن مياه النيل تنبع من إثيوبيا التي لها الحق في الاستفادة من مواردها الطبيعية بدون إلحاق ضرر كبير بدول حوض النيل بشكل عام، وفق وكالة الأنباء الإثيوبية.

وقال إدريس إن إثيوبيا طلبت الاستخدام العادل والمنصف من الموارد الطبيعية، التي تربط جميع دول حوض النيل، معتبرا أنه طلب عادل ولا ترفضه الشريعة ولا القانون، وفق تعبيره.

جدير بالذكر، أن رئيس الوزارء الإثيوبي، آبي أحمد، قام بعد وصوله إلى السلطة بمنح المجلس الإسلامي (أكبر هيئة إسلامية في البلاد) في 2018 وضعا قانونيا بعد عقود من عدم الاعتراف به؛ ليصبح بذلك مؤسسة دينية إسلامية ذات سيادة كاملة.

ويحظى أمين المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الإثيوبية، الشيخ قاسم محمد تاج الدين، بعلاقة وثيقة مع رئيس الوزراء، بحسب مقال نُشر في مطلع مايو/أيار الجاري للباحث المصري مصطفى زهران.

وتحت عنوان "لعبة آبي أحمد.. لماذا يدعم مسلمو إثيوبيا سد النهضة؟"، أوضح الباحث المصري أن "آبي أحمد" عمل على إفساح المجال للمسلمين كي يعملوا داخل المؤسسات الحكومية، والتودد لرموز ودعاة المسلمين، فضلا عن مشاركتهم مناسباتهم وأعيادهم الدينية، ما ساهم في توظيفه لنخبتهم ورموزهم.

وأشار إلى أن المفتي الحاج عمر إدريس يعد أبرز هذه الوجوه، وذلك نظرا لخطبه وتصريحاته المختلفة، التي تضفي شرعية دينية على مشروع السد.

ووصل السجال بين المؤسسات الدينية إلى مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أعرب نشطاء عن رفضهم هجوم الحاج عمر إدريس على شيخ الأزهر، كما تساءلوا عن تأثير هذا التلاسن على قضية سد النهضة.

واستنكر بعض الرواد تصريحات الحاج عمر عن كون إثيوبيا بلد النجاشي، في الوقت الذي قامت به القوات الإثيوبية بقصف مقام الملك العادل النجاشي، أثناء الهجوم على إقليم تيغراي، وفق تعبيرهم.

ومع اقتراب موعد الملء الثاني لسد النهضة، الذي تصر إثيوبيا على أنه سيتم في يوليو/تموز وأغسطس/آب المقبلين، بعد نحو عام على الملء الأول، حتى لو لم تتوصل إلى اتفاق مع دولتي المصب مصر والسودان.

في حين تتمسك القاهرة والخرطوم بالتوصل أولا إلى اتفاق ثلاثي للحفاظ على منشآتهما المائية، وضمان استمرار تدفق حصتيهما السنوية من مياه نهر النيل.

وفي أقوى لهجة تهديد لأديس أبابا منذ نشوب الأزمة قبل 10 سنوات، قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يوم 30 مارس/آذار الماضي إن "مياه النيل خط أحمر، وأي مساس بمياه مصر سيكون له ردّ فعل يهدد استقرار المنطقة بالكامل".

المصدر: الجزيرة